كتب الاستاذ محمد محسن يقول :
.مصــــــــــــر الكنـــــــــــانة إلـــــــى أيــــــــــــــــن ؟
……….هل حاجتها الاقتصادية ستحرفها عن مصلحتها الاستراتيجية ؟
…………أم ستستــفيق من كبــوتها وتعــود إلى موقعــها القـــــومي ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوز أن نتجاهل الزخم الذي جاء به " الربيع العربي " والشعارات البراقة الطنانة التي رفعها " رواد هذا الربيع " من عملاء الداخل ومن مشغليهم ، والقوى الدولية التي حملت لواءه وبشرت به وفجرته ووقفت وراءه ، والذي جاء في فترة تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية في مصير العالم ، لأنها تتفرد في قيادة القطب العالمي الأوحد ، بدون منازع أو معترض أو شريك ، والتي كانت قد انتهت لتوها من سحق يوغسلافيا الموحدة وتمزيقها ــ والتي وحدها القائد التاريخي العظيم ـ تيتو ــ مزقتها إلى خمس مزق على اسس دينية ومذهبية ، وقدمت رئيسها إلى المحاكمة الدولية ، فعاجلته المنية في السجن قبل أن يحكموا عليه بالموت الزؤام ، ويشفوا غليلهم منه وليكون عبرة ومثالاً يخيف كل من تسول نفسه التمرد على إمبراطورية الشر العالمية .
.
ضمن هذه الصورة المرعبة جيشت أمريكا دول العالم جميعها ، التي تسير في فلكها أو ترضخ لمشيئتها ، مع حملة اعلامية مضللة غير مسبوقة ،وظيفتها فبركة الأحداث لتضليل الراي العام العالمي ليتقبل الزلازل التي ستحدث ، وكانت البداية مع ليبيا ، حيث اتهموا نظامها بأقذع التهم ، وأنه نظام ظالم ، ومتوحش ، واستبدادي ، ولا مثيل له في التاريخ الحديث " المعيار في القياس السعودية ونظامها الحديث جداً " ، ثم حركت الأساطيل الجوية والبحرية بعد استحصالهم على قرار من الجامعة العربية بقيادة قطر " الشقيقة " ، واشتراك طيرانها إلى جانب الطيران الأوروبي والأمريكي في قصف ليبيا وتدميرها ، كما حركت عملاءها في الداخل من الاخوان المسلمين وبقية الحركات الاسلامية الأخرى ، وبعد إلقاء القبض على رئيسها " القذافي " بالتعاون مع الطيران الأمريكي ، مُثل به واعتدي عليه ــ جنسياً ــ بشكل لامثيل له في التاريخ الحديث ، وهو بمثابة فضيحة تاريخية ستتحمل وزرها الدولة المسيطرة وحلفائها وتابعيها .
.
وكانت أمريكا عند اطلاق شعار " الربيع العربي "كانت قد قررت اسقاط الأنظمة الجمهورية " شبه الديموقراطية " وتنصيب حزب الاخوان المسلمين أو أي حركة دينية بدلاً عنها ، محققة بذلك الكثير من الغايات دفعة واحدة منها ، تأمين سيطرتها على المنطقة لعقود اضافية ، والحفاظ على الكيان الصهيوني قوياً ، والعمل على ادخاله في نسيج المنطقة من خلال تحالفات جديدة مع الرجعيات العربية ، والابقاء على التناقضات والصراعات الدينية والمذهبية مستعرة بشكل دائم ، حتى لا تعرف المنطقة أية حالة استقرار وهدوء يسمح لها بالتفكير الجدي في قضاياها وتطلعها نحو الحرية والتقدم .
هذا الجو المرعب وصليل السلاح ، ونهيق الاعلام في كل أرجاء الأرض أننا قادمون ، أطبقوا على المنطقة كالقضاء المستعجل ، فلا فرار لكم ولا من معين ، حتى أتباعهم فلوا ــ بن علي لجأ إلى الدولة الأكثر ديموقراطية السعودية !ــ ومبارك لم يستطع الفرار ، حتى رئيس اليمن أثخنوه بالجراح وعندما استفاق عاد إلى رشده ــ ولكن وبدلاً من أن يتيحوا في المجال وصول قوىً وطنية إلى مراكز الحكم ، نصبوا حزب الاخوان المسلمين على راس الدولة في تونس ، وكذلك تبنوا ودعموا " مرسي الاخواني " ليصل إلى سدة الرئاسة في مصر الكنانة أخت سورية التوأم ، فراح هو وحزبه الرجعي يعملون على تدعيم الفكر الديني الاخواني في المنطقة ، ولن ننسى دعوته للجهاد في سورية في " استاد " القاهرة .
.
