المستشار القانوني في موقع نفحات القلم – الاستاذ محمد محسن يسأل ليجيب في مقاله اليوم :
..ما هي مرتسمـات ومنعكـسات الموقـف الأمريكي الأخـير ؟
…………….هل سيعيد الصمود السوري الأسطوري التوازن إلى العالم ؟
…………….هل بدأت الانعطافة التاريخـية التي بشرنا بهـا منذ أعــوام ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بكل اهتمام وشمولية ، واكبت الامبراطوريات الاعلامية العالمية الانتخابات الأمريكية ، بما فيها غالبية وسائل الاعلام الأمريكية ، وكان جل اهتمام أغلبها ، التحذير حد التخويف من وصول ترامب إلى البيت الأبيض ، وتأكيداً لهذه المواقف المعادية راحت تكيل له التهم والتلفيقات على جميع الصعد ، السياسية ، والاقتصادية ، وتصوره شخصاً أرعناً ، ومتهوراً ، وغير كفوء ، حتى وغير متوازن ، ونسبت له عدة تصريحات متناقضة في يوم واحد ، معتبرة أن كل هذه السلوكيات تنم عن جهل بالمبادئ السياسية الأساسية ، حتى ذهب بعضها إلى التشكيك بعلاقته مع روسيا الاتحادية ، ومنها من بالغ زاعماً أن للمخابرات الروسية ضلع في ايصاله إلى البيت الأبيض ، هذه الصور وغيرها باتت قيد التداول في الغرب والشرق ، حتى أن الكثير من الدول الأوروبية أظهرت توجسها من سياساته التي تنم عن إنكفائية ، وتخل ، قد تقوده إلى الحد الذي قد يقدم فيه على حل حلف الناتو ، أو على الأقل تقليص دوره .
في الوقت الذي راحت تصورتلك الامبراطوريات هيلاري كلينتن على أنها السياسية المخضرمة ، التي ستاتي بالمن والسلوى إلى أوروبا وإلى جميع حلفائها في الغرب والشرق ، فهي وريثة أوباما ، كما وتلقت فنون السياسة عن طريق زوجها " بل كلنتون " أيضاً .
نحن لا ندافع عن ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ، وليس مقصدنا تبييض صفحته ، لأن ترامب هذا ومهما حاول التبديل والتغيير في جميع سياساته ، سيبقى أثير المؤسسات الأمريكية العميقة ، ورهين المصالح البنيوية للرأسمالية الأمريكية ، التي تقتضي فرض سيطرتها وتوسيع وصايتها ، بالشدة أو بالإكراه أو حتى بالحروب ، لمن لا يقدم فروض الطاعة ، والولاء ، لأن اقتصادها يقوم على السيطرة الكاملة على الأسواق العالمية صناعة وتجارة ، وذلك عن طريق سياسة العولمة والسوق المفتوح ، التي تتطلبها سياسة " النيولبرالية " الجديدة .
.
ولكن قصدنا فقط اظهار التمايز بين سياساته الجديدة وسياسات الرؤساء الذين سبقوه والتي وصلت حد السفه والتخبط ، والتي انتقلت توارثاً من بوش الأب ، وبوش الأبن ، وبل كلنتون ، وآخرهم أوباما ، وبين السياسات التي بدأ ينتهجها ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض بأيام .
المفهوم والمسيطر على الوعي الجمعي العالمي ، أن السياسيين الأمريكيين كليو القدرة ، لأنهم يعتمدون في رسم سياساتهم ، على مراكز أبحاث متخصصة وعتيقة وترصد لها الأموال الوفيرة ، وعلى مؤسسات استخبارية واسعة الانتشار ، ومبثوثة في كل أرجاء الأرض ، ولها العملاء والمتطوعين ، من ملوك وحكام ومحكومين ، تقوم هي بتنصيبهم وحمايتهم ، يرافق كل هذا امبراطوريات اعلامية ، تغلق الفضاء ، متخصصة بصناعة الرأي العام العالمي ، وواسعة الخبرة ، مفروشة على مستوى العالم .
