يحيى دبوق – الأخبار
زادت صحيفة يديعوت أحرونوت أمس، في مقالٍ ثانٍ بعد مقال أول قبل يومين، فصلاً جديداً من حكاية ارتباط رجل الأعمال اللبناني اسكندر صفا بالعمل لدى الموساد وبناء السفن الحربية الإسرائيلية. تلك السفن، نفسها، التي تدكّ بها إسرائيل أرض لبنان وفلسطين، وتقتل اللبنانيين وتدمر بيوتهم. وصفا هو نفسه شريك تجاري مع آن ماري سمير مقبل، ابنة وزير الدفاع، في الدولة التي يُدمّر وطنها ويُقتل أبناؤها! فهل الأمر كله مختلق؟ أم إنها حقيقة ينبغي للسلطات الأمنية والقضائية التحرك إزاءها؟
لم يلقَ تقرير صحيفة «يديعوت أحرونوت»، قبل يومين أي رد فعل إسرائيلي يندد بالسياسة الإسرائيلية وأساليب عقد الصفقات العسكرية، بما مكّن شركة لبنانية ـــ إماراتية، برئاسة لبناني، من بناء سفن حربية إسرائيلية في أحواضها! فلا الشركة، بجنسيتها المشتركة بين أبو ظبي وبيروت، ولا مديرها العام ورئيسها التنفيذي اللبناني إسكندر صفا، جهتان تشكلان تهديداً أو مبعث قلق للأمن الإسرائيلي.
الأولى إماراتية، حليف وشريك في المصالح، والثانية لبنانية، على علاقة هي ومديرها منذ عقود بإسرائيل، وبالموساد الإسرائيلي، بحسب خلاصة تقرير جديد نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس. وأتى تقرير الصحيفة أمس، بعد تقرير نشرته قبل يومين، وكشفت فيه هوية الشركة الإماراتية ــــ اللبنانية برئاسة صفا، ودورها في بناء سفن حربية إسرائيلية مخصصة لحماية المنشآت الغازية مقابل سواحل فلسطين المحتلة من التهديد اللبناني.
هي إذاً، حكاية رجل أعمال لبناني، يعمل متعهداً عند الموساد الإسرائيلي، منذ عقود، قرّر مشغله أن يكشفه في الجرائد، وهو يروح ويأتي إلى لبنان، من دون أن يسأل أحد، كيف ولماذا، في البلد الذي شنت عليه إسرائيل الحروب والعدوان مراراً وتكراراً وتنتهك أرضه وبرّه وبحره يومياً. وللمفارقة، إن اسكندر هذا، الذي سترد حكايته في ما يأتي نقلاً عن «يديعوت أحرونوت»، يشارك ابنة وزير الدفاع الحالي سمير مقبل، آن ماري سمير مقبل، في شركته وشركة شقيقه أكرم «مجموعة Privinvest»، التي تملك 30 في المئة من الشركة التي تنفذ مشروع السفن الحربية الإسرائيلية.
لاسكندر صفا علاقات في كل المجتمعات في الشرق الأوسطـ، بما في ذلك إسرائيل والموساد
وكما يبدو، فإن «استدراك» الصحيفة الإسرائيلية، في تقريرها الجديد، جاء ليطمئن الإسرائيليين إلى أن بناء السفن الحربية في أيدٍ أمينة، ولن تتسرب عنه معلومات حساسة إلى أيدٍ معادية. إذ إن صفا، بحسب الصحيفة، صديق قديم لإسرائيل، وله علاقات واتصالات ولقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وأمنيين، بدأت منذ عام 1989، على خلفية المساعي الإسرائيلية للكشف عن مصير الطيار الإسرائيلي المفقود، رون أراد، الذي أسقطت المقاومة طائرته فوق لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وغيرها من القضايا.
تقرير الصحيفة الإسرائيلية أمس، بدأ بحبكة درامية، جرت أحداثها قبل عقود على متن أحد اليخوت الفاخرة على الشواطئ الفرنسية: يقترب شاب إسرائيلي يعرف عن نفسه باسم «عاموس» من الصحافي الفرنسي «روجيه أوك»، (الذي كان ضمن الرهائن الغربيين في لبنان في الثمانينيات)، ويقول له: «لدينا طيار، يدعى رون أراد، محتجز أسيراً منذ 1986» في لبنان. كلام «عاموس» أتى من دون مقدمات زائدة وأضاف: «نعتقد أن من حررك من الأسر يمكنه أن يساعدنا».
لكن أين صلة إسكندر صفا باللقاء على الريفييرا الفرنسية؟ أوك نفسه، يصف هدف الكلام الإسرائيلي في كتابه الذي نشر بعد وفاته عن سيرته الذاتية، أن الحديث يتعلق برجل الأعمال اللبناني إسكندر صفا، المعروف باسم «ساندي».
