كتب المستشار القانوني الاستاذ محمد محسن يقول :
..نحن ورثـة حضارات الشرق كلها ، ولم نأت من الربـــع الخـــالي ؟
……….السومريون ، والآشوريون ، والآراميون ، والسريان ، هم أجدادنا ؟
……….لم يترك الغـرب مجالاً إلا وحاربـنا فيه ، حتى تاريخـــنا شـــوهه ؟
ـ
غشاوة قاتلة تُغلق عيون الكثيرين من مثقفينا ، عن حقيقة تاريخية ، عمل المستشرقون رسل المستعمرين منذ قرون على طمسها وأرادوا نكرانها ، والتي تقوم على :
" أن هناك حالة قطع بين تاريخنا العربي وبين ما سبقه من حضارات ،عاشت في منطقتنا وشعت من أرضنا على العالم ، " .
حتى باتت هذه السقطة التاريخية مسلمة غير صالحة للنقاش ، بعد أن تبناها الكثير من المتغربين ثقافياً ــ والكثير من المترجمين ، وسجلت على أنها حقيقة تاريخية ، والمصيبة أن القليل من المؤرخين العرب ممن تصدى لفضح هذه الفرية ، لم تأخذ مؤلفاتهم حقها في الانتشار ، وبقيت على رفوف بعض المهتمين بهذه الحقائق ، والمصيبة الأكبر أن بعض من ينتسب لتلك الشعوب ، اسماً ، أو ثقافة ، أو عرقاً ، من آشورين ، وكلدان ، وسريان ، ـــ قلت بعض ـــ قد آمنوا بهذه السقطة التاريخية وراحوا يُظهرونها انسجاماً مع تلك الفرية التاريخية الخطيرة .
.
وبات الوعي الجمعي العربي العام مقتنع حد الوثوق ، بأن العرب لا علاقة لهم بالشعوب القديمة التي سكنت وملأت جغرافيتهم كلها من ما قبل عشرة آلاف عام ، والتي تتابعت وتتالت حضارة اثرى حضارة ، كل منها ترث ما قبلها وتضيف ، حتى وصلت إلى هذه المرحلة التاريخية ، التي نحن فيها والتي يجب أن ترث جميع الحضارات التي سبقتها ، لأنها ترثها جغرافياً ، وثقافياً ، وقيمياً ، وتاريخياً ، حتى وجينياً ـــ هذه ليست دعوة عرقية ـــ بل هي حقيقة تاريخية ، هذا المنطق تسعفه تتابع حركة التاريخ بين الأقوام التي تتالى على نفس الجغرافيا ، ومن يرث الجغرافيا يجب أن يرث كل ما تركه من سبقوه ، سلباً كان أم ايجاباً ، كما بينا سابقاً ، والفهم الموضوعي لحركة التاريخ ، يؤكد على أن الحضارات ترضع من بعضها وتراكم الفعل التطوري الحضاري الانساني ، لينتقل ذلك الارث إلى الحضارة التي تلت .
.
ومع ذلك حاول أعداؤنا أعداء التاريخ ، والحقيقة ، والمنطق ، المؤرخون الغربيون بما فيهم الصهاينة ، التأكيد بأن العرب جاؤوا من شبه الجزيرة العربية ، وهم أحفاد بدو الربع الخالي الرحل ، الذين انتشروا في أرض خلاء فارغة لا سكان فيها .
ـــ ولم يقولوا لنا أين ذهب ابناء تلك الحضارات جميعهم ، هل ماتوا بالطاعون ، أم صعدوا إلى مجرات أخرى ـــ
فنشر البدو القادمون ثقافة الرعي ، وحلب النوق ، وكيفية رمي السهام للصيد ، ولذلك لاتزال صورة العربي النمطية عند الغرب ، صورة البدوي راعي الإبل ، وأن هؤلاء الرعاة لم يستفيدوا ، من تلك الومضات التاريخية ومن أي منجز حضاري ، من تلك الشعوب التي سبقتهم والتي قدمت ابجديات الحضارة للدنيا ، وانتشر أولئك البدو في ( العراق ، وسورية ، ومصر ، واليمن ) ، ، هكذا حاول المستشرقون والمستغربون حفر هذه الفضيحة وتنزيلها في أذهاننا ، وأن أجداد العرب الحقيقيين هم فقط ملوك العشوائيات والمحميات ، التي لاتزال تعيش حياة الرعي بتزويقات وبراقع شكلانية تنتمي لحضارة الغرب وهم ( آل سعود ، وآل ثاني ، ومليك البحرين المعظم ، وآل نهيان ، وبيت الصباح ) وقد تلحظ تأثير هذه الترهات على أذهان البعض ممن يدعي المعرفة .
