بطرس المعري-الأخبار
تبدلت طبيعة «معرض الخريف» السوري، هذا التقليد الرسمي السنوي الذي يعود إلى سنة 1950 مرات عدة ليصبح ابتداءً من سنة 2007 في نسختين منفصلتين: معرض الربيع، وهو مخصص لأعمال الشباب ممن هم دون الأربعين، ومعرض الخريف لمن تجاوز هذه السن، وتشرف عليه مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا.
لكن المعرض الحالي الذي افتُتِح في أواخر الشهر الماضي في «خان أسعد باشا» في دمشق، عاد ليجمع الجيل الشاب مع جيل المخضرمين والكبار في آن واحد.
هذه السنة، سمحت اللجنة المنظمة بمشاركة الشباب إلى جانب «الكبار»، لأنّ معرض الخريف في السنوات الماضية ـــ بحسب الناقد سعد القاسم أحد أعضاء لجنة التحكيم في مقابلة مع موقع «اكتشف سورية» الإلكتروني (1) ـ فقد نبض الشباب وحيويته. وفي المقابل، خسر «معرض الربيع» تجارب الفنانين الكبار وخبراتهم. يتحدث الفنان عماد كسحوت المسؤول عن مديرية الفنون الجميلة، للموقع ذاته، بمنطق مغاير حين عزى عرض أعمال فنانين من الشباب إلى جانب أعمال فنانين مخضرمين إلى سبب آخر. يقول كسحوت: «والسبب يعود إلى عزوف بعض كبار السن من الفنانين عن المشاركة. لذلك قمنا برفد المعرض بأعمال فنانين شباب ليتبادلوا الخبرات والأفكار مع من سبقهم من فنانين». أي كأن الأمر يتعلق بالعدد المشترط تواجده، فلو شارك كبار السن ــ بحسب قوله ــ لانتفت الحاجة إلى وجود أعمال الشباب، وليس فقط من أجل إيجاد أرضية احتكاك بين الأجيال أو تبادل الخبرات فيما بينهما كما يصرح القاسم.
ويبدو أنّ هناك إصراراً من قبل المديرية على الاستمرار في إقامة المعرض الذي يفقد ألقه سنة تلو أخرى، قياساً لسنواتٍ خلت كان فيها هذا الموعد حدثاً فنياً مميزاً تشارك فيه نخبة فناني القطر.
وربما يلعب ما يجري من أحداث في سوريا الآن دوراً في هذا، لكن من يراقب معارض السنين العشر الأخيرة يتأكد من أنّ انحدار مستواه الفني ليس حديث العهد. هذا المستوى غير المأمول للمعرض، يؤكده الكاتب والصحافي سامر محمد اسماعيل (2) بطريقة غير مباشرة حين يكتب أنّ مديرية الفنون الجميلة قد دعت شخصياً فنانين أمثال سعد يكن وزهير حسيب ولجينة الأصيل وآخرين، «واضعةً أعمالهم في الواجهة لإنقاذ سوية المعرض».
ويعود هذا الانحدار برأينا إلى عاملين أساسيين، أولهما الإصرار على قبول عدد كبير من الأعمال ذات السويّة المتواضعة بهدف التشجيع ربما من قبل المديرية، وثانياً هو عزوف الفنانين المخضرمين والأكثر موهبة عن المشاركة فيه. وقد بدأ ابتعاد هؤلاء عن هذه التظاهرة الفنية قبل سنوات عديدة ربما تعود إلى بداية الألفية الثالثة حين بدأ سوق الأعمال الفنية بتثبيت أقدامه في المنطقة ليصبح لدينا نجوم بيع ونجوم صالات عرض خاصة يستخسرون ربما عرض فنهم (المطلوب) مع زملاء لهم في المهنة (ومن ثم ينتقدون سوية العرض!) أو لا يريدون بيع لوحاتهم بأسعار زهيدة تحددها المديرية. علماً أنّ هناك من الفنانين من كان يشترط استرجاع لوحته بعد انتهاء فترة العرض، أي أنهم ليسوا مضطرين إن أرادوا لبيعها لصالح مديرية الفنون أو وزارة الثقافة… والسؤال الذي يطرح ذاته هنا بكل بساطة: أليست سوية المعرض مرهونة أيضاً بمشاركتهم؟
لا شك في أنّ المسؤولية تقع على المديرية أو الوزارة أيضاً في هذا، لكن يبقى برأينا أنّ هذه التظاهرة السنوية هي ملك للحركة التشكيلية السورية برمتها وهي ليست وظيفة أو «عقوبة مدرسية» تفرضها مؤسسات الدولة على الفنانين المحليين، بل هي واجب، وعلى الجميع العمل لرفع سويتها.
وأخيراً، ما يحسب لهذه النسخة من المعرض هو إيقاف عملية اقتناء الأعمال المعروضة كاملة، مما يجعل أحياناً ضعاف النفوس يقدمون أي لوحة للعرض بغية التخلص منها. في هذا الخصوص، صرّح لنا سعد القاسم في رسالة الكترونية «إنّ الاقتناء سيقتصر على الأعمال التي يمكن أن تعرض في متحف الفن الحديث مستقبلاً، وهي التجارب الجديدة، والأعمال الجديدة للفنانين المختلفة عن أعمالهم المقتناة سابقاً والموجودة في متحف مديرية الفنون». كما أكد القاسم أن إعادة تجربة الاقتناء بالجوائز ذات تأثير إيجابي في تحفيز المنافسة.
1- زين ص. الزين، «بحضور لافت ومشاركة فنية واعدة… حفل افتتاح معرض الخريف السنوي 2016 في خان أسعد باشا بدمشق»، موقع «اكتشف سورية».
2- سامر محمد اسماعيل «معرض الخريف السنوي نهاية العيش المشترك بين السوق واللوحة!»، «السفير» عدد 30 تشرين الثاني 2016
على الهامش
عندما كنا نبحث عن معلوماتٍ ومواد كُتبت بخصوص معرض الخريف، وجدنا بطريق الصدفة هذا النص في «وكالة أنباء سانا» السورية الذي يعود إلى السنة الماضية (16/11/2015)، فآثرنا التعقيب عليه، من مبدأ أننا معنيون بمجال الكتابة في التشكيل السوري كما يعنينا رصد أحوال المعرض الحالي بحد ذاته: «قرابة مئتي عمل تشكيلي ضمه معرض الخريف السنوي في دورته لهذا العام […] مقدمةً خلاصة المحترف التشكيلي السوري الذي بزغ نجمه مع مطلع الستينات من القرن الفائت مع كل من فاتح المدرس ولؤي كيالي وأدهم إسماعيل ونذير نبعة وأحمد معلا وليلى نصير وآخرين محققاً تفوقاً لافتاً». طبعاً مع مطلع ستينيات القرن الماضي، كان الفنان أحمد معلا لا يزال طفلاً، فهو من مواليد 1958. نحترم بالطبع معلا ونقدّر قيمة تجربته الفنية وهذا ليس موضوعنا بالتأكيد، لكننا تاريخياً لا نستطيع أن نتكلم عنه كأحد أعلام هذه الفترة. كما لا يجوز لكاتب أو صحافي أو يورد خطأ مماثلاً ولو برأيه أنّ معلا كفنان أهم من محمود حماد مثلاً، فهو هنا يقدم معلومة خاطئة للقارئ غير العارف أو الأجنبي.