هو عبدالله بن علي الصعيدي، سماه الطلبة العراقيين بعبدالله القصيمي حينما كان يدرس معهم في جامعة الأزهر بمصر نسبة إلى منطقة القصيم التي جاء منها ليتخذه عبدالله إسماً ادبياً له وينشر كتبه تحت هذا اللقب. ولد القصيمي في عام 1907 بخب الحلوة القريبة من مدينة بريدة في منطقة القصيم وسط السعودية وقد انفصل والداه وعمره اربع سنوات ليهاجر والده الى الشارقة ويتركه مع والدته التي تزوجت من رجل آخر وانتقلت إلى قرية الشقة لينشأ عبدالله القصيمي بين بلدتي خب الحلوة والشقة في القصيم و يعيش ظروفاً صعبة هناك، اجبرته على الهجرة الى الرياض وحيدا وهو في سن العاشرة، ليعمل هناك فترة ويتعرف على وفد من الشارقة، وقد كانت المصادفة ان رئيس الوفد يعرف والده الذي كان يبحث عنه، فذهب معهم الى الشارقة لمقابلة والده فعاش معه هناك رغم صدمته من تشدده الديني وصرامته التي وصفها القصيمي بقوله “ كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة .. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة”
بقي مع والده في الشارقة وبدأ اولى خطوات تعليمه الديني هناك إلى ان توفي عام 19222 ليكمل القصيمي رحلته العلمية متنقلاً بين الرياض و العراق و الهند ثم استقر به الحال في مصر التي بدأ فيها اولى معاركه الفكرية وهو ابن العشرين عاماً بعد التحاقه بجامعة الأزهر عام 1927 ، فألف كتابه المدافع عن دعوة محمد بن عبدالوهاب “البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية“ وكان رداً على مقال “التوسل والجهالة الوهابية” للشيخ الدجوي احد علماء الازهر . وكنتيجة لذلك الكتاب وكثرة جدالة ومهاجمته افكار علماء الازهر فصل من الجامعة عام 1931 لتنطلق بعدها حربه الفكرية على علماء الازهر، فألف المزيد من الكتب في انتقاد الازهر وعلماءه مما زاد من شعبية القصيمي هناك خصوصاً في اوساط دعاة التجديد الإسلامي. وكان من ضمن خصومه ايضا حسين الامين احد علماء الشيعة الذي الف كتاباً ينتقد فيه الوهابية اسماه “كشف الارتياب في اتباع بن عبدالوهاب” فألف القصيمي كتابه “الصراع بين .الإسلام والوثنية” الذي يشكك في انتماء الشيعة للإسلام
بعد عشرين عاماً قضاها القصيمي دفاعاً عن الوهابية منتقداً لعلماء الازهر وعلماء الشيعة و المفكرين العلمانيين والقوميين هناك قام القصيمي في عام 1946 بنشر كتاب “هذه هي الأغلال” الذي يصف فيه القيود والعوائق التي تقف في وجه تقدم العالم الإسلامي وقد اهداه للملك عبدالعزيز آل سعود، ويعد هذا الكتاب نقطة التحول الكبرى في حياة القصيمي الفكرية إذ انتقل من الدفاع عن الوهابية إلى الجهه المقابلة، جهة التشكيك في العقيدة والثوابت الدينية التي كان يدافع عنها، إلا ان هذا الكتاب لم يكن وليد اللحظة فقد كان القصيمي خلال السنوات السابقة من نشر الكتاب كثير التشكيك والجدال حول البديهيات الدينية. يقول الشيخ عبدالله بن يابس احد اقرب اصدقاء القصيمي: “كان القصيمي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً تقريباً ، يجادل في البديهيات الدينية ، حتى أشتهر بكثرة جدله في الأمور الضرورية، وحتى كان يجادل بعض جلسائه في وجود نفسه، وحدثني صديق حميم من العلماء الأفاضل قال: كان القصيمي يأتي إليّ منذ خمسة عشر سنة تقريباً ويصرح لي بأنه تعتريه الشكوك إذا جن الليل ، فيسخن جسمه ويطير النوم من أجفانه . كان يجادلني في الله، وفي النبي محمد، وكان يمتلأ بغضاً له وأحتقاراً، وكنت أجيء لزيارتكم فأجده يقرأ في صحيح مسلم مع بعض الأخوان، فترجع نفسي قائلة : لعلها وساوس وليست عقائد”
أحدث هذا الكتاب ضجة كبيرة خصوصاً وسط علماء نجد واصدقاء القصيمي على وجه الخصوص و الذين قاموا بتأليف الكتب رداً على كتاب القصيمي منها كتاب “ تنزيه الدين ورجاله مما افتراه القصيمي في اغلال” للشيخ عبدالرحمن السعدي، وكتاب “ الرد القويم على ملحد القصيم” لعبدالله بن يابس. وبعد إعلان عبدالله القصيمي التحول الكبير في فكره، اعتزل الناس والحياة العامة واقتصر اختلاطه على بعض الطلبة اليمنيين لقربه من سكنهم في حلوان جنوب القاهرة، و في بداية الخمسينات الميلادية زج بالقصيمي في السجن ثم طرد من مصر فغادر إلى لبنان بعد ضغط من الحكومة اليمنية بسبب تأثر طلبة البعثة اليمنية في مصر بفكر القصيمي في حلوان جنوب القاهرة.
انتقل القصيمي للبنان وعاش بها فترة من الزمن كون خلالها الكثير من الصداقات مع كتاب ومفكرين وسياسيين لبنانيين مما ساعده على نشر العديد من كتبه هناك منها “الكون يحاكم الإله” و “أيها العار إن المجد لك” و “كيف ضل المسلمون” و كتابه الذي هاجم فيه الوحدة العربية و الحاكم العربي “لئلا يعود هارون الرشيد” وكردة فعل لذلك تعرض القصيمي لثلاث محاولات اغتيال في مصر ولبنان والسعودية، وعندما سائت الاحوال في لبنان بعد نشوب الحرب الأهلية لم يستطع نشر كتبه فأتجه إلى باريس و نشر كتابه الاشهر “العرب ظاهرة صوتيه
عاد عبدالله القصيمي إلى مصر بعد عدة سنوات قضاها في لبنان وبقي فيها الى ان توفي بعد صراع مع المرض في 9 يناير 1996 عن عمر يناهز التسعين ، وعاد محمولاً على الأكتاف إلى السعودية التي لم يزرها منذ ان غادرها عام 1927 إلا مرة واحدة للحج.
إعداد : محمد عزوز