-
الشاعر والإعلامي سمير عدنان المطرود : حدّثني حجر الرصيف
حزيناً قال : هل سمعتَ عن رأسٍ من الصخرِ وقلبٍ من الصوّان .؟ مساحاتٌ كبيرةٌ في قلبِ زمنِ الصوّان ؛ عليها يتناوبُ العشّاقُ الضحكَ مع الأشجارِ الطالعةِ , على منحدرات المطر؛ وعرقِ الأجسادِ المتعانقةِ حدَّ الذوبانِ .. فعاشقان هما , نصفُ ملاكٍ هو ,و ملاكٌ من أثيرٍ هي ؛ يطيرانِ حينَ اللقاءُ فوق حدودِ الزمان والمكان ؛ هي بجناحين كبيرين يليقان بسيدة المسافات المضطربة ؛ أما هو فيطير معها , بقلبٍ ونصفِ جناحين وحلمٍ ؛ إذا ما تواعدَ الغيمُ مع الملائكة العطشى ! .. يا صاحبي ؛ حين يلتقيان ذات مصادفة ؛ يكونان فوق حدود البشر؛ بين أنصاف الملائكة . أما حين يتقاطعان عند نقطة التقاء وعي العقلِ المُضْمَرِ في بواطنِ الخفاءِ , مع أولِ بوابةٍ لسلامِ الروحِ ؛ ترتجف الغيوم من صَفْقِ أجنحتها ببعضها , و يحلّقُ هو فوق الدروب كلها , يطويها لفافة من تبغٍ , ينفثُ فيها كل وجع الروح .! تشبه لفافتك الحمراء الطويلة يا صاحبي , .. أمسكَ بضوء الشمس المتطاير, هو من فوق خيط المدينة الشال , صارخاً بالهواء , مَنْ طلبَ منك أن تقف عند حدودِ ألقها , أيها المتعّثر بروح حروفك ..؟ وماذا يعني إنكَ أنتَ الهواء .؟ من قال لكَ إنها بشرٌ ؛ لتلسعْها , وتجرحْ حروفَ أغنيتها , أيها المغفّل ؛ إنها ضوءٌ سابح في الملكوت , من قال لكَ إنها ضباب .؟ .. حينها يا صاحبي , انتفضَ الهواء ثائراً , و بلحظة مرت سريعاً , زمجرَ الهواء , وصارَ عاصفةً , أسقطتْ الأجنحةَ المتكسّرةَ عنهما .. فعادت هي فكرة مدينة من زمن الخراب , وعاد هو غريباً .. وصار اسمهما الجديد ؛ عاشقين من مخلفات زمن الحرب .. .. المسافات بينهما صارت تطول أكثر ..وهما ينظران لبعضهما من بين شقوق الحروف , يسترقان السمع لأصوات أنفاسهما ؛ ترقصُ على إيقاعات ضربات القلبين المتعبين بفاجعة سلامِ المدنِ الداخلي , وفاجعةِ إخفاءِ ذلك المضمر خلف الذكريات ؛ الذي يسمونه العقل السريّ , ذلك اللصُّ المختبئ خلف الحكايات ؛ قالت له في آخر ترتيلة ؛ وهي تحدّقُ على شيء طائرٍ , يشبه جناحين من صلصالٍ , وخشب بلوطٍ قاسٍ ؛ لا حاجةَ لي بك بعد الآن ! فانتبذْ زمنَ الرحيل ! .. وقبل أن تهرب تلك النظرة البعيدة من عينيه يا صاحبي ؛ قال لها :أيتها المدينة العنيدة المشاكسة , أما زلتِ تؤمنين , أن الإنسان وُجدَ على هذه الحياة الحرب ؛ ليُمسكَ قلبَ حبيبه الآخر بيده , قبل أن يصنع منه نعلاً للحذاء الذي يقفز به كي يطال الألق ! … صرخَ بعالي وجع الروح .! قبيح أنتَ أيها الصبح المبلّل بدمع حبيبتي ؛ أشفّكَ من بين الحروف , فأراها تنحني على حذائها تتفقّدُ نعله الجديد ,وهي تقول : له وداعا أيها الدخان ؛ وداعاً يا صوتَ الرصاصِ . إنها المرة الأخيرة ؛ حين يفتح ذراعيه قائلا للرصاص ’ تعال اختبئ في صدري ؛ خذ كل مساحات الحاجة .! .. صرخَ مرة ثانية بأعلى من بكاء الصمت , حين حمل حقيبة الرحيل ؛ ألأنكِ مدينتي الجميلة .. ما زلتِ تنظرين للأرصفة القديمة بازدراء , و تقولين لها ما عدتِ أيتها الأرصفة تناسبين النعلَ الحلمَ الجديد .! .. وبعد أن اختفت من أمامه يا صاحبي ؛ نظرَ هو إلى ساعة الرب يرجوه أن تسمعه ؛ وهو يقول لها ؛ " ليس لك حاجة ؛ بشارعٍ قديم ممتلئ بالحفر والمطبّات تسيرين عليه مُتعبةً ؛ يا مدينتي المسكونة بألم الدمار ؛ كل الشوارع العريضة المضاءة تنتظر ؛ ضاحكة على كل أبنائك السكارى .!