إيهاب زكي – بيروت برس –
هذا العنوان ليس مريحًا على الأقل على المستوى الشخصي، لأنه يشي بالقطع في منطقة لا تكف عن الحركة والدوران، ولكنه قطعٌ بدافع اللحظة الذي تذوب فيها الفواصل بين الحالة الشعورية والمنطق التحليلي.
غالبًا ما تمتاز التصريحات الدبلوماسية بالاستدارة وأحيانًا باللزوجة، فلا زوايا حادة لها تخدش أو تصيب مقتل، ولزجة حيث أن أطرافها عصية على الإمساك، وهذا ناتج عن طبيعة العمل الدبلوماسي الذي يشكل قفازًا مخمليًا للقوة الضاربة والقبضات الفولاذية، وحين تصل التصريحات الدبلوماسية إلى مرحلة الحدية والخشونة، تكون تعبيرًا عن محدودية الخيارات حد الاصطدام بالجدار، ولكن ليس شرطًا أن تكون تعبيرًا عن الاقتراب من الهاوية، وهذا ما نلاحظه الآن في التصريحات المتبادلة بين روسيا وأمريكا. تصريحات خشنة ونافرة تجعل من ابتسامات لافروف كيري المتبادلة مجرد ذكرى، كما أن هناك تصريحات نافرة أيضًا ولكن ظاهرها يبدو موجهًا للحلفاء، كالتصريحات الروسية والإيرانية حول تدخلها الذي لولاه لكانت دمشق بيد الإرهاب، ومضمون هذه التصريحات موجه لأعداء سوريا لا لسوريا، حيث أن هذه اللغة هي التي يفهمها الغرب، لأن الغرب يعتقد بأنّ التدخل الروسي هو الذي منع تحقيق أهداف العدوان بإسقاط الرئيس الأسد، وبالتالي فهم يحاولون إخراج روسيا من سوريا، فروسيا تقول تدخلنا منع أن يصبح للإرهاب دولة، فالتصريحات على هذه الشاكلة لا علاقة لها بالتمنن كما يبدو ظاهرها.
منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مؤخرًا بين روسيا والولايات المتحدة، دأبت الإدارة الأمريكية على تصريحات عن التعقيد الذي يواجه عملية الفصل بين "المعتدلين والمتطرفين"، إلى أن أقرت في النهاية بصعوبة الفصل على لسان أكثر من مسؤول، وهذا مثالٌ آخر على التصريحات التي ظاهرها يعاكس باطنها، فالظاهر هنا يحاكي مصلحة "المعتدلين والمتطرفين" على السواء، حيث سيعتبر كلاهما أن هذا الموقف يشكل حماية لكليهما، لكن باطنه يطلق يد محور سوريا باستهداف الجميع، خصوصًا أن هناك إجماعًا دوليًا على إرهابية النصرة. فبعد الإقرار بهذه الصعوبة، قامت الولايات المتحدة بتعليق المحادثات مع روسيا، وهذا يعني غياب التنسيق بين البلدين، وهو التنسيق الذي كان يشكل في بعض جوانبه مظلة حامية للإرهاب، لذلك فوقف التنسيق يبدو نتيجة منطقية لتصريحات صعوبة الفصل، كما تبع ذلك اغتيال الطائرات الأمريكية للمدعو أبو الفرج المصري قيادي النصرة، وقد يكون من ضمن من شكلت لهم الولايات المتحدة مظلة حماية من خلال قنوات التنسيق مع روسيا، وهذا الاغتيال من جانبٍ آخر يدحض فكرة صعوبة الفصل، فلماذا تقدم الولايات المتحدة على أفعال تبدو أنها تناقض أقوالها، هناك أسباب كثيرة لهذا الاغتيال، آخرها أنه في إطار حرب أمريكا على الإرهاب، أو أن المصري كان يشكل خطرًا على مصالحها.
قد يكون جزءًا من الاتفاق الأمريكي الروسي، وقد يكون اعتذارًا عمليًا لا شفهيًا عن استهداف موقع الجيش السوري في جبل الثردة، وقد يكون من باب إعادة ترتيب البيت الداخلي للنصرة في إطار تأهيلها سياسيًا، وذلك من خلال تنقيتها من العناصر الأجنبية، وهو ما بدأ يظهر على السطح من خلافات مؤخرًا بين عناصرها السورية والأجنبية، وقد يكون له علاقة بالانتخابات الأمريكية وهو مما سيصب في مصلحة كلينتون كديمقراطية، أو أن أوباما يحاول جمع جوائز نهاية الخدمة، وعلى كل الحالات، فالمصري بعد أن تم تسمينه أمريكيًا أصبح كبش فداء صالح لكل الأطراف. وبالعودة إلى التهويل الذي تتناقله وسائل الإعلام عن خطوات أمريكية أحادية الجانب، ويتم تحويرها نفطيًا أو كما يلامس المخيلات المريضة لما يسمى بـ"المعارضة السورية" باعتبارها المقدمة الطبيعية لقرار أمريكي بالحرب الشاملة، كما قال جورج صبرا "أنها خطوة في الاتجاه الصحيح حيث لم تعد الدبلوماسية تجدي نفعًا من العنجهية الروسية وهمجية النظام"، فيجب التعامل معها بنفس المنطق الذي نتعامل به مع الأخبار المتداولة عن مناورات بحرية سعودية تحت مسمى درع الخليج1، فهي تصلح لحكايات ما قبل النوم لا أكثر.
بالتزامن مع تلك التصريحات، دعت ألمانيا لاجتماع خماسي مع استبعاد روسيا، وهي الدعوة التي تسهم في إذكاء الأوهام النفطية والمعارضة، باعتبار أن هذا الاجتماع سيكون القنبلة التي ستنفجر في وجه روسيا وسوريا وإيران وحزب الله، وهذا ما تستشعره من خلال متابعة قنوات النفط أو تصريحات ما يسمى بـ"المعارضة"، كما توقع الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد بأن ينهي أوباما ولايته بإنهاء الأسد. وعلى سبيل الاستطراد هنا، لا أعرف لماذا لا ينشغل الراشد بلملة أمواله قبل نهايتها في يد أوباما، بدلًا عن انشعاله بأوهامه عن النهايات الأخرى، لا نستطيع الجزم بما سيتمخض عنه اجتماع الغد، ولكن ما نستطيع القطع به، أن هذا التهويل عن حروب شاملة لا علاقة لها بالواقع. فعلى مدار الأزمة السورية وصلنا إلى لحظات تقارب حافة الهاوية بشكلٍ حقيقي، حد أننا كنا نعد اللحظات في انتظار عواجل الأخبار للإعلان عن أول شرارة، أما الآن فنحن أبعد ما يكون عن حالة الانتظار تلك، وما يحدث مجرد استيلاد نصر لا تود الولايات المتحدة أن تجعل مخاضه سهلًا.
* الرسم لسيباستيان تيبو من صحيفة الغارديان