لا تعجبوا من ذلك !! ولا تستغربوا !! فمنذ عام / 1970/ حتى عام / 2013/ أي ما يزيد على أربعين عاماً ، وعملية تشويه الوعي في ذهن كل مواطن مصري مستمرة ، ولما كانت الحركة الناصرية بعد موت عبد الناصر ، لم تعمد إلى تجذير وعيها وتأطير تنظيمها الحزبي ، بل بقيت أقرب للحركة العاطفية منها إلى حزب منظم ومتماسك ، مما أفسح في المجال لسقوط البعض من كوادرها والكثير من أفرادها في خندق الحركات الدينية ــ كما حدث للناصرية في سورية ــ ثم ما فتئ كل من السادات ومبارك محاربتها بالسر والعلن ، وتفريغها من محتواها العقلاني التقدمي والعمل على تسطيح فكرها ، كل هذا التشويه والتضليل ترافق مع عملية إفقار قل نظيرها في المنطقة ، حتى باتت تسجدي الأعطيات من محميات الخليج ومن البنك الدولي بعد أن أعلنت قبولها بكل شروطه ، فاذا ما أضفنا للطنبور عدة أنغام أخرى ألا وهي عملية التطبيع مع " اسرائيل" وتنصيب سفارة للعدو في قلب القاهرة ، مع عملية غسل للأدمغة ممنهجة من اي فكر عروبي ، كلها وغيرها تبرر حالة الضياع المؤقت ، ولكن ولما كان الكثيرون يعلمون أن سورية ومصر هما أهم بلدين استراتيجيين في العالم ، قال ذلك " نابليون " و" ولسون " رئيس أمريكا الأسبق ، لذلك ولدت " اسرائيل" حتى لا يتم اي لقاء بينهما ، لأن وحدتهما غيرت سابقاً المنطقة لذلك عمل الغرب مع الرجعية العربية على إجهاض أول تجربة وحدوية بينهما وهي في المهد " لأن هذه الوحدة ان حدثت وستحدث مستقبلاً ستحقق حالة من التوازن على مستوى المنطقة وحتى العالم .
.
نعم يجب أن نعترف أن الشعب العربي في مصر يمر بظروف اقتصادية صعبة للغاية ، ساهمت فيها محميات الخليج جميعها ، وعلى رأسها السعودية التي أوقفت توريد النفط لها وهي أحوج ما تكون إليه الآن ، عقاباً على موقفها من الحرب على سورية ، وكانت قطر أيضاً وبعد أن أرادت شراء موقفها وجرها إلى مستنقع التآمر برشوة مفضوحة ، لكنها لم تفلح لأنها كانت تراهن هي وتركيا على بقاء حزب الإخوان المسلمين في السلطة ، لكن كل هذا لم يحجب عن الشعب العربي في مصر الرؤية الصحيحة لطبيعة الصراع في المنطقة ، وأن أي تهديد لسورية ــ الاقليم الشمالي ، وقلب العروبة النابض ــ هو من حيث النتيجة تهديد لمصر ، والعكس صحيح ، وليس النشاط الاجرامي الارهابي المدعوم من حزب الاخوان المسلمين المندحر إلا تأكيداً لهذه الصورة .
ويجب أن نقر أن شعب مصر العظيم لن يفقد السبيل للخروج من كل متاعبه ، وخروجه من أشراك السعودية التي نصبتها له مستغلة وضعه الاقتصادي الصعب ما هو إلا بداية الصحوة ، كما أن الشعب الذي هزم مرسي بحركة شعبية قل نظيرها لن يفقد القدرة على اكتشاف مخرج من جميع مآزقه التي وجد نفسه فيها ، والعودة إلى موقعه في قيادة حركة التحرر العربية .
.
أما موقف مصر من اتفاقية " كامب ديفد " فهي مرهونة بمدى خروج المنطقة من تحت الوصاية الأمريكية ، التي يجب أن تترافق وانهيار محميات الخليج التي بدأ العد العكسي لانهيارها ، فعندما ترفع الوصاية الأمريكية ، تتخلخل محميات الخليج تلقائياً وتصل حد الانهيار ومن ثم التغيير ، " وهــذا سيــتـم " عندها فقط يمكن الجزم أن " اسرائيل " هي الأخرى ستبدأ بتلمس رأسها وأخمص قدميها ، وبالتفكير ملياً وبكل جدية عن السبل التي تتيح لها التعامل مع المنطقة ، التي لم يعد لها أي حام أو حليف فيها أو معين ــ لا من تحت الطاولة ولا من فوقها ــ ولما كان أغلبية اليهود " الإسرائيليين " الرأسماليين من مزدوجي الجنسية ، وكانت أسواق المنطقة قد باتت مغلقة أمام بضائعهم ، وحلمهم بإيجاد مناخ للتعامل مع دول المنطقة بعد اسقاط الدول " المارقة " قد بات أضغاث أحلام ، لن يكون أمامهم سوى الرحيل إلى حيث الربح والاستقرار ، عندها فقط ستعم المنطقة حالة من الهدوء والتعاون ، في مثل هذه الظروف تصبح اتفاقية " كامب ديفد " غير ذات موضوع ويمكن التخلي عنها ، ورميها في مزبلة التاريخ ، عندها تعود مصر إلى كنف أمتها ويبدأ تاريخ جديد من التعاون والتكاتف ، الذي يسمح بإقامة تكتل اقتصادي وسياسي ، يعيد للمنطقة دورها التاريخي بين أمم الأرض ، وكنت في مقال سابق قد أكدت أن هذه الحرب قد تكون آخر الحروب الكبيرة ، لأن الغرب والشرق يجب أن يكونا قد أخذا العبرة منها ، وأن الحروب لم تعد هي الطريق الأمثل لحل مشاكل العالم ، وبخاصة بعد ترسخ واستقرار القطب العالمي الثاني ، الذي سيحقق معادلة توازن على مستوى العالم ، حالة التوازن هذه ستقف حاجزاً قوياً أمام طموحات الغرب في الهيمنة والسيطرة وفرض الوصاية ، وسيعود العالم إلى اعتماد الحلول السلمية في حل مشاكله .
……….. ولما كانت حركة التاريخ لا تقاس بسنوات محدودة ………
………يكون هذا ليس حلماً بل قراءة موضوعية لمجرى التاريخ…..