….أمريـــكا حكــمت العــالم بـعد سقــوط جــدار برلــــين
……………بطــشت بالشــعوب المستضـعفة كــوحـش في غـــابة
…………..هل ستــضع الحــرب على سـورية حـداً لغـطرستها ؟
ـــــــــــــالاستاذ محمد محسن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكبر خسارة للإنسانية في التاريخ الحديث هي انهيار الاتحاد السوفييتي ، وهذا لا يعني أن الاتحاد السوفييتي كان نظاماً مثالياً ، بل سيُحمل التاريخ ذلك النظام مسؤولية التفريط بأهم تشكيلة اقتصادية سياسية كانت حصيلة ما وصل إليه الوعي البشري ، كما ويتحمل النظام السوفييتي ــ بعهد خائن البشرية غورباتشوف ــ المسؤولية عن اسقاط تلك التجربة الانسانية ، بما يعادل تقريباً حجم مسؤولية الامبريالية الأمريكية أو يزيد عند ما أوقعته في كمين افغانستان ، لأن الاشتراكية أوــ العدالة الاجتماعية سموها ما شئتم ــ السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية ، وهذا لا يعني أن ما قاله ماركس ولينن هو عين الحقيقة المطلقة ، ولا يمكن نقضها أو الاضافة لها ، بل حتى الحقيقة النسبية تبقى غاية البشرية وستسعى وراءها حتى آخر التاريخ ، بالرغم من أننا نعتقد أن الفلسفة الماركسية والإضافات اللينينية جاءتا تتويجاً وبلورة ومحصلة لما ابدعه الفكر الفلسفي العالمي في حينه .
.
قد يقول قائل ما هو السبب الذي استدعى هذا الموضوع الشائك ونحن الآن في وارد آخر ، والجواب بكل بساطة : بسقوط الاتحاد السوفييتي سقط جدار برلين ، فسقط التوازن العالمي الهش الذي كان قائماً والذي كان يلجم أمريكا من عدوانيتها واستباحتها للعالم ، مما أتاح لها التفرد والتسلط وفرض هيمنتها التطويعية على شعوب العالم ، والبطش بمن لا يدين لها بالولاء والطاعة كإقطاعي أوروبي جاء من القرون الوسطى ، يحمل بيده كرباجاً ليأدب عبيده وأجرائه ، وما هجمتها البهيمية الراهنة على الدول العربية ــ الأقرب للعقلانية ــ ، إلا جزءاً متمماً وخاتمة لحملاتها وحروبها وعربداتها على مستوى العالم .
فالنظام الرأسمالي العالمي بقيادة أمريكا هو مصدر كل شرور العالم ، فالحرب والرأسمالية صنوان لا يفترقان ، لذلك كانت الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية هي الحل للإنسانية ، من هنا كان بكاؤنا على انهيار التجربة الاشتراكية ــ بالرغم من نواقصها ــ ، لأنها التشكيلة الوحيدة التي كانت تبشر بالحفاظ على القيم الإنسانية ، التي تقوم على الفضيلة ، والتعاون ، ووحدة الأسرة ، والعدالة ، والتعاضد بين الشعوب التي كانت جزءاً لا يتجزأ من قيم المجتمع الاشتراكي المأمول ، بدلاً من زراعة روح الفردية القاتلة ، وتكديس الثروات عند القلة على حساب افقار الشعوب الأكثر فقراً كما هي عليه الرأسمالية الأمريكية المتجبرة الآن . إنه لأمر مضحك أن ندفع الناس إلى نسيان بعض الحقائق عندما يؤكد البعض أننا نزداد تحضراً باضطراد في عهد الرأسمالية ، وأن كل شيء على ما يرام ، إذن لماذا لا يتساوق ويتناغم التقدم الروحي الأخلاقي القيمي مع التقدم العلمي والمادي ؟؟!! ، لأن الشيء الوحيد الذي بات يحظى بالتقدير هو كيف نجني المال ونحقق الربح ، انها كذبة رأسمالية وواحدة من خدعها .
من هنا كان لا يمكن فهم أسباب حربنا هذه والحروب الأخرى التي خمدت ، أو التي لايزال لهيبها يحرق الشعوب ، إلا إذا فهمنا أن الحروب حاجة بنيوية وصفة ملازمة وضرورة ملحة للرأسمالية العالمية ، وأنه لا مناص من اشعال الحروب مادامت الرأسمالية الأمريكية تتحكم بحركة التاريخ وتسخرها لمصلحتها ، أي أن الرأسمالية العالمية وعلى رأسها أمريكا لا يمكن أن تعيش وتستمر بدون الحروب ، فالحروب وحدها هي التي تحافظ على مصالحها الاقتصادية المنتشرة على مستوى العالم ، والتي تراكم ثروات شركاتها وبنوكها ، أي أن الحروب الكبيرة والصغيرة مباشرة أو بالوكالة هي مطلب رأسمالي حياتي ومصيري ودائم ، فلا يمكن استمرار وديمومة النظم الرأسمالية وتطورها إلا على دماء الشعوب الفقيرة ، وعرقها ، وبقائها في حالة تخلف حد السذاجة ، وعوز حد الفقر ، وتناقض مجتمعي دائم حد الاقتتال ، حتى يتسنى لها السيطرة على مقدرات تلك الدول المستضعفة بشكل مباشر ، أو عن طريق حكومات مصنعة هناك وغير مصنعة وطنياً ، ليتسنى لها سرقة خيراتها بالصيغة المثلى ، أي لا خلاص من كل هذا العدوان بدون هزيمة النظام الرأسمالي العالمي ، ولا تحرر ولا تقدم للشعوب الصغيرة ما دامت أمريكا بيدها الأمر ، والنهي ، والتأديب ، لمن لا يطيع أمر الدولة المسيطرة ــ وحش العالم ــ وهذه الوظيفة التأديبية ، هي فعل لا إرادي تتطلبه وتستدعيه مصلحة الشركات الاحتكارية العالمية التي تقوم الدولة الأمريكية بدور الحارس على مصالحها ، لأنه بدون فرض ذلك الواقع واقع الإفقار والتجهيل ، على الشعوب المستضعفة ، سيجعل تلك الدول تتمرد وتأخذ مستقبلها بيدها ، وهذا يحجب عن الشركات الاحتكارية أسواقها مصادر ثروتها ، لذلك وحفاظاً على ثرائها مطلوب من الدولة الراعية ــ أمريكا هنا الشرطي الدولي ــ أن تبادر فوراً إلى سحق أي بادرة تقدمية ، أو محاولة عقلانية ، أو نزوع استقلالي ، واعادة فرض سيطرتها وتغليظ العصا ــ الحرب ــ كلما احتاج الأمر لذلك .
.
اذن واهم من يعتقد أن الحروب هي نتاج غضب من حاكم ، أو حزب ، أو قبيلة ، أو هي عملية عفوية تمت نتيجة اشتباك غير محسوب تطور إلى حرب ، لا ، لا ، لا
كما كانت عليه الفرية الكاذبة التي احتلت فرنسا الجزائر العربية بسببها بحجة أن " الباي " ضرب القنصل الفرنسي بالمذبة ــ كشاشة الذباب ــ تخيلوا هذه الكذبة التي بسببها احتلت فرنسا الجزائر / 130 / عاماً .!!
