الدكتور والشاعر احمد عثمان
أحيانا ننغمس في شيء ما، وفي لحظةٍ نتذكر أنْ نخرج من ذاتنا ونعود من جديد لصَقلِ أنفسنا من جديد، فتروح الأفكار برؤوسنا تزدحم, وهنا يجب علينا أن ننتقي أفضلها لأن شاشة الوجود ستكون مفتوحة أمامنا وتستمر للحظات ثم تختفي، فإذا كان هذا الوجود أمامنا، فعلينا أن نكون منتبهين، لأنه يوجد ما هو عاطل، وما هو جيد، وحتى لو كانت غير طبيعية، فعليك النظر إليها بعين الغير لأنه بذات يوم وفجأةً لن تستطيع أن تراها مرةً أخرى، وفي هذا الوقت ستقع بحالةِ صمتٍ عظيم قد لا تعرفه من قبل، وسيكون باقٍ جانبك كظلك، بل سيكون كنفسك، وسيقوم بكل مَقْدِرته بتحريرك من عبوديتك من جسدك, فتكون الحياة التي قدمها الله هدية لك مثل الوجود والطبيعة والموت والولادة ومثل الحب, فهذه الحسَّيات مهداة لنا من الله بالمطلق. فإذا عرفنا ذلك فيتوجب علينا أن نكون شاكرين، ونكون قد عرفنا أنه سيكون كل شيء هدية، وتجد أن الآخرون يفتقرون إلى هذا الإحساس بالشكر ومنهم من يَدين لجميع من يشكر دائماً، ويطلبون المزيد والمزيد، ويعيشون بحالةِ تذمرٍ من النوع الأول الذين يملكون الورع والشكر، أما هم – النوع الثاني- لا يمكنهم فعل الشكر، ويبقون إتكاليون، ويعتقدون أنه من واجب الله أن يبقى ملبيا كل طلباتهم، فيقومون بالكفر أحياناً إذا لم تُلبَ طلباتهم، ويعيشون حياتهم وكأنهم بحالةِ كبْتٍ دائمة، لا يوجد شيء يملأ قلوبهم، ولا يشعرون بالرضى أبداً، لذلك دائماً تحدث الأمور الحسنة بعيداً عنهم، ويعيشون البؤس والشقاء نتيجة حملهم للشكوى والحقد ونكران الجميل دائماً، ويبقون بعيدين عن أهم شيء في الحياة، فهؤلاء كيف يشعرون بالامتنان، وبغير الامتنان؛ بما أنهم لا يستطيعون الشعور بوجودهم المبعدين عنه، وهـل يكـون ناتج بدون فعل أو صلاة، وبدون الصلاة لا يوجد هناك دين. هكذا هي الحياة لا توجد حياة بلا الإحساس بالوجود. فيكون مصير هؤلاء الضلال. وإذا تطرقنا قليلاً لهذا الجانب نجد أن صلة الإنسان مع الوجود هي الذات. وصلة الذات مع الكون هي الصلاة. والتي هي ليست مجرد أدعية أو حركات، بل هي الشكر لله الذي أعطى من نِعَمْ الحياة بلا حساب، ومهما كانت هذه العطاءات فعلينا موقفٌ يجب أن نتخذه بقول نعم. ونرضى دون أن نخضع للإرتياب والشك والسلبية أو أي حالة تشاؤم، فهذا هو العالم مُتخَمٌ بالجمال والروعة لدرجة أنه لا يمكننا إلا أن نبادله الفرح والحب وهذان هدية كبيرة كالصلاة فلنكن جديرين بذلك لأننا لا نستطيع أن نرِّد الجميل إلى الله إلا بذلك. فنحن لا نستطيع أن نمِّن على الله بشيء وكل ما نستطيعه أن نقوم بالشكر للإلوهية وهنا (بالشكر تدوم النعم)،. فالعقل الطيب والصدق والصلاة والشكر هم الطريق للقلب وللرب. فعليك وأمامك الكثير من الطرق لتقوم بالشكر ولا تكون أيها الإنسان متذمراً أبداً، فالقليل والكثير سواءْ هما زائلان فاسقط عنك العقل الساخط ، والقضية قضية قرار، وما إن تتخذ قرار إسقاط التذمر حتى تجد نفسك قد أسقطت العادة القديمة وحواجز الجسد المادي، لأننا نحن البشر نتماهى مع أجسادنا كثيراً، وإيماننا أننا أجساد فقط ، واعلم أننا لسنا كذلك، فنحن بنينا أفكارنا على فكرة زائفة، وكانت الأولى في أخطائنا، ويجب إسقاطها بكل حال، لأنها تولد أفكاراً زائفة ولنعلم أنه إذا كان كل منا محدد بالجسد فلابد له من الخوف والرعب من حالة عبور الزمن، وهي الشيخوخة والموت والأمراض، وهذا الخوف يجعلنا لصيقين بمتغيرات الجسد الذي أنت تدركه، وأنت لست الفكر، فكيف تبني القواعد الوجودية. فعليك أولاً أن تبدأ التصحيح بِدءاً من الجسد لأنه من السهل علينا البدء بما هو محسوس، ثم ننتقل إلى الآفاق الأخرى، لأنها أرقُّ وألطف، وانظر إلى الفكر بعدها، واعتبره منفصلاً عن ذاتك، وتستطيع ذلك حيث تصبح واعياً، فأنت لست جسد ، ولست فكراً، وتشعر أنك بلا حدود ، وبلا قيود أو حواجز، فتمتلك الحرية وتصبح بالفراغ المطلق بكل الاتجاهات، عندئذ أسِقطْ الحاجز الأكثر شفافية، وهذا ما يتعلق بطيف المشاعر، فهكذا نتحرر لنكون أناس موجودون بامتياز