هل تتفكك امريكا – وكيف وربما نسأل الكاتب متى
عن أمريكا المحكومة بمصالح الشركات كتب :
الاستاذ محمد محسن يقول:
………….الرئيس الأمريكي محكوم بمصالح الشركات والمصارف
…………حاجــة أمريكا البنيوية تتطلب وصـاية وسيـطرة وأسواق
…………إذا خسرت أمريكا مجـالها الحـيوي في الشـرق ستتـــفكك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمريكا الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد العالمي ، من خلال قوتها العسكرية المنتشرة في كل بقاع الأرض ، ومن خلال عملتها التي يتم التداول فيها بين جميع الدول كعملة يتم بواسطتها تقدير قيم العملات العالمية ، كما وتسيطر على صندوقي النقد الدولي ، والبنك الدولي أيضاً ، فضلاً عن أنها تحتكر وتوظف الغالبية العظمى من براءات الاختراع في العالم ، فهي بذلك تحتكر الثروة الاقتصادية ، والثروة العلمية ، ومن خلالهما تفرض سيطرتها على الاقتصاد العالمي ، هذه الدولة الطاغية الباغية تفرض وصايتها وسطوتها وتحمل عصا الشرطي العالمي ، لتأديب كل معترض أو رافض ، والذي يملك السيطرة الاقتصادية يتحكم بشكل طبيعي بالسياسات الدولية ، ، وحصيلة كل هذا إمساكها منفردة بقيادة نظام القطبية الواحدة المهيمنة ما يزيد عن ثلاثة عقود ، مما جعلها في حل من احترام هويات الدول أو خصوصياتها ، أو استقلالها ، بل هي التي تقدر متى تضرب هذا ، وتدمر هذا ،" كالفيل الهائج " لأن احساسها بفرط القوة يتيح لها ممارسة الخطاب الحربي ، خطاب القوة والفرض والتأديب .
.
قال" برماكوف " السياسي الروسي المخضرم ــ " أمريكا لا تملك رصيداً أخلاقياً حتى تقود العالم "ــ لكنها تقود العالم بالقوة والفرض والالزام ، كل ما تريده يجب أن يتحقق ، تريد تنميط العالم ، ثقافة واحدة ، ولغة واحدة ، وطعام متشابه ، ولباس متشابه ، العالم كله عليه أن يقلد الدولة الأمريكية الدولة المهيمنة المتجبرة ، التي همها فرض ثقافة السوق المفتوح ، حتى تملأ منتجاتها الأسواق العالمية بدون منافس .
فالرأسمالية الأمريكية تقوم على تعظيم المذهب الفردي ، مفهوم الفرد الذي تدور حوله الأرض ، فهو في مركز الكون والطبيعة وباقي البشر يدورون من حوله لإشباع الأنا عنده ، فهو يعمل بذاته لذاته فقط ، لذلك تجد من يملك مئات المليارات ومن لا يملك ما يسد به الرمق في أمريكا ذاتها .
لذلك فهي تشجع روح الاستهلاك ، على حساب جميع الأبعاد المعرفية الثقافية ومنعكساتها الأخلاقية والقيمية ، التي تكاد تغتالها همجية الرأسمالية ، وأما ما تنتجه عقول المفكرين والعلماء ، من اكتشافات واختراعات ، فإنها وبدلاً من توظيفها لصالح حضارة الانسان وصحته وتقدمه ، تحولها أمريكا إلى منتجات صناعية من خلال شركات احتكارية عابرة للحدود والقارات ، تبيعها في الاسواق العالمية المفتوحة لها وفق أسعار تحددها هي ، ولا بأس أن تكون هذه المنتجات ضارة بالصحة العامة ، لأنها بذلك تروج أصناف من الأدوية المصنعة لهذا الغرض ، فتربح مرتين في الذهاب وفي الاياب
.
