كتب الاستاذ محمد محسن المستشار القانوني لنفحات القلم
.ما هو مصـــير الأحــزاب والمنظمات المدنية في بلادنا ؟
………………هل باتت الأحـزاب والنقـابات في الغــرب بـدون وظيفة ؟
……………….لماذا ضـــمر دور الأحـــزاب والنقـــابات في أوروبا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبدأ مقالنا بتساؤل هل العولمة غيرت العالم ، ؟ أم هي في طريقها إلى ذلك ؟ ، وهل للعولمة منحاً اقتصادياً فقط ، أم أنها ستطال جميع مناحي الحياة ،؟ الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والحزبية ، والنقابية ، وبخاصة منظمات المجتمع المدنية والسياسية ، وقد نجمل فنقول أم هل ستعيد " العولمة " صياغة العالم على ضوء المفاهيم " اللبرالية الحديثة " ، ؟ ، كلها تساؤلات مشروعة ، والتساؤل الأخير، ما علاقة هذه التساؤلات بموضوعنا القائم على : هل هناك لاتزال حاجة للأحزاب السياسية ، ولمنظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة الزمانية ــ مرحلة العولمة ــ ؟ في أوروبا بشكل خاص ، وفي العالم ؟ ، والتي اجتازت الحدود ، وكادت تلغي هويات الدول بل وخصوصيات جميع الشعوب ، حيث دخلت وبدون استئذان كل بيت في هذا العالم الواسع ، حتى يكاد العالم ــ كما يقولون ــ يصبح قرية واحدة ، تأكل ، وتلبس ، وتفكر ، وفق نمط عالمي موحد ، ــ اي تنميط العالم ، وفق نمط استهلاكي فردي غربي الصنعة ــ تذوب فيه الهويات والروابط الوطنية ، حتى والعلاقات الاجتماعية وصولاً إلى تفكك الأسرة ، حينها فقط يصبح العالم بدون قلب ، إلى الحد الذي يمكن أن تذوب في هذا الخضم الكثير من اللغات ، وتسود لغة واحدة على حساب كل لغات العالم ، أما القيم ، والعادات ، والتقاليد ، والتمايزات العاطفية ، والروحية ، فستذوب في خليط لتشكل صيغة متقاربة ، لاتشبه أي من التقاليد أو العادات الانسانية المتباينة السابقة ، التي لا تسم كل شعب من الشعوب بل كل وحدة اجتماعية من وحدات المجتمع الواحد ، أي يخسر العالم كل تلويناته الزاهية ، بعاداته ، وتقاليده ، ولغاته ، من هنا ومن هذا الأفق نطل على موضوعنا الذي نحن بصدده .
.
كان الشارع الأوروبي في الستينات من القرن الماضي بشكل خاص ، يموج ويمور بالمظاهرات ، والاضرابات والتحركات الواسعة للأحزاب السياسية اليمينية واليسارية ، ومنظمات المجتمع المدني ، مظاهرات يومية أو اسبوعية ، للدفاع عن قضية شعب من شعوب العالم الثالث المقهور ، أو من أجل قضية مطلبية داخلية ، تهم الطبقات العمالية ، التي كانت لا تفارق شوارع عواصم العالم الغربي ، باريس ، ولندن ، وروما ، حتى وواشنطن ، ولماذا وقفت الآن ؟ فهل العولمة هي التي أوقفتها ؟ أم لا تزال تحاول لجمها أو تجاوزها أو إلغاء دورها بالكامل ، أم ماذا حدث ، في الغرب وفي الشرق , حتى وفي كل عواصم العالم الأخرى ، وفي سورية أيضاً .