.
أما شعوب المنطقة القدماء من ( السومريين ، والبابليين ، والآشوريين ، والفراعنة ، والفينيقيين ، والكلدان ، والآراميين ، والأنباط ، والسريان وحتى التدمريين وغيرهم ) الذين ملؤا هذه الجغرافيا كلها من العراق وحتى المغرب وفرشوا حضاراتهم ونقلوا ابداعاتهم إلى بلاد الاغريق ، والفرس ، والترك وغيرها من الشعوب ، فليس لنا بهم علاقة .
حتى آثارهم التي تركوها كأوابد تاريخية شاخصة للدنيا ، وبنيت على أكتاف وظهور أجدادنا ، كتدمر العظيمة ، ومسرح بصرى المذهل . ومدينة ماري ، وقلعة بعلبك الشاهقة ، وغيرها وغيرها ، كلها تنسب للرومان، وكأن الرومان جاؤوا بعمالهم ومهندسيهم وبنوا ، هذه الأوابد على أرضنا ثم رحلوا وتركوها لنا .
ــ وهناك بعض الأساطير تقول أن شعوباً من حضارات أخرى من خارج مجرتنا بنتها ورحلت ــ
.
ليست هذه الكذبة التاريخية الرهيبة وحدها ، بل حتى فلسفات الشرق وروحانيته ، وعلومه ، ومنطقه ، وما أنجزه من فكر ينسب إلى الإغريق ــ اليونانيين ـــ ولم يتركوا لنا اي فضل أو اي انجاز حضاري على وجه البسيطة ، سوى أننا " نملك خيلاً أصيلة ، وابلاً ، وصقوراً للصيد "
…………………..تخيلوا حجم الكذبة التاريخية !!!…………………..
لم يقل لنا المستشرقون ولا المتغربون أين ذهبت هذه الشعوب الواسعة الانتشار ، ذات التاريخ الحضاري المبهر ، ومن كتب قانون حمورابي العظيم ، ومن أقام وخطط وبنى برج بابل الذي لايزال يسحر التاريخ ، ومن كتب ملحمة جلجامش ، والشعوب التي عبدت عشتار ، ومن صنع الرقم من الطين وكتب عليها باللغة المسمارية ، التي تحدثت عن حضارات سومر ، وبابل ، وآشور ، وغيرها ، والتي سرقت ونهبت وحشيت بها متاحف الغرب ، أليس من أنجز كل هذه التقدمات الحضارية ، هم أجدادنا الذين عاشوا قبلنا على هذه الأرض التي باتت أرضنا ؟؟!! ـــ من العراق حتى المغرب ـــ لقد تألقت هذه الحضارات عندما كان الغرب لايزال يعيش في الكهوف !!.
.
ولكن للدقة والموضوعية يذكر الآثاريون ، والمؤرخون الغربيون ، هذه الحضارات في كتبهم ، ولكن وبخبث مقصود وتعمية مؤدلجة ، لا تخلوا ، من حقد استعماري عتيق ، يدرسونها كتاريخ متتابع ومنفصل ، ولكنهم عندما يصلون إلى المرحلة العربية ، التي هي الابنة الحقيقية لتلك الحضارات والوريثة الشرعية ، بكل ما فيها من غث وثمين ، هنا تقف حركة التاريخ ، وتبدأ المراوغات ، وذر الرماد في العيون ، وهنا تقف حركة التاريخ المتتابعة ، وتحدث حالة قطع تاريخية بين حقب الماضي كلها وبين العرب .
……هل تبخرت تلك الحضارات ومات كل نسلها إلا بعض الملايين ؟؟ لذلك لم يرثها أحد ؟؟!!
.