تدعي أنها حامية للديموقراطية التي تشبهها في العالم ، وعلى وقع هذا الشعار الفارغ والكاذب جاءت لتسحق شعوب المنطقة ومنها سورية ، في الوقت الذي تناصر فيه الفكر الديني الظلامي العتيق المسروق من حنايا التاريخ المظلم ، الفائض عن الدنيا ، والذي يرفض الاستنارة ، أو أي نمط حضاري حديث ، المهم عندها مصلحة شركاتها وبنوكها ، بل من مصلحتها حماية ورعاية مثل هذه الأنظمة العتيقة ، لأنها ومن خلالها تحقق اقصى مدى من الربح ، وأما ادعاؤها حماية الديموقراطية وتعميمها ، فهو شعار يضمر اعتداءً على من تريد ، ولا يمكن تصديقه من عاقل مبتدئ في العمل السياسي ، لأن كل علاقاتها والدول المتحالفة معها أو الدول التي ترعاها وتحميها كلها أنظمة ديكتاتورية ، أو رجعية ، أو دينية ، وتاريخها يشهد على أنها كانت وعبر تاريخها تحارب الأنظمة المتطلعة نحو الحرية ، والتي لا تنصاع لأوامرها ، بل لها كل الحق في قتالها وتشريد شعبها وتدمير عمرانها ، والأدلة الأكثر وضوحاً ــ تمزيق يوغسلافيا الموحدة إلى خمس دول ، اغتيال" اللندي العظيم " رئيس تشيلي المنتخب ديموقراطياً وذلك بقصف قصره بالطيران ، وتنصيب الديكتاتور القاتل " بنوشيه " خلفاً له ، ولا يمكن أن ننسى وقوفها مع حركة " الكونترا " ضد الحركة الوطنية الساندينية وقائدها الوطني " نورييغا " وهناك الكثير من الأمثلة . وعدوانها وحصارها على كوبا ، وكاسترو القائد العالمي .
.
ان النظام الرأسمالي العالمي بقيادة أمريكا ، وبسبب سياساته الاقتصادية الاحتكارية وغير الانسانية أو التي لا تعبأ بصحة الانسان أو بطريقة عيشه ، ستدفع في المستقبل القريب بحكم فلسفة ومنطق نظامها الاقتصادي ، إلى البطالة في سوق العمل العالمي التي قد تصل إلى ما يزيد عن 70% وهذا الرقم تتبناه مؤسسات الأمم المتحدة ، كما أن النظام الرأسمالي على الطريقة الأمريكية ، يدفع الأمور باتجاه تقليص دور الدولة ، وخصخصة جميع المؤسسات الصحية والتربوية ، إلى الحد الذي ستصبح فيه الدولة مجرد ناطور لمصالح الشركات الرأسمالية الاحتكارية ، ومعنية بحمايتها وحماية اسواقها على مستوى العالم ، وهذه الوظيفة تعطي الدولة حق الاشراف فقط على الجيش ورجال الأمن ، لتتمكن من القيام بمهمة قمع أي تحرك شعبي داخلي مطلبي يطالب العمال بحقهم في العمل ، أو بحقهم في الضمان الاجتماعي ، وهذه السياسة القمعية التأديبية يمكن سحبها على جميع الشعوب التي تناوئ مصالح الشركات الأمريكية الاحتكارية ، أو تغلق سوقها أمام تدفق السلع الأمريكية .
هذه السياسية بنت شرعية للنظام الرأسمالي العالمي ، وحاجة بنيوية تتطلبها مصالح الشركات الاحتكارية العابرة للقارات ، واستجابة طبيعية للسياسات اللبرالية الحديثة ، فهي من جهة ترى الشعب مجرد قطيع مطلوب منه خدمة السياسة الاقتصادية بدون شكوى أو تذمر .
.
وهذه الشركات مطلوب منها فقط ، اعطاء العامل راتباً يكفي لتجديد طاقته الانتاجية ، حتى يستمر في العمل والعطاء ليقدم المزيد من الأرباح للشركة التي يعمل بها ، لذلك فالطبقة العاملة في الأنظمة الرأسمالية تُستنزف طاقاتها بعمل مضن ، من السادسة صباحاً حتى يصل مكان عمله في الوقت المحدد ، وإلى السادسة مساءً حتى يصل إلى بيته فيصبح أمامه في هذه الحالة خيارين لا ثالث لهما ، إما أن يذهب إلى الخمارة ليشرب وينسى تعبه ، أو يسهر مع صديقته وينام باكراً حتى يتمكن من الاستيقاظ باكراً ليصل إلى عمله ، وبمجرد ابداء العامل عدم رضاه أو تأففه يعرض نفسه للفصل والطرد ، لينضم إلى قوافل العاطلين عن العمل .
ما قدمناه يشكل اطاراً مفاهيمياً لصورة الرئيس ودوره ، أي رئيس قادم إلى سدة الحكم في أمريكا ، فهو وفق هذا التصور يمكن اعتباره قائداً لمؤسسات عسكرية قوية ، همها الابقاء على تفوق الولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً على مستوى العالم ، لتتمكن من خلال ذلك حماية مصالح الشركات الأمريكية العابرة للقارات ، وقمع وتسوية كل المعيقات التي تقف أمام مصالحها ، في توسيع أسواقها ، وعمل كل ما يلزم لتحقيق هذه الغاية ، ولو تطلب الأمر سحق أية دولة تحاول " التمرد " على الوصاية الأمريكية .
.
