ماذا يعني انتصار حلب
يجيب عنه الاستاذ محمد محسن
…انتصــــــــــــــار حلـــــــــــــــــــــــــــب ………….
………………….ما سيقدمه انتـــصار حـلب من هــــدايا للــــدنيا ………….
……………..منعكــسات الانتصــار على الرابــحين والخــاسرين ………..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقف بخشوع ونحني رؤوسنا إجلالاً أمام أمهات وآباء الشهداء ، ونقول لهم النصر المؤزر قدمه ابناءكم الأبطال هدية لوطننا لأمتنا ، وهم الآن يرقبوننا من عل فيما إذا كنا أهلاً لحمل راية الأمانة ، أمانة إعادة بناء الوطن على أرضية الديموقراطية والعقلانية ، وانهاء عقابيل ما خلفته الحرب . ونحن في حضرة الشهداء ، علينا أن نستحضر ونتخيل صوراً لجنودنا وهم يتقدمون من حارة إلى حارة ، ومن شارع إلى شارع ، والموت يحيط بهم من كل جانب كأجفانهم ، وهم يتعشقون بنادقهم بشغف كمن يعانق معشوقته سعياً وراء النصر وهذا ما كان ، نصر تم على ايد أولئك الأبطال الشجعان ، وبفضل دماء الشهداء الزكية ، التي لا يجوز أن ننساها ، لأنها لم تجلب الحرية لنا فحسب بل ستغير وجه العالم ، يجب أن نؤمن بهذا ، لأن كل معسكر الأعداء من ادناه إلى اقصاه قد خسر المعركة ، والخاسر لابد وان يدفع الثمن مرتين ، مرة لأنه لم يحقق اهدافه من حربه ، ومرة أخرى ان مجاله الحيوي سيتقلص بحجم الخسارة ، وعندما نفكر بهدوء وروية حجم دول العدوان وما دفعته في هذه الحرب من مال واسلحة دمارشامل ، وما استحضرته من وحوش الأرض ومن فكر وهابي يخنق الأنفاس ويلغي العقل ، نقف مشدوهين أمام حجم ما واجهه شعبنا وحلفاؤه من جهة ، وأمام حجم الانتصارات وأهميتها ، الذي ستنعكس آثارها على العالم كل العالم ــ ليس في هذا أدنى مبالغة ــ .
.
وأنا أجزم أن هذه الحرب ستكون آخر الحروب الكبيرة ، لأن دول العدوان بزعامة أمريكا أدركت أنه لم تعد الحروب مجرد نزهة ، وانه لم يعد من السهل سرقة حريات الشعوب وخيراتها ، وسحقها متى ارادت ذلك .
…وأن محميات الخليج بدأت تتلمس رؤوسها وستقول : إما التغيير والانتقال إلى نظام يحاكي العصر ، واما التفتيت والتلاشي ، لأنها أصبحت مدانة من كل شعوب العالم بأنها أم الارهاب ومرضعته هذا من جهة ، ومن الجهة الثانية أن الدولة الحامية والضامنة أمريكا لم تعد قادرة على تبرير وجود هذه الأنظمة القادمة من وراء التاريخ ، وتحمل أوزارها ، وبالتالي حمايتها ، وقد تتخلى عنها عند أول مفترق ، إن لم تعمل هي على تغييرها .
…أما " اسرائيل " وبعد أن أدركت أن أمريكا لم تعد قادرة على لعب أدوارها السابقة ، في تأديب من يعاند سياستها ويخالف أوامرها ويعارض مصالحها ، وأن أمريكا ذاتها ستدرك أن اسرائيل لم تعد قادرة على القيام بأدوار مهمة لخدمة الغرب الاستعماري ، كما كانت عليه في السابق ، لذلك سيكون التخلي الأمريكي عن الحليف التاريخي متزامناً من احساس اسرائيل ان يدها الطويلة ستقطع ، ان لعبت بزيلها بعد الآن . وهذا سيدفعها إلى واحد من موقفين :
إما أن تتعامل مع القوى الفلسطينية بواقعية ، وتعترف بالحقوق الفلسطينية التاريخية ، وإما أن تنكمش ويهرب تجارها ورأسماليوها نشداناً للأمان والربح المطمئن ، وبخاصة بعد أن حقق حلف المقاومة انتصارات ستنعكس حتماً على الوجود الاسرائيلي .
.
…هذا جانب من المنعكسات العامة على معسكر العدوان التي اسست لها هذه الحرب ، أما منعكساتها الإيجابية على التحالف المنتصر ، فهي أكثر من أن تحصى . ولكننا سنذكر بعض المكتسبات على سبيل المثال لا الحصر .
