الاديب الشاعر السوري : سمير عدنان المطرود
حدّثني حجر الرصيف أمس :
دخلتُ بيتي منهكاً ؛ برودة الحروف تراقص كل أفكاري ؛ كان الجو صقيعاً ؛ أكثر من الفراق ؛ وحدها الأرصفة المستيقظة تراقبني ,أُخرجتُ سيكارة الحمراء الطويلة من بيت قلبي , داعبتها بين أصابعي كمهرة جامحة بحاجة لفارس متمرس يجيد ترويض الدخان ؛ يجب أن تصبح ناضجة , يليقُ بها احتضان شفتيّ ..
تتطاير حولي أوراق شجر صفراء , نَسِيَتْ أن تسقط في الخريف ..
سيارة وحيدة مسرعة شرخت هدوء الهمسات, بين شفتين وأذن ممتلئة بالحروف والكلمات .. الأخبار تتوارد بسرعة كالأفكار .. طقوسُ الرقص بدأتْ ..
قلب كبير متعطّشٍ للذوبان , وقلب كبير حالم تلفّه عباءة السنين الباردة ,وقلب صغير آخر يتفرّجُ على حلم سرقه وهج الشمس ..
السيكارة تشعل كل الليل المتأرجح هناك على رصيف البرد ؛ بينما هما يتناولان بعضاً من الضوء الخافت ..
وقف برهة يتأمل نصره ؛ أمسك " بكمشة " من ذكريات الغد ؛ألقاها على جسدها المرمر ,شرب شيئاً من الفراغ , احمرّتْ عيناه أكثر ؛ أسدل يديه حين فرغ من صلاته لخيوط الشمس المبعثرة ..
ضحك هازئا من الأغبياء والحمقى الذين خسروا هذه الحرب .. طوّقَ خصرَها بيديه ؛ حملها ومشى بها خطوات ؛ قبل أن يلقيها إلى حروف حكاية مبعثرة فوق الملاءة الزهرية التي تراقص لونها مع ألسنة نار المدفأة ؛ وهي تشارك الشمع هذا الاحتفال ؛استلقى بجانبها وهو ما زال يحضنها …
ذابت السيكارة الرابعة بين أصابعي , وأنا أسمع همس التأوهات , وأغاني النصر , ما أجملك يا حفلة الميلاد …
ذابت شموع العرس هناك بسرعة ؛ بعد أقل من عمرٍ مضى ؛ استرخى بجانبها يلتقط أنفاسه ,باستراحة محارب ..
أوراق الشجر الصفراء ما زالت ترفض الابتعاد عني ؛ بينما يده ما زالت تزرع بصماته عليها ..
تذكّر أن يشكرها على كل شيء فعلته من أجله .. فقالت له البندقية ؛ لو لم تكن تسددّ بي جيداً وتصيب الهدف , ما كنتَ قد قتلت كل أولئك الأغبياء والحمقى , وما كان اليوم عيدك يا حلب !
……
من مجموعته ( الولادة من جديد )