أي أن الحروب لن تغيب عن العالم في ظل الرأسمالية الأمريكية ، ولكنها قد تأخذ أشكالاً مختلفة اقتصادية ، سياسية ، استخباراتية ، تدخلات تآمريه هنا وعربدات هناك ، بعد هذه الحرب الكبيرة على سورية التي يجب أن تكون آخر الحروب الكبيرة ، وبخاصة بعد ولادة وتنامي القطب العالمي الجديد على الأرض السورية ، بزعامة روسيا الاتحادية ، والذي جاء استجابة موضوعية ، لطبيعية الحرب ، وأبعادها ، ومراميها ، وأهمية سورية الاستراتيجية بالنسبة لروسيا كجغرافيا وكتاريخ ، وجواباً على العربدات الأمريكية الصارخة ، هذا القطب سيرسى حالة توازن نسبي يحقق حداً أدنى من الاستقرار العالمي ، بعد أن طفح الكيل ولم يعد العالم يستطيع تحمل الطغيان الأمريكي الذي لم يترك بلداً إلا وتدخل في شؤونه وحاول اخضاعه ، من البلقان ، حتى جورجيا ، وأوكريينا ، والعراق ، وليبيا ، ثم تدحرج العدوان حتى وصل إلى سورية ، فكانت السد الذي أوقف التسونامي الأمريكي الغربي بالرغم من استخدامه كل ضروب الحرب وفنونها واسلحتها ، بالإضافة إلى استخدامه لأول مرة أقذر سلاح في العالم عرفته البشرية ألا وهو سلاح الارهاب ـــ فالإرهابي شخص عُدل وراثياً في مخابر السعودية وبواسطة خبراء أمريكيين ــ الجسم جسم وحش ، والعقل عقل شيخ بوهيمي ــ ، مبرمج ليقوم بثلاث مهمات مقابل صك من صكوك الجنة وهي : القتال ، والقتل ، ومن ثم النفوق ، ليحصل على جائزته في الجنة /70 /حورية ولكل حورية / 70 / وصيفة بحسب مفتي السعودية ، حيث ينصرف هناك لإشباع غرائزه الجنسية وينهي حالة الكبت الشبقية التي تكاد تشل تفكيره .
.
كما هي رغبات وطموحات شيوخ الوهابية .
ولكن ونحن نقرر هذا ندرك أن هذه الامبراطورية الغاشمة لن تسقط بالضربة القاضية ، ولكن هذه الحرب التي شكلت الكمين التاريخي الذي صد الهجوم الأمريكي وأوقف زحفه ، ستعطي مؤشرات أكيدة على أفول هذه الامبراطورية كما أفل وتلاشى ما سبقها من امبراطوريات كانت لا تغيب عنها الشمس .
ومما يسرع في هذا الاستنتاج أن الدول الاقليمية التي كانت ترعى مصالح أمريكا في المنطقة مقابل الحماية بصفة عميل نشط ، وكانت قد شكلت راس حربة في هذه الحرب ، التي ستدفع الثمن الأكبر من الخسارة ، والذي قد يصل حد تفكك بنيتها كدولة ، وهذا سيؤدي إلى تقليص مجال أمريكا الحيوي في المنطقة .
….وأنا ارى بأن أفول نجم أمريكا المستقبلي الحتمي ، وانكفاءها إلى ما وراء الأطلسي ، سيشكل الفرصة التاريخية أمام كل شعوب العالم بما فيها أوروبا ، لأن تستيقظ بدون أن يكون فوق رأسها جبار عنيد ، يستغلها ، ويصادر قرارها السياسي ، ويرعبها ، ويفكر عنها ويتحكم بمصيرها بل يقرر عنها ، مما سيتيح لهذه الشعوب القدرة على التفكير المستقل بمستقبلها لأول مرة ، كشاب بلغ الرشد فأخذ زمام مستقبله بكلتا يديه ، فيبحثون حينها عن حلول لا تتعلق بمصالح دولهم الذاتية والمشتركة فحسب ، بل بمصالح الكوكب وبما سيلحق به من مخاطر كاد أن يفوت زمن تداركها ، كتلوث الطبيعة هواءً ، وماءً ، وتراباً ، نتيجة الاستغلال الجائر والعبثي من قبل المؤسسات الصناعية الرأسمالية .