………………………كل هذا صحيح وأكثر .
ولكن الصحيح أيضاً والأهم من كل ماحبرناه :
11ـــ أن فضاء السياسات العالمية ليس حكراً على السياسات الأمريكية فقط ، بل هناك مؤثرات شتى ، على الساسة الأمريكيين أخذها بعين الاعتبار ، وعليهم أن يدركوا أن مواقفهم في مواجهة القضايا العالمية ، لن تكون خاضعة تماماً لآراء ودراسات ما ترسمه أو تقرره تلك الأجهزة وتلك المؤسسات والقوى الدائرة بالفلك الأمريكي ، بل تخضع للتأثير والتأثر بالسياسات الدولية الأخرى ، التي لا تتوافق مع السياسات الأمريكية ، فهناك سياسات دولية متعارضة فاعلة وأخرى نابذة ، تتناقض والسياسات الأمريكية ، التي قد تصل أحياناً إلى مواجهات حادة وبشتى الأشكال لتلك السياسات العدوانية ، كمواجهات ومواقف الدول المتطلعة نحو الحرية ، والتي لم تقبل الانصياع المطلق للسياسات العدوانية الأمريكية .
وقد جاءت هذه الحروب الضروس التي شنتها أمريكا على الدول المعاندة للسياسات الأمريكية ، وآخرها الحرب على سورية ، كارتدادات لمفاعيل سقوط الاتحاد السوفييتي ، الذي كان قد شكل عائقاً مهماً وحاجز صد للسياسات الأمريكية العدوانية في أغلب الأحايين .
كل هذه عوامل تؤكد أن السياسة الأمريكية ليست كلية القدرة ، ويمكن مواجهتها أو اعاقتها على الأقل ، بل كانت كسيحة ، وارتجالية ، وانفعالية ، وغير مستوعبة للتناقضات الدولية ، وأحياناً مجنونة .
.
22ـــ فرط الاحساس بالقوة وروح التعالي والاستخفاف عند القيادات التي توجه السياسة الأمريكية ، تدفعهم أحياناً إلى الارتجال ، والتسرع ، والاستهانة بطاقات الشعوب ، ورد فعلها عند التعدي الأمريكي عليها ، وقدرتها وحقها في الدفاع عن استقلالها وحريتها ، والتي تشكل رد فعل قد لا يوازي الضغط الأمريكي ، ولكنه يعيق تلك السياسات العسكرية العدوانية ، وقد يشكل رد فعل مؤثر ، ينتج عنه ارتكابات ونكسات وأخطاء قاتلة ، ويلحق ضرراً بالغاً على المصالح الأمريكية وحلفائها .
.
33ـــ يشكل السبب الثالث الهدف الأهم من مقالنا ، حيث شكل ولا يزال يشكل خطأً استراتيجياً فاضحاً ، والذي يتحمل وزره تاريخياً الساسة الأمريكيون الذين سبقوا ترامب ، ،
ألا وهو :
اقدام أمريكا وحلفائها على خلق واستيلاد الحركات الارهابية ـــ كمن يستولد الطاعون لشعبه ولغيره من الشعوب ـــ وقاموا برعايتها وتنشئتها ، وتطويرها ، وتسليحها ، ودعمها مالياً وعسكرياً ، واستخدامها بالتالي أداة لمحاربة نظام يسير باتجاه العقلانية ـــ نظام نجيب الله ـــ في افغانستان ، كل جريمته أنه كان مدعوماً من الاتحاد السوفييتي ، ضد نظام ملكي عفن ومتهالك ، يشابه ممالك الخليج وممالك الرجعيات العربية المتعفنة ، ذاك الطاعون لم يتمدد فقط ، بل تكاثر كالفطر ولا يزال ، وبعد أن قوي واشتد عوده ، وتمرس في الحرب ، شق عصا الطاعة ، ولم يهاجم من خلقه وسواه ، وكبره ، ورعاه فقط ، بل هزمه في جبال " تورا بورا" الأفغانية ذاتها ، حيث خرجت أمريكا من هناك مذمومة مدحورة بشكل عام .