وتضيف يديعوت أحرونوت، أن الحوض الذي تبنى فيه السفن الحربية من طراز ساعر 6، مملوك لشركة إماراتية، وأن مدير الشركة الذي يملك 30 في المئة من أسهمها، هو ذاته إسكندر صفا، الهدف من لقاء «عاموس» الإسرائيلي بـ«أوك» الفرنسي على متن اليخت. ويشير كتاب أوك إلى أن العلاقة بين «ساندي» وإسرائيل ولدت قبل سنوات من لقائه بعاموس. وبحسب أوك، فإن «الإسرائيليين طلبوا منه ربطهم بصفا، الذي أنقذه بعد أن كان رهينة لدى حزب الله في بيروت، وفي المقابل، وعدوني (الإسرائيليون) بمقابلة صحافية مع الشيخ (عبد الكريم) عبيد»، الذي كان أسيراً لديهم. يضيف أوك: «تلقيت العرض، ومن ثم وصلت إلى إسرائيل، حيث كان في انتظاري عميل الموساد عاموس، إضافة الى منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في حينه، أوري لوبراني. المقابلة مع عبيد لم تخرج إلى حيّز التنفيذ، ولكن بدلاً منها تلقيت قصة أخرى. وحين عدت إلى باريس، كنت قد قمت بنصيبي من الصفقة، وربطت لوبراني بصفا».
اتصال الصحيفة بلوبراني كان «إيجابياً»، إذ قال: «التقيت مع كثير من الشخصيات اللبنانية بهدف جمع معلومات عن رون أراد، وأذكر أن من بينهم شخصاً يدعى صفا». لهجة لوبراني التخفيفية، تَكَفَّل بإيضاحها أوك في كتابه، إذ قال: «اللقاءات جرت في شقة صفا الكبيرة في أحد الأحياء الراقية في باريس»، لافتاً إلى «لقاءات»، وليس مجرد لقاء واحد كما حاول لوبراني الإشارة إليه.
ساعد صفا الموساد في البحث عن الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد
اسكندر صفا، كما تسرد الصحيفة عن سيرة حياته، ولد قبل 64 عاماً من عائلة مارونية ثرية في غدير في شمال لبنان (جونيه)، من والد كان موظفاً حكومياً رفيعاً. درس الاقتصاد وإدارة الأعمال في الولايات المتحدة، ونال شهادة الماجستير في مدرسة «انسيد» في فرنسا. وحرص على خوض الأعمال التجارية منذ أن كان في الـ 22 من عمره، وعمل في شركة مقاولات وأشرف على بناء مطار عسكري في العاصمة السعودية الرياض. ومن ثم بدأ يستثمر في العقارات، وفي مرحلة متقدمة أسس وشقيقه أكرم شركة سفن.
أما ما يقوله صفا عنه نفسه، فأورده تقرير الصحيفة من دون إشارة إلى مصدر التصريحات، وفيه أن «لبنان هو وطني ولكن بعد 20 عاماً من الحرب الأهلية، أشعر بأنني في وطني في فرنسا وكذلك في بريطانيا»، شارحاً تنقلاته بين لندن وباريس وإمارات النفط في الخليج. وذات مرة، كشف صفا أمام عدسات الكاميرات عن ندوب في جسده نتيجة إصابته برصاصات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حين كان يقاتل مع الميليشيات، ومن حينه التصق به لقب «ساندي».
وبحسب المعلومات المنشورة عنه، فإن صفا من مواليد عام 1955 في بيروت، وتخرّج من الجامعة الأميركية فيها. صفا، الذي يعرف نفسه بأنه «مواطن العالم الكبير»، يفضل إدارة أجزاء كبيرة من نشاطاته السرية من إمارة أبو ظبي في الخليج حيث يسكن اليوم. إذ في أبو ظبي يمكنه أن يهبط بطائرته الخاصة، يخرج ويدخل إليها دون أن يحقق معه أحد، لأن من يفترض أن يحقق معه هم رجاله الذين يدير من خلالهم أعماله التجارية.
تضيف الصحيفة الإسرائيلية، أنه رغم محاولاته للابتعاد عن الأضواء، إلا أن اسم صفا معروف للجمهور الفرنسي بسبب دوره في قضيتين في الثمانينيات والتسعينيات. الأولى، ترتبط بالفدية التي دفعتها الحكومة الفرنسية لتحرير مجموعة من الدبلوماسيين والصحافيين الفرنسيين الذين اختطفوا في لبنان. وفي الثانية المسماة «أنغولا ـــ غيت»، عام 1991، عندما تبين أن سياسيين من اليمين في فرنسا حاولوا نقل أسلحة بقيمة 790 مليون دولار إلى رئيس أنغولا خوسيه دوسانتوس، الذي قاتل الثوار في بلاده. وفي الحالتين، اختفى قسم من المبلغ على الطريق، وطرح اسم صفا في التحقيق كمن توسط بين الطرفين واقتطع سمسرة سمينة. و«يروي مصدر لم يشأ أن يذكر اسمه لصحيفة فرنسية في تلك الفترة، أن لاسكندر صفا علاقات في كل المجتمعات في الشرق الأوسطـ، بما في ذلك إسرائيل والموساد».