بالحُبّ تدبّ النملةُ على قوائمها دائبةً تجمع من حرّها لقرّها ، وبالحُبّ أُوحيَ للنّحل أنْ اسلُكي سُبلَ الجمال ذلُلاً منْ ربوةٍ لربوةٍ ، ومنْ زهرةٍ لزهرةٍ ، يخرج من بطونها شرابٌ طهّره الحُبّ وعتّقَه ، وألهمها مُستقرَّه ومُستودعَه ، فيه شِفاءٌ وبركة للخلقِ أجمعين .
وبالحُبّ تنوحُ الحمامةُ طالبةً إلفَها وعشيرَ حُبّها ، حاكيةً حكايا غرامها بلهجةٍ غابت إلا عمّن أخلصَ في حقيقة حُبّه كإخلاصها ، واكتوى بناره كاكتوائها.
وبمويجات الحُبّ السحريّة الخفيّة ، تتعشقُ الخفافيشُ سُجُفَ الظّلمةِ المُدلهمّة ، وتنفرُ – محبوسةً في مكامنها – منْ إشراق ضياء الشّمس الباسط لكل شيء !
بالحُبّ يهطلُ قطرُ السّماء ، فتقتبله الأرض معشوقته بتلهّف الولِهِ منَ العشّاق ، حتى إذا ما داعبَ ثراها اهتزّتْ وربَتْ ، وأنبتَتْ منْ كلّ زوجٍ بهيج !
وبالحُبّ تفورُ ينابيعُ الماء العذب الزُّلال منْ جوف الجبال العاشقة ، سالكةً وُجهةَ حُبّها ، فتصير جداول وسواقي وأنهار مؤتلِفةً ببