

أقدم صباح أول أمس ، شخص بساحة عين الفوارة بمدينة سطيف الجزائرية ، على تخريب التمثال الموضوع هناك منذ 1898م ، الجاني يحمل ملامح المتشددين ، استعمل مطرقة وقضيب من حديد وراح يفتت أجزاء جسم التمثال أمام مرأى الجميع ، الذي هو في صورة امرأة عارية ، يرى فيه خدش للحياء ، خاصة وأنه مثبت بمكان عمومي بالقرب من أقدم مسجد في المدينة ، يذكر أن التمثال شهد في فترات سابقة نفس العملية ، إذ وضعت له قنبلة سنة 1997م أيام العشرية السوداء من قبل إرهابيين وأعيد ترميمه ، وتعرض أيضا للتحطيم من طرف شاب تحت تأثير المخدرات في 2009م ، والحق به أضرارا معتبرة ثم أعيد إصلاحه .
روايات وقصص كثيرة تداولت حول التمثال ، منذ أن تم وضعه بهذا المكان العمومي ، تنسبه للنحات الفرنسي سانت فيدال الذي أنجزه وأراد عرضه كعمل فني إبداعي عام 1898م بمتحف اللوفر ، بحيث تقول الرواية بأن فترة العرض صادفت زيارة الحاكم الفرنسي لمدينة سطيف للمتحف فسحره جمال المرأة التمثال , حينها قرر نقله إلى المدينة ليجعله رمزا من رموزها . ويبقى الناس يتذكرونه من خلاله , و أمام رفض الفنان منح تمثاله للحاكم عرض عليه هذا الأخير مبلغا ماليا محترما , فقبل العرض, فيما تذكر بعضها بأن النحات فرانسيس هو الذي عرض تمثاله على حاكم سطيف و اشترط وضعه كرمز بوسط المدينة يكون ملتقى العشاق و المتحابين و حتى المتزوجين الجدد , في محاولة منه للتكفير عن ذنب تجاه محبوبته التي تقول نفس الفرضية أنها كانت " عمرية " من عمريات سطيف , التقى بها الفنان ذات مرة حين كان في زيارة لسطيف , فأغرم بها و حاول بشتى الوسائل زوجها, غير أن تقاليد المجتمعين حالت دون ذلك ، فاضطر إلى التخلي عن حبه و العودة إلى فرنسا ليفجر الحب و الهيام اللذين ظلا يحرقان فؤاده إلى عمل إبداعي جسده في تمثال المرأة الذي كان قمة في الدقة و الجمال ، أصبح فيما بعد رمز المدينة ومقصد كل زائر يحل بالمدينة ، فيشرب من عين الفوارة ليعود إليها مرة أخرى ، ومدينة سطيف بدون هذا الرمز تفقد نكهتها ولا تعني شيئا ، تغنى به أشهر المغنيين الجزائريين على غرار عيسى الجرموني وخليفي أحمد وغيرهم ، وأكبر عمل إبداعي أنجز حول عين الفوارة ، هو العمل الملحمي الذي ألفه الشاعر عزالدين ميهوبي الوزير الجزائري الحالي للثقافة وعرف بملحمة عين الفوارة ، وأيضا هناك ما هو متداول وسط الإسلاميين إلى اليوم ، على أن التمثال وضع عن قصد لإثارة انتباه المصلين ، الذين كانوا يقصدون مسجد العتيق المجاور له ، ويجتمعون بساحته لأغراض سياسية تمس بأمن المستعمر الفرنسي بالجزائر ، خاصة وأن المدينة عرفت أحداث مناهضة للاستعمار ، كما تعالت أصوات منذ فترة طالبة نزع المجسم من المكان ، لأن الفرنسيين حسبهم وضعوه عن قصد لإثارة انتباه المصلين ، أمام أحد أقدم مساجد المدينة للمساس بالمقدسات الدينية .
لنفحات القلم الإعلامي الجزائري : عيسى بودراع