بقلم الاستاذ محمد محسن
…العرب المسيحيين ………………………..
…………………..حاول الغرب تهجيرهم من أوطانهم ……………….
……………ثم أسندوا للحركات الاسلامية التكفيرية هذه المهمة ……….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما تنهض الأمم تعتز الأجيال بانتمائها إلى أمتها ، وتنسى وتتسامى على كل انتماءاتها ما قبل ذلك الانتماء ، الدينية منها ، والمذهبية ، حتى والقومية ، ـــ عودوا إلى مرحلة الستينات تجدون جميع العنعنات المرضية هذه كانت ضعيفة وغير مؤثرة في الواقع الاجتماعي ـــ وبالمقابل وعندما تضعف وتتضعضع الأمة ، تستيقظ كل الانتماءات ما قبل الأمة ، من القبلية ، والأديان ، والمذهبية وحتى المذهب يصبح مذاهباً ، والقومية تصبح أعراقاً .
فكيف لو ترافق هذا التفتيت الممنهج ، وفق برامج ومخططات تعود إلى قرون !، حيث حاول الفرنجة من خلال مستشرقيهم زرع العصبيات الدينية منذ مئات السنين ، ونفذ ذلك عملياتياًعندما جاءت حروب الفرنجة باسم الحروب الصليبية ، لتحتل بلادنا باسم الدين ، وباسم تحرير بيت المقدس ، وكانت المهمة الأولى لتحقيق ذلك ، تقسيم مجتمعاتنا إلى أديان ، ومذاهب ، وأعراق ، حتى أن المستعمرين الغربيين نصبوا أنفسهم ممثلين ورعاة للعرب المسيحيين ، وكأن المسيحيين العرب جاؤوا من غير أرض ومن غير جغرافيا ، وليسوا هم أجدادنا الذين سكنوا هذه الأوطان أوطانهم ، قبل الاسلام بقرون ، حتى وكان المستشرقون يحاولون زرع أفكار خبيثة في أذهان التلاميذ الصغار المسيحيين من خلال المدارس التبشيرية ، أنهم لا ينتمون إلى ثقافة المشرق ، ولا إلى أقوام المشرق ، بل هم أبناء ثقافة الغرب .
.
ولقد تبنى الكثير من المسيحيين المتعصبين ، أو الجهلة ، أو العملاء ، ــ كحزب الكتائب ، وجعجع وغيرهم ــ هذه الأكذوبة المفضوحة ، والتي تهدف اقناع أهل البلاد الأصليين أنهم لا ينتمون لأرضهم ولا لشعبهم ، وكأن المسيح جاء من جبال البرنيه ، ولم يأت من مريم العذراء على أرضنا ، ولم يتحدث لغة أجدادنا الآراميين ، وكان هدف هؤلاء المستعمرين تمزيق الأوطان والشعوب ، ليتمكنوا من السيطرة عليها .
كما حاولوا طمس وقائع تاريخية ثابتة ولكننا نحن لا يجوز أن نتجاهلها أو ننساها ، بأن من قاد غالبية الحركات السياسية العربية التقدمية ، المعادية للاستعمار ، وللمذهبية ، والداعية للعقلانية ، ولتوحيد الأمة العربية ، هم قادة من العرب المسيحيين ، ( ميشيل عفلق ، أنطون سعادة ، جورج حبش ، نايف حواتمة ) ، وان نسينا فلن ننسى الرواد العرب المسيحيين أيضاً ، الذين تغنوا بعروبتهم ، وبلغتهم ، وقيم شعبهم ، وقاوموا التتريك والعثمنة ، والفرنجة ، ومنهم ( البستاني ، واليازجي ، وميخائيل نعيمة ، وايليا أبو ماضي ، وجبران خليل جبران ، وفرح أنطون ، والشدياق ، وفارس الخوري ، وغيرهم وغيرهم كثير ) هل ننسى كل هؤلاء ؟؟؟!!! .
.