أولها ـــ ترسيخ القطب العالمي الجديد بزعامة روسيا ، هذا القطب سيشكل حالة توازن عالمية ستلجم الروح العدوانية ، وحالة الجموح ، والغطرسة التي كانت تسيطر على سياسة القطب الرأسمالي العالمي بزعامة أمريكا ، التي دمرت العالم ، وبخاصة دول البلقان ، والعراق ، وليبيا ، وقبلها افغانستان ، وهي لاتزال تعمل على خلخلة الأنظمة الديموقراطية في أمريكا اللاتينية ، وستجعل هذا القطب يفكر ألف مرة قبل ان يشن أية حروب مستقبلية .
.
ثانياً ـــ ستعود الروح إلى حركات التحرر الوطنية العالمية المطالبة بالحرية والديموقراطية ، وستدب الحياة من جديد في أنشطة الأحزاب الوطنية والمنظمات الشعبية ، التي تعتبر بالنسبة للشعوب كشرايين الانسان وأوردته ، والتي ستثور على المجتمعات الراكدة التي حولها الغرب الاستعماري إلى حالات مستنقعية متناقضة ، تعشش فيها الخرافات واشكال متنوعة من التعصب الديني والمذهبي والقومي ، تحول دون خروج تلك المجتمعات من براثن تخلفها ، إلى نور الحضارة والعقلانية .
.
ثالثاً ـــ لأول مرة في التاريخ سيتاح لشعوب المنطقة إعادة النظر في الفكر الديني الذي حارب العقل ، وأرسى روح النقل ، واعتمد مبدأ قياس الحاضر على الماضي ، والخروج من نفق الاستسلام والقبول والأخذ بما قاله المدون أو الشيخ او الفقيه في القرن السابع الميلادي على عواهنه ونطبقه على الحاضر ، بدون أن نأخذ بعين الاعتبار بل نتجاهل ما قدمه العلم من منجزات علمية عبر القرون ، وبدلاً من دراسة التاريخ على ضوء معطيات الحاضر ، ندرس الحاضر على ضوء الماضي ، بل نفسر الوقائع الراهنة ونقيسها على ضوء ما قاله السلف ، وعلينا الأخذ بمبدأي الاجتهاد والتأويل للنصوص الدينية واستظهار الغاية المجازية من النصوص الدينية الحرفية ، وهذا بطبيعة الحال سيقود حتماً إلى زعزعة أركان الدول الدينية ، والفكر الديني المتزمت المتعصب الذي كانت تنشره وتعممه الحركات الدينية على حساب النزعات العقلانية التي كانت تظهر هنا وهناك ، والتي كانت تقبر وهي في المهد ، كتجربة ، المعتزلة ، واخوان الصفاء ، والفارابي ، والرازي ، وابن رشد ، وابن سينا ، والمعري ، وصولاً إلى فرح أنطون ، وغيرهم كثير ، والذي ساهم بمحاربة تلك النزعات العقلانية وقضى عليها ، المتوكل الخليفة الماجن ،" والفقيه " الغزالي وتلامذته ، حتى " ابن خلدون " ساهم بتغييب الفكر الديني المتنور وانتصر للفكر الاستسلامي ، وحارب الفلسفة وزندق الفلاسفة شأنه في ذلك شأن الغزالي ، وابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية ، ومحمد بن عبد الوهاب ، وأبو الأعلى المودودي ، وصولاً إلى الحركة الدولية لحزب الإخوان المسلمين الذي صادر الدين واحتكره .
.
رابعاً ـــ ستنهزم الأحزاب الدينية إلى الأبد من كل المنطقة العربية ، بعد هزيمتها في مصر ، وبعد أن تحولت كل الأحزاب الدينية والحركات الاسلامية في سورية إلى حركات ارهابية متوحشة ، وبهزيمتها المجلجلة سيوضع آخر مسمار في نعش أي هيكل سياسي ديني في المنطقة ، حتى تركيا التي كان أردوغان يحلم بتحقيق العثمانية الجديدة ، من خلال أحلام اليقظة التي كان يحلم بها وفيلسوفه أحمد داوود أوغلو ، وذلك بوصول الحركات الاسلامية إلى كراسي السلطة في تونس ومصر وسورية ، ولكن سورية خيبت أمله وإلى الأبد . مما سيدفعه إلى " التكويع " والعودة عن هذا الطريق الوعر الذي سيجلب له الويلات .
.
…..هذه بعض هدايا النصر الذي بدأت طلائعه تلوح من حلب الشهباء ، حلب سيف الدولة ، والمتنبي ، وابا فراس ، حلب طريق الحرير الذي كان يمر منها فيجلب لها خيرات الدنيا ومعارفها ، ويحمل منها علومها ومنتجاتها لتنتشر في كل بقاع الدنيا . وستعود حلب وقلعتها وأسواقها أجمل مما كانت ، وسنذهب إلى حلب لنبارك لأهلها صمودهم وصبرهم وانتصارهم ، ونأكل من حلوياتها المشهورة ، ( المبرومة ، وزنود الست ، والمامونية ، ) والكباب الحلبي ، ونجول في اسواقها وأوابدها ونقول :
……………………….حلب الشهباء أم الدنيا …..