.
والغريب وبالرغم من تلك التجربة الأفغانية المريرة ، التي مرغت أنف أمريكا وحلفائها وتابعيها في الوحل الأفغاني ، كررت أمريكا وحلفائها الاوروبيين والاقليميين ، ذات الخطأ الاستراتيجي السابق في افغانستان ، بل زادوا عليه وضخموه أضعافاً مضاعفة .
قد يقول قائل أما في العراق وسورية ، فالأمريكان وحلفاؤهم لم يكن لهم اليد الطولى في انتشار الطاعون الارهابي ، قد يكون في هذا بعض الصحة ولسنا الآن بصدد مناقشته ، ولكن الرد المبدئي يقوم على أنه : جاء امتداداً للإرهاب المصنع على النموذج الأفغاني ، ثم هل يمكن تبرأة معسكر العدوان بجميع دوله وهيآته ،ـــ امريكا وأوروبا وتركيا والخليج وغيرهم كثير ـــ من تسليحه وتزويده بكل أدوات القتل ، ومساعدته على دخول الأراضي السورية ، وتمويله ، وتوظيفه ، ومساعدته استخباراتياً من خلال الغرف السوداء في تركيا والأردن ؟؟.
سنسأل من لم يقتنع بالمنطق الذي سقناه ، من أين جاء الإرهابيون بكل قطعانهم ، ــ بأسلحتهم ، وذخيرتهم ، ورواتبهم ، لمدة سبع سنوات ؟؟؟!! ومن أي مطارات جاؤوا ؟ ومن أي حدود دخلوا ؟ وأية خزائن مولت ؟
وملكية وتمويل الامبراطوريات الاعلامية التي رافقتهم ؟ ، ولفقت أكاذيبهم ، وضخمت " انتصاراتهم " وسوقت لهم ؟؟ ، أليس حلف العدوان بكل دوله ومؤسساته ؟؟
.
لقد تناست دول العدوان مخاطر هذا الوحش ، بالرغم من خروجه عن الوصاية والسيطرة ، مقابل اسقاط الدولة السورية بعد تدميرها ، فبماذا نقيم ونعلل هذه السياسات الأمريكية الخرقاء ، هل يكفي تعليلها بالحقد والتشفي والثأر من سورية ؟ أم ضياع البوصلة السياسية للساسة الغربيين ؟ أم كلاهما معاً .
وهل يمكن اعتبار موقف ترامب الجديد من سورية ، استفاقة متأخرة ، أوعودة إلى سياسة واقعية تأخذ بعين الاعتبار الصمود السوري الذي قلب كل المعادلات ، ؟
أم أن ولادة القطب العالمي الجديد الذي ولد على الأرض السورية ، قد حقق حالة توازن ستؤدي إلى استفاقة ليس لأمريكا فحسب بل لدول الغرب كلها ؟!. أم أن السببين معاً ؟؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنا قد بشرنا منذ السنة الثانية من الحرب ، ان سورية ستقلب المعادلة ، وسيشكل صمودها الأسطوري بمساعدة حلفائها وأصدقائها ، منعطفاً تاريخياً ، سيمتد تأثيره الإيجابي والمؤثر على جميع شعوب العالم غرباً وشرقاً ، وكن قد بشرنا ايضاً ونؤكد الآن : أن معسكر العدوان الذي سيخسر الحرب ، سيدفع ثمن خساراته ، التي ستمتد من انكفاء في مناطق النفوذ ، إلى انهيار ممالك وإمارات ـــ هذا ليس تفاؤلاً مجانياً انه ثمن منطقي لخسارة الحرب " وأنا أراهن على ذلك " ـــ ونختم بشرانا بأن هذه الحرب المجنونة والمدمرة ، ستكون آخر الحروب الكبيرة .