ثم أوكل الغرب هذه المهمة ، مهمة تكفير المسيحيين بأوطانهم ، والعمل على التضييق عليهم ، ودفعهم دفعاً وبالقوة نحو الهجرة ، كل هذه المهمات أسندها الغرب إلى الحركات الاسلامية ، التحريفية ، والسلفية الجهادية ، التي أوجدها ، وهي ( الوهابية التي خلقت السلفية الجهادية القاتلة ــ القاعدة ، وداعش ، وأخواتهما ــ، والتي صنعها الاستعمار البريطاني الغاشم ، في القرن السابع عشر وزاوجها بقبيلة بني سعود البدوية ، التي أغدقوا عليها المال والسلاح ، وسلموها زمام كعبة المسلمين ، وأوكلوا لها ليس محاربة المسيحيين وطردهم من الجزيرة العربية كلها ، بل ومنعهم تحريماً من دخول مكة أو المدينة ، كما قامت بتمزيق الاسلام وتفتيته ، وتكفير من لا يدين بدين الوهابية التحريفية ، وقتلت وسفكت دماء المسلمين والمسيحيين .
أما في مصر فلقد أنشأ الانكليز حزب الاخوان المسلمين ، الذين احتكروا الحاكمية الاسلامية ، أي حتى تكون مسلماً عليك أن تنتسب إلى حزب الاخوان المسلمين ، لأن كل من ليس اخوانياً هو مشكوك في اسلامه ، ويحتاج إلى تقويم أو تكفير ، والكافر يقتل ، حيث حاولوا اغتيال الزعيم عبد الناصر مرتين .
وعلى هامش هاتين الحركتين نمت كالفطر عشرات الحركات الاسلامية المتعصبة المبثوثة في جميع أرجاء الوطن العربي ، وكلها تكفر المسيحيين ، .
.
ولا زالت أوروبا " الديموقراطية ، العقلانية " الاستعمارية تعتمد هذه الحركات في تمزيق شعوب المنطقة ، والمثال الفاقع لايزال راهناً ونحن نعيش مأساته الآن . ومن تجليات هذه المأساة ما حدث في الكنائس المصرية قبل يومين والذي فجر الارهابيون الذين قاتلوا في سورية كنيستين ، راح ضحيتهما المئات ، وهذه الجريمة ليست الأولى في مصر بل هي العاشرة أو أكثر ، أما ما حدث للعرب المسيحيين ولكنائسهم في سورية فحدث ولا حرج ، فلقد دمروا الكنائس ، ونبشوا القبور ، وكسروا الصلبان ، ومزقوا الأناجيل ، وقتلوا ، وشردوا ، وخطفوا الراهبات .
والغريب أن من استقبل سابقاً ولاحقاً ورعى وساعد الحركات الاسلامية ، المنبوذة من شعوبها ، والهاربة من مجتمعاتها ، والمتعصبة ، والقاتلة ، هي أوروبا المسيحية ؟!! التي تدعي حماية المسيحيين ، في الوقت الذي تتاجر بهم وتقايض عليهم مقابل مصالحها ، ألم تصبح أوروبا " المسيحية " الموئل ، والنصير ، وأرض انطلاق لكل هذه الحركات الدينية المتخلفة والمتزمتة ، لتمزيق شعوبها !! .
.
ومن الذي فجر وخاض " ثورة الربيع العربي " تحت شعارات اسلامية ؟ أليست أوروبا وأمريكا " المسيحيتين " ؟ !! من كان يود ولا يزال يسعى تنصيب الحركات الاسلامية على كراسي السلطة ، في كل الدول العربية التي فجروها ومزقوها وقتلوا شعبها ودمروا حضارتها أليس الغرب " الديموقراطي العقلاني جداً " ؟؟!!.
من يحمي ويشجع ويساعد الأنظمة والممالك العربية العتيقة والبالية والمسروقة من مخلفات التاريخ ، والتي تقوم على اسس الفقه الديني الظلامي ، الذي فرخ السلفية الجهادية المتوحشة ، والتي تتبنى ذاك الفقه الأسود القاتل ، والذي يفتك بأهلنا واخوتنا المسيحيين ، ألم تحرم السعودية على المسيحيين دخول مكة والمدينة ؟!، مع العلم أنهم كانوا من سكانهما الأصليين ، اين كان مسكن القس ورقة بن نوفل عم خديجة ، ألم يساكن هو وأهله الرسول في ذات المدينة ؟!.
