قبل ثمانية عشر عاماً وبالتحديد في 1- 10 – 1998 رحل الشاعر الصديق محمد نصر الدين سيفو وهو في ذروة عطائه .
رحل ذاك الذي استطاع أن يخضعني بهدوئه وصخبه وصمته وعذوبة كلامه ، رحل ذاك الذي صبغ جلستنا الأسبوعية بطابعه ، وصار يفد إلينا من طرطوس حيث كان يعمل ، حاملاً ألقه وحبه الكبير .
وصار له كرسيَهُ وفنجانَ قهوته المشبع بالحلاوة .
وصارت أمه تهتف إلينا في صباحات الجمعة كي تتأكد من قدوم ابنها الذي سرقه الشعر على حين غرة .
وحفظنا أسمي ابنتيه ( رؤى ورنيم ) بعد أن صارتا هاجساً من هواجس عمره .
وعرفنا تفاصيل أنثى كان يعشقها ، أنثى نظرتها قيثارة غجرية ، أنثى تشعل في أوردته نبضَهُ ، أنثى استفاضت في دمه ، أنثى ترعرعت القصيدة في محياها ..
وصور لنا وطناً صارت فيه السيوف بريئة من عري أبنائه .
وفي آخر قصائده حضرت مفردات الصقيع والرحيل والموت ، وكأني به كان يدرك أن موعد رحيله قد صار أقرب من الرمش إلى العين ، ولذلك تدفقت قصائده سريعاً ، وأصدر في أقل من أربعة أعوام ست مجموعات شعرية ، صدر منها اثنتان بعد وفاته ، وهي على التوالي ( رؤى تبحر في دمي 1994 – خشوع البنفسج 1995 – ترتيلة الأتربة 1997 – لأنثى من الليلك 1998 – التائه 1998 – حرير الثلج " محكي " 1998)
محمد سيفو
لازلت أسمع صدى صوت أمِك وهي تودعك بصوت في نبراته حزن يهد الجبال ويوقف أمواج المحيطات ويحبط حركة الرياح ، يوقف المطر وتركع له الشمس ويسجد القمر وتولول نجوم السماء وتقول لها :
– آه لو كان بإمكاننا أن نفعل لك شيئاً ولكن .. ماذا ينفع الرعيان إن كانت عناوين الصحارى قاحلة ..
محمد عزوز
( من الفصل الخاص بالشاعر في كتابي ( شعراء سلمية ) الصادر في جزئه الأول عام 2010 )