فكم مظاهرة شعبية كبيرة سياسية ونقابية كانت تجوب شوارع دمشق ، والمحافظات السورية اثناء الحرب الوحشية على الجزائر وفيتنام على وجه الخصوص ، ففي كل يوم أو كل أسبوع تحرك سياسي شعبي هنا في شوارع سورية أو في شوارع العالم ، كانت تقوم لتطالب بموقف سياسي عام ، من الاعتداءات الكثيرة التي كانت تقوم بها الحكومات الغربية الاستعمارية ،على شعوب العالم الثالث في الفيتنام ، والجزائر ، وأنغولا ، والموزمبيق ، وفي التشيلي ، وكوبا، والثورة الساندينية ، وغيرها وغيرها ، فكم من الحكومات سقطت ، وكم من القرارات قد تم التراجع عنها ، أو تم الزام الحكومات بتبنيها ، حتى كادت أن تصل بعض الأحزاب الشيوعية إلى سدة الحكم ، في ايطاليا ، وفي فرنسا بشكل خاص ، وان نسينا فلن ننسى التحرك الطلابي الكبير الذي تفجر في باريس عام / 1968 / وأخذ منحاً خطيراً ، كاد يطيح بالنظام الفرنسي العريق ، والذي شكل مؤشراً صادقاً عن الوضع الأوروبي المأزوم .
.
لماذا حدث هذا في الماضي ، ولم يعد يحدث اليوم ، فماذا الذي تغير ؟ وهل نحن في مرحلة تحول تاريخية ؟. وأخيراً ما هي الأسباب الجوهرية ، التي أدت إلى ضمور أنشطة الأحزاب السياسية اليمينية منها واليسارية ، في أوروبا بل وفي كل العالم .
لاريب أن سقوط الاتحاد السوفييتي المدوي عام / 19899 / والذي كان يقود نظاماً اقتصادياً اشتراكياً وفق النظرية الماركسية ، يتناقض جذرياً مع الاقتصاد الرأسمالي الغربي ، بل كان يقود قطباً عالمياً ، يقف أمام التوحشات والاعتداءات الغربية ، والذي كان يرتبط به عقائدياً العديد من الأحزاب الشيوعية ، والعمالية ، والنقابات المهنية ، في كل أنحاء العالم ، تتبنى الفكر الماركسي كأيدولوجيات لها ، وبالتالي كان الاتحاد السوفييتي يعتبر ظهيراً لها وعوناً ، حتى الكثير من الحركات الوطنية المبثوثة في العالم الثالث ، كانت تلقى الدعم السياسي ، والاقتصادي من الاتحاد السوفييتي ، حتى حركة عدم الانحياز ، بزعامة عبد الناصر ، ونهرو ، وتيتو ، وسوكارنو ، ونكروما ، كانت تلقى الدعم من الاتحاد السوفيتي ضد طغيان الدول الاستعمارية الغربية ، لأنها كانت تمثل جزءاً هاما من حركة التحرر العالمية ، وكان الاتحاد السوفييتي يلجم الكثير من الاعتداءات الغربية على شعوب العالم الثالث المستضعف ، ويقيم حالة توازن دولية .
وبسقوط الاتحاد السوفييتي الرهيب ، كسر ظهر جميع الأحزاب الماركسية الشيوعية في العالم ، ومعها النقابات ومنظمات المجتمع المدني المرتبطة فيها ، وكذلك حدث لجميع حركات التحرر في العالم الثالث ، بما فيها الأحزاب السياسية الوطنية ، والنقابات المرتبطة فيها .
.
هذه كانت الضربة التي قسمت ظهر جميع الأحزاب والنقابات اليسارية في جميع أنحاء العالم ، وبخاصة في أوروبا ، حيث بدأت تضمر وتتفكك ، وتضمحل حد التلاشي ، ولم نعد نسمع أي نشاط سياسي هام ومؤثر لأي حزب سياسي يساري ، أو منظمة نقابية في أوروبا .
وانقسمت الساحة السياسية في أنحاء أوروبا ، وحتي أمريكا بين حزبين رئيسيين ، أحدهما يمثل بعض القطاعات الاقتصادية الرأسمالية ، والثاني يمارس نشاطاته تحت اسم اشتراكي ، أو عمالي ، ولكنه يمثل الشركات الاقتصادية الأخرى ، ويمكن سحب هذا التوصيف على جميع الأحزاب اليسارية والنقابات التابعة لها في العالم الثالث أيضاً .
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، تفرد القطب الأمريكي بقيادة العالم ، وطرح مصطلح " العولمة " أي بات العالم تحت سيطرة هذا الوحش ، ويجب أن تبقى جميع أسواق العالم مفتوحة أمام منتجاته ، والدولة التي لا تعلن رضوخها حد الاستسلام ، ستنال جزاءها ـــ كما يحدث الآن عندنا ـــ من هنا بدأ العد العكسي لأي نشاط سياسي ، أو نقابي على مستوى العالم ، لسببين هامين :
.
11ـــ نتيجة تفتت حد الاضمحلال جميع الأحزاب اليسارية في أوروبا ، وغياب أي دور مؤثر للنقابات العمالية ، التي كانت تستمد نسغ نشاطها من تلك الأحزاب .
.
22ـــ " العولمة " كما قلنا جعلت العالم سوقاً عالمياً مفتوحاً ، وهذا يعطي للشركات الغربية حق الاختيار في امكانية نقل معاملها إلى أي دولة أخرى ، في حال قيام عمالها بأي ضغط على ادارة الشركة ، من أجل المطالبة بتحسين أوضاعهم ، حيث تهدد الشركة عمالها بنقل معاملها إلى دولة أخرى ، وعندها يصبح العمال بدون عمل ، بل عاطلين عن العمل ، مما يضطرهم للرضوخ ، بل والاستسلام لقرارات ادارات الشركات الاحتكارية ، حد النفاق ، مهما كانت مجحفة .
هل يمكن اعتبار هذين السببين ايذاناً بضمور أو انتهاء دور الأحزاب ، والنقابات في العالم ؟ ، لأن العالم بات يرضخ لنظام اقتصادي وسياسي متشابه ، أم أن القطب العالمي الجديد الذي يتشكل ، سيتيح ولادة حالات نهوض جديدة للقوى السياسية التي تدافع عن مصالح الشعوب ، المستضعفة ، من قبل الدولة الغربية الاستعمارية ، وللقوى الاجتماعية المستغلة في الدولة الواحدة ؟ ، هذه تساؤلات برهن المستقبل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المدرك أن الذي حرضني لكتابة هذا المقال ، حل الاتحاد النسائي في سورية ، مع أنني من حيث المبدأ لست مع هذا القرار ، ولكن وللموضوعية لم ألحظ أي نشاط يذكر للاتحاد النسائي منذ عقود ، شأنه شأن اتحاد العمال ، وغيرهما من المنظمات المهنية والشعبية ، ولكن وللإنصاف كان الاتحاد النسائي في الستينات من القرن الماضي ، قد قام بأنشطة ، لاتزال مفخرة لهذه المنظمة ، ومنها تعديله لقانون الأحوال الشخصية في ثلاثة مواضع لمصلحة المرأة ، منها لا يقبل تنازل المرأة عن حقوقها الزوجية إلا أمام القاضي ، وكذلك عدل سن الحضانة ، وغيرها من الانجازات .
والذي ليس معقولاً تعليب ــ نعم تعليب ــ جميع الأحزاب السياسية في حيز الجبهة الوطنية المغلق ، بدون أنشطة أو انجازات ، فقط كان لكل حزب حق " الإستيزار " بوزير أو أكثر ، مع سيارة فارهة .
لا أعتقد أنني أتجنى ولا أسجل هذا من مواقع التندر ، ولكن بهدف أخذ العبرة من الماضي ، والخروج من الشرنقة إلى الفضاء السياسي الوطني المخلص .
فهل سيفسح المستقبل المجال أمام الأحزاب التقدمية والعقلانية ، والنقابات المهنية ؟؟ ربما !!