أليست أمريكا واوروبا هما الحاميتان لهذه الممالك المعادية للحضارة ؟؟!!
هذه الدول وتلك الحركات الاسلامية المتعصبة التي نادت بالأمة الاسلامية ، كبديل للأمة العربية ، التي لا حياة للعرب المسيحيين فيها ، أليست هي الآن البلية ، والبلوى التي تهدد العالم .
هذه الحركات الاسلامية من أدناها إلى أقصاها ، التي تقوم على أسس دينية ، ومذهبية ، تعتبر الآن العدو الأول والأساس ، لأي تعايش بين مكونات مجتمعاتنا الدينية ، والمذهبية ، حتى والقومية .
.
ويجب أن تكون قناعتنا راسخة بأن لا تقدم ولا تطور في المنطقة ، ولا تعايش بين مكوناتها الاجتماعية من مسيحيين ومسلمين ، قبل هزيمة هذه الحركات الاسلامية المتعصبة مع فقهها الأسود ، ورميها على مزابل التاريخ ، مع الأنظمة الدينية الخليجية التي تفرخها ، والتي باتت تشكل خطراً على الوجود الانساني ذاته .
من هنا يجب أن نفهم دوافع الحرب المجنونة ، التي قادها الغرب والتي كان من أهدافها تمزيق اللحمة الوطنية لمجتمعاتنا على أسس دينية ، وتنفذها عن طريق الحرب غير المباشرة ، وذلك بأسلحة الفقه الديني التكفيري الذي ترعاه كل من السعودية ، وقطر ، وتركيا .
من خلال هذه الحرب ، التي أكلت الأخضر واليابس في بلادنا ، والتي كان ولا يزال من أهم غاياتها تمزيق البلاد العربية التي تتبنى نسبة معقولة من العقلانية ، ، واعادتها قروناً إلى الوراء ، عن طريق فرض الحركات الاسلامية على مقدراتها ، لتبقي على الفكر الديني المتخلف والمتعصب ، لأن الفكر الديني يستدعي بالضرورة الصراعات الدينية ، والمذهبية ، الكفيلة بإبقاء المنطقة في حالة التخلف ، والتزمت ، والكراهية ، الأبدية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد جهد الغرب دائماً ومنذ قرون ، افراغ المنطقة كلها من العراق حتى مصر بما فيهما سورية ولبنان ، من سكانها المسيحيين الأصليين ، ولاتزال الباخرة الأمريكية التي وقفت قبالة الشواطئ اللبنانية ، ابان الحرب الأهلية لإفراغ لبنان من العرب المسيحيين ، وترحيلهم إلى أوروبا ، لاتزال هذه الواقعة ماثلة للعيان .
ونحن نقول : العرب المسيحيون في بلادنا ، هم وطنيون مخلصون شأنهم شأن اخوتهم من العرب المسلمين ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، وهم ملاك أصليون للأرض والسماء ، وعليهم واجب الدفاع عنها ، وحمايتها من كل معتد من الغرب الرأسمالي ، أومن شذاذ الآفاق من السلفية الجهادية ، ومن جميع المرتزقة من المسلمين التكفيريين .
.
وأنا لا أقدم نصيحة لإخوتي العرب المسيحيين ، بل أردد قول المتنورين العقلانيين منهم ، بأن العروبة هي الهوية الثقافية الجامعة ـــ لا العرقية ـــ لنا جميعاً ، وهي حصننا المنيع والقوي الذي يجب أن نسند ظهرنا إليه ، لذلك كان الانتساب إلى الأمة العربية هو المحدد الأكثر عقلانية من الانتساب إلى مجتمع قطري ضيق ، بعد أن نعلم أن في سورية أكثر من ثلاثين طائفة وقومية ، وهذا يفرض علينا جميعاً ، الدفاع عن انتمائنا العربي الثقافي ، وهويتنا العربية الجامعة ، لأن الغرب والحركات الاسلامية بمجموعها تريد أن تستبدل الأمة العربية ، بالأمة الاسلامية ، لتبقي على الشقاق ، والنفاق ، والتمزيق .