كل ما حاولوا أن يؤكدوه ويرسخوه ، في الكتب وفي الوثائق المزورة ، أن العرب سكان هذه المنطقة الواسعة الآن لا علاقة لهم بتلك الشعوب ، ولا ينتسبون لها حضارياً ، لأن العرب كما قلنا جاؤوا من الربع الخالي ، ولكنهم وحتى تنطلي الفرية الكذبة التاريخية الكبرى ، اعترفوا أن هناك بعض البقايا من تلك الشعوب موجودة في المنطقة ، البعض القليل من الآشوريين ، والكلدان ، والسريان ، ومجموعهم يعد بالملايين على أصابع اليد الواحدة أو أكثر ـــ وكأن تلك الشعوب الكبيرة والكثيرة لم تلد غير هؤلاء النفر القليل ، نعم يجب أن نعترف أن هناك سريان ، وكلدان مسيحيون وبعضهم مسلمون ، وآشوريون مسيحيون وآشوريون مسلمون ، وآشوريون أو سريان أو كلدان صابئة ، أو " يزديين " ـــ وإلا أين غارت بقية الشعب السرياني ، أو الشعب الآشوري ـــ هل لم يبقى من السريان غير هذه المجموعة الصغيرة ــ مع احترامي لهم ـــ والسريان كانوا سادة المنطقة كلها ، فالدين لا يعبر عن الانتماء الحضاري .
.
وحتى تكتمل المأساة حتى أهلنا هؤلاء أخبروهم أنهم لا ينتمون للعرب ، ولا للعروبة ، وبعضهم مع الأسف صدق هذه الفرية ، وراح ينشرها ، وينقلها لأبنائه ، وأنهم وحدهم ورثة تلك الشعوب العريقة والقديمة ، لذلك عليهم الهجرة إلى أرض الغرب ، لأن لا علاقة لهم بثقافة العرب ولا بتاريخهم ، وهم أقرب إلى ثقافة الغرب ، وقد يصل بهم القول إلى أن العرب احتلوا أرضهم ، وبالتالي هم أعداؤهم .
لا أنكر بل أقر أن أخوتنا من الآشوريين ، أو الكلدان ، أو السريان ، أو الصابئة ، أو الأكراد هم ورثة تلك الشعوب جغرافياً وحضارياً ، كما يرثهم أيضاً العرب في العراق ، وسورية ، ومصر ، واليمن وغيرها .
بأي علم أو منطق سيتمكن علماء الغرب ، والشعوبيون " الكومسبولتيون " وغيرهم أن يثبتوا أنني أنا وغيري من العرب لا ننتمي أيضاً لتلك الحضارات ولتلك الشعوب ؟؟ !! وبالتالي لا يحق لي أن أتغنى بهم وبحضاراتهم ؟ وأدعي أنهم أجدادي حضارياً ؟؟!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الشعوب التي عاشت على الجغرافيا العربية ، والتي استوطنت هذه الأرض من ما يزيد على عشرة آلاف عام ، " من السومريين ، والبابليين ، والآشوريين ، والكلدان ، والفينيقيين ، والفراعنة ، والأنباط ، والآراميين ، والسريان ، وغيرهم " نحن العرب نرثهم مع جميع الشعوب التي تعيش معنا وفي فضائنا ، من آشوريين ، وكلدان ، وسريان ، وأكراد ، وأمزيغ ، وهم أجدادنا جميعاً ، وتاريخهم تاريخنا ، بسلبياته وايجابياته ، حتى جيناتهم نرثها ، كم ورثنا حروفهم ، وثقافتهم ، ولغاتهم ، وقيمهم ، ونعتز بانتمائنا لهم . وعلينا دراسة تاريخهم ، كدراسة تاريخنا المعاصر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد ادراكنا لهذه الحقيقة التي تشكل كنزاً تاريخياً مبهراً ، لا يجوز بعد اليوم أن نسمح لأحد أياً كان ، أن يحاول طمس هذه الحقيقة التاريخية الساطعة ، وأن يُفرط فيها .
……لا من الاسلاميين الأغبياء الذين صوروا لنا الشعوب ما قبل الاسلام بالشعوب الجاهلة وغير الحضارية ، وأن التاريخ بدأ من الاسلام ، ومنعونا من دراسة تاريخ شعوبنا القديمة والعظيمة ، أو أن نعيرها الاهتمام الكافي ، وحاولوا افهامنا أن لا حضارة قبل الاسلام ، بل جهل وكفر ـــ لذلك يدمر الارهابيون ورثة هذا الفهم الأسود أوابدنا التاريخية ـــ
……ويجب أن لا نسمح بعد الآن للغربيين ، أو المتغربين ، او الشعوبيين ، أن ينسونا انتماءنا التاريخي .
……وبالتالي علينا محاربة اية محاولة للقطع مع تاريخ أجدادنا .