يمكن أن نقر أن للرئيس الأمريكي هامشاً يبدو عريضاً ، مسموح له التحرك ضمنه هذا صحيح ، ولكن حتى ذلك الهامش ـ الواسع نسبياً ـ يمكن رؤية الفارق بين رئيس ورئيس ، يكمن في بعض الحكمة في تطبيق السياسة الدولية وبعد النظر ، والفرق الثاني : أن يكون هذا خاضع لمصالح شركات وكارتلات معينة فيهتم بتأمين مصالحا أكثر ، وذاك قد يخدم شركات أخرى ومعني بالتالي في خدمتها ، ولكن كل تلك الحكمة وبعد النظر ، يجب أن يكونا ضمن منظور مصلحة الشركات الأمريكية ، اي أن أي موقف أو اجتهاد في سياسة ما أو في موقف ما ، لابد وأن يصب هذا الاجتهاد أو ذاك الرأي من حيث النتيجة في طاحونة الشركات الكبرى المسيطرة في أمريكا .
حتى سياسة الحرب والسلم ، أو الاتفاقات أو المعاهدات الدولية التي يبرمها الرئيس الأمريكي مع دول العالم ، لابد وأن تلحظ مصلحة الاقتصاد الأمريكي برمته في المقام الأول من حيث النتيجة .
من هنا كان الفرق ضئيلاً بين الرئيس المنتخب والرئيس المهزوم بعد تولي مقاليد السياسة الأمريكية ، لكن تغير السياسات الأمريكية بشكل عام مرهونة بتغير الواقع الدولي ، اي أن أية خسارة لأمريكا في مجالاتها الحيوية كتقلص أسواقها ، أو خروج بعض الدول من تحت عباءتها ، ستنعكس حتماً على سياساتها الداخلية والخارجية .
.
لذلك فإنني أرى الكثير من الملامح تدلل على انكماشها ، وانكماشها قد يؤدي إلى تفككها ــ وكنت قد كتبت مقالاً منذ ما يزيد على العام تنبأت به بتفكك أمريكا ، ويمكن العودة إليه ــ من تلك الملامح الهامة ضمور دور " حلف الناتو " إلى الدرجة الذي لم يعد يؤدي أي دور سوى دور التخويف لروسيا ومن روسيا ، لأن قوة الردع المتبادل بين العملاقين روسيا وأمريكا ، ستحول وإلى الأبد دون تفجير أي حرب عالمية أخرى ، لأنها ستكون وبالاً ودمار للطرفين ، لذلك قُلت سابقاً أن هذه الحرب الثالثة ــ الحرب على سورية الملتهبة الآن ــ ستكون آخر الحروب الكبيرة ، لأنها أرست قواعد التوازن الدولي مجدداً وذلك بولادة القطب العالمي الثاني بزعامة روسيا ــ وكانت ولادته على أرض سورية ــ ، الذي سيحول وعربدات أمريكا وزعرناتها وفرض خواتها على الشعوب ، وهذا سيؤدي ليس إلى تفكك حلف الناتو فحسب لأنه بات بدون وظيفة كما قلنا ، بل سيؤدي إلى انتهاء دور الفزاعة وعملية التخويف المتبادل بين أوربا وروسيا ، بذلك ستجد أوروبا نفسها لأول مرة أمام نفسها التي تنبؤها أن مصلحتها مع الشرق وليست مع أمريكا ، التي نافستها على كل أسواقها وسرقتها من تحت ابطها وحولتها إلى قارة عجوز ,
.
وهذا أمر جلل سيشكل انعطافة تاريخية كبرى ، لأن أمريكا حينها ستلملم قواعدها من أوروبا ومن بقية العالم ، وستعود أمريكا المتجبرة إلى ما وراء الأطلسي عندها ستبدأ أمريكا بالتفكك ، وتتحول من ولايات إلى دويلات .
عندها فقط يتنفس العالم نسائم الحرية ، وينتهي زمن الاستقواء وقتل الضعيف ، ويبدأ زمن حل التناقضات والخلافات عن طريق الحوار ، أو التحكيم ، وسيبدأ العالم البحث بجدية عما يفيد الانسانية ، عن طريق التعاون وتقاسم خيرات الأرض بين الشعوب ، وهذه الصيغة ستتطور دائماً نحو الأرقى ، لأن نقيض هذه الرؤية يعني فناء الطبيعة والانسان ، فالنظام الرأسمالي العالمي لا يأبه للتحولات المناخية وما خلفته من آثار مدمرة على الطبيعة ، ولذلك لن يكون النظام الرأسمالي نهاية التاريخ كما قال " فوكو ياما " بل سيكون مرحلة من مراحل التاريخ التي ستسير إلى الأمام .
……………لذلك ولما كانت سورية قد أعطت الحرف للعالم ستعود فتعطي نسائم الحرية لشعوب العالم المستضعفة .
……………هذه أيضاً ليست نبوءة بل قراءة للمستقبل غير البعيد ……