…»هيمنــــة الأنا على العقل…«
عجبا ً من الحياة التي تحتوي كل الفنون , وأهم فنونها احتواء أناس طالما مارسوا فن الهيمنة العقلية بشكل فردي أو جماعي , وذلك من أجل تحقيق هدف مرحلي , أو ربما يكون هدف بعيد , وقد تفننوا بطرق غسل الأدمغة ، لناس ٍ أتوا يطلبون حاجة ً ما , وهذا يحصل في كثير ٍ من مواقف حياتنا , وهم يمارسون هذا الفعل بقصد إنشاء عملية تربوية ، كي يقومون بترسيخ حالة ٍ فكرية ٍ، يراد بها الهيمنة وقتل فكرة مطروحة ربما لا يجدون بها الصواب ، بل يتعمدون قتل هذا الصواب ، وتوجيه هذا الفرد نحو ما يريدون , ويتناسون أن الحق لا يوجَه , بل يوجـِه ذاته بذاته , ويسعى باتجاه كل شيء , لكن بالعناد يريدون هم خلق اعتقاد يتوافق مع نموذجيتهم بطريقة ٍ معينة .
ومن هنا وهذه الأفعال يجري الحديث عنها , فالأقوى هو الذي ينجح فعله ، ويسطو على الآخر الذي يَغسل العقل ، أو الذي يُغسل عقله , فالغسيلُ الفكري ، لا يمكن أن يصح إلا إذا كان المجموع أو الفرد هش ويمكن أن يجري عليه ما يُدبر له , ولا يمكن أن تنجح هذه العملية ، إلا إذا كانت إيجابية نحو الإبداع ولكنها تكون سلبية عندما تقف هذه العملية كحاجز ٍ أمام التقدم باتجاه المنطق والحق , والحقيقة أن مجمل التطورات البشرية ، هي حصيلة تناقضات ٍ عقلية بشكل أو بآخر , فهذا على المستوى العام من الحضارات التي تركت ما بنيت عليه واتخذت كل جديد فضاعت بين قديمها وجديدها , وهناك حضارات اتخذت من الجديد وحافظت على أشياء ٍ من القديم مثل القيم ومكارم الأخلاق ،وهذه التي انتشرت وملأت أصقاع الأرض ولو أتينا على المستوى الأصغر بنيانا ، والذي هو الأساس لبناء مجتمع ٍ أوحضارة فعندما تكون أنت متوافقا ً مع الغير متقبلاً ًما يُطرح عليك دون أن تتذمر وتتشدد بحكمك على الغير فتجد نفسك أنك على صواب فيما إذا تركت التشبث بفكرة ٍ قد تؤدي إلى خسارتك على المستوى الشخصي والعام , وهذا الغير ليس آتيا إليك ، طالبا ً لك من أجل مكسب ٍ مادي أو معنوي , لأنه حكما ً هو من العيب أن يأتيك وهو عارفا ً أنه أقلُ مستوى منك بل يأتيك وهو أكيد أنه من معدنك إلا إذا أنت قمت بمفارقة ٍ عبثية غير منطقية , لم تقبله مغرورا ً بنفسك ( لأنك أنت ) ولست تدري من هو فالحُكم على الغير، وأنت مغرور , فهذا ظلم ولا تَعلم أنك الظالم وتقوم بلعبِ دور المهيمن بغسيل ِ عقل ِ من أتاك بمودة ٍ وصدق ٍ يطلب الرحمة تواضعا ً , مع علمه أن الرحمة لا تـُطلب إلا من الخالق ، فتذهب أنت بممارسة ٍ غير شرعية , نافيا ً تواجده ووجوده ، هاملا ً له فتقف بعد حين بين الحق وحق من أتاك متأذيا ً ولست تدري أنك آذيت، وأهملت الصدق من العطاء , مستنكرا ً الحق ، فتقضي أيامك بين الهم والألم وقتها تقول يا ليت كذا وكذا , وهذا لا ينفع ، لأنه يكون قد سبق السيف العزل , وهذا الذي يحصل على مدار الزمن , مع أننا نعرف حق المعرفة ، أين الحق الذي يجب أن نفعله ، ولكن نستنكرلرغبة ٍ في نفوسنا فنذهب بشرِّ أعمالنا ، مبتعدين عن الواقع , فاعلين أشد الحماقات , مجيشين كل القوى التي تشبهنا مسلحين بأشد الأسلحة فتكا ً وجهلا ،ً لقتل أسمى وأجمل ما أوصى به رب العالمين (الحب والخير والعطاء) ونعتبر أنفسنا أننا انتصرنا خير انتصار، ويا خسارة عندما لم نعرف أن كل ما فعلناه ، هو خسارة ٌ للغير وخسارات ٍ كثيرة ٍ لنا , ولماذا هذه الخسارات ؟ أمن أجل تمرير فكرة (نحن لا نقبل) أنخاف لسان ناقد من البشر، وننسى سطوة الحق ؟ أنفعل الباطل ، ونرفض الحق من أجل أن نثبت أننا وبكل أسف نعيش وهم المثالية ؟ وما نفع المثالية والرقي ، إذا لم نمتثل للحق في حقوقه علينا، وقبولنا مَنْ يطلبُنا بالحق ِ ونكون معه ،غير أبهين بألسنة ٍ بغيضة لا ترى ولا تسمع, فدعونا لا نمارس الإرهاب العقلي والفكري على من يحبنا ، دعونا نضعه بيننا إذا ما قلنا في قلوبنا، دعونا لا نقوم بالتصفية النفسية والمعنوية ضد من يضمن لنا كل حقوقنا ، ويضـُمنا ضمن ضلوعه ويحبنا فكثيراً نجد أن من يطلبنا بأمر يظلمنا بطلبه, لكن لو تروينا ، واندفعنا آملين واثقين بأن الله له في الأمر شأن ، وأقدمنا على القبول ، لعلمنا أن الله شاء في ذلك كل الخير , وكثيراً ما تدفعنا نفوسنا نحو الاعتراض , فليس كل ما تقوله النفس هو الحق ، وليس كل ما يبقى منها أيضاً هو حق, فالنفوس أمّارة بالسوء وليعذرني كل من فيه نفسه غلابة للحق ، إذا قلت : ليس للحق في قلبه مكان ، وإن بدا عليه أنه كله للحق ، لكنه بفعلته التجريفية لحق ِ طالبِه مُهملاً له ، يكون قد ذهبَ بأكمل ِ كماله ِ ،وضاعت لديه المنعة والواجب الذي طلب منه إيفاء لرفيق أو صديق أو حبيب وبالآخر وأثمنها لأي أخ ٍ هو مواليه .