اليوم تحتفل سفيرتنا الى النجوم السيدة فيروز بعيد ميلادها الـ 77
علامتا نصر ترتفعان في الذكرى
سبعتان معاً والواحدة الى جانب الاخرى والمعنى واحد: الانتصار.
السيدة الساحرة المولودة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935 ما زالت بيننا، وهي الوحيدة بين فناني البلد التي لا تطل علينا الا في حفلات متباعدة جداً في التوقيت، وفي مكان اقامتها.. وآخر ما حضرناه كان حفل قاعة «لا بلاتا» في جونيه (مفرق غزير) والتي تتسع لأربعة آلاف شخص، ويومها كان موكب العماد ميشال عون يدهس الخارجين من المسرح بعد انطلاقه بسرعة جنونية.
اليوم تبلغ الـ 77 من عمرها تاريخ بكل ما للكلمة من معنى ورمز صارخ لمفهوم الغناء الراقي الملتزم والجاد وعمر مديد في الفن والحياة، لكن مع مفهوم خاص في قراءة وفهم معنى النجومية، نحن نعيش معها في كل وقت، اغنياتها حاضرة في السراء والضراء في اوقات الفرح وساعات الحزن، ما قدمته مع الاخوين رحباني وبعض المبدعين الكبار (729 اغنية) يختصر تاريخاً بأكمله، ويكاد يلامس السيرة الكاملة ليس لوطن اسمه لبنان، بل لأمة العرب، لأنها مع شريكيها في الابداع لم يتركا منطقة عربية الا وادخلاها في خضم اهتمامهم، فشكّل الغناء رسائل معلنة ترفع من قيمة واهمية ورمزية القضايا الملحّة واولها القضية العربية التي كم غنّي وغنى لها هي صاحبة السبع اغنيات التي تعتبر اناشيد وطنية تزرع الحنين في نفس كل عربي وتحصد الثقة بالنصر وإن بعد حين.
لكنها حققت اول انتصار لها في لبنان، حيث جمعت كامل مفاصل الشعب خلف صوتها، والرسالة التي يحملها، وهي من غنّت: بيقولو زغير بلدي، بحبك يا لبنان، او عندما خاطبتهم على وقع انغام الراحل زكي ناصيف: يا بني امي (باسم جبران خليل جبران) وجاءت الاغنية يومها في وقتها تماماً، يوم كانت الاجواء مناخ فرقة وتباعد بين ابناء البيت اللبناني الواحد..
نعم ما خبرناه طويلاً مع السيدة المدهشة ورفيقي الدرب الفني والحياتي يؤكد ان ما اشتغلوا عليه كان حقيقياً وجاداً، وارادوا منه بث نوع من الثقة بالوطن والاشقاء فيه، حتى تنجلي الغيمة عن كل الوطن ويبلى من جروحه التي تنزف منذ 37 عاماً.
ولها في قلوب العرب كل التقدير والحب والمواكبة، ليس في هذه الايام فقط بل منذ اواخر الاربعينيات حين يتذكر الفنان هاني شنودة، ان اذاعة صوت العرب استضافتها وانتجت لها 42 اغنية بما يعني ان مصر كانت واعية لقيمة الموهبة الجديدة والكبيرة في ذلك الحين.
«انه فيه امل» آخر البوماتها، فهي لم تكف يوماً عن الغناء واطلاق الالبومات واذا كانت اخذت ألحاناً قليلة من بعض الكبار في الحقبة التي اعقبت رحيل العبقري عاصي الرحباني في 21 يونيو 1986، فإنها فضّلت عليهم جميعاً الاستمرار مع نجلها الفنان زياد الرحباني، ولا يخفي الفنان ملحم بركات انه كاد ان يفوز بمشروع تلحين لها لكن تمت عرقلة الامر في آخر لحظة – وفق قوله.
وفي عملية استصراح لعدد من الفنانين للرد على سؤال: لماذا اعتذرت السيدة فيروز عن كل الدعوات للغناء في دار الاوبرا، كان التركيز على ان الرقم الذي طلبته للغناء كان مرتفعاً، اضافة الى نوع وحجم الطلبات التي تضعها كشروط لتحقيقها، خصوصاً وأنها تصطحب معها فرقة موسيقية كاملة من بيروت، كل هذا مكلّف، وبالتالي هناك ما يبرر عدم الاتفاق على التفاصيل.
اما الجميل في السياق فهو بقاء الفنانة الكبيرة صاحبة اكبر رصيد من المحبين في ارجاد العالم العربي والمغتربات، خصوصاً انها على مدى ستين عاماً من عطائها الغنائي الاحترافي غنّت في ارجاء الكرة الارضية، واينما حلّت ابكت وافرحت وجعلت المستمعين المتابعين في حال من الاسر الراقي والرائع.
وكانت في فترة ما طرحت اسئلة من نوع لماذا لم تتعاون فيروز مع سلفها الفنان الكبير منصور الرحباني الذي امضى 26 عاماً حياً بعد رحيل شقيقه عاصي، ولا نريد لحضورهما معاً في احد مهرجانات بعلبك لتقديم استعادات من عدة مسرحيات رحبانية اعتباره تعاوناً فالذي حصل كان لرفع العتب من كثرة ما طرح عليهما من اسئلة حول هذا الموضوع.
علامتا نصر.
77 عاماً، هو عمرها، وهي خالدة في الاسماع والقلوب مثل كل الكبار في عالم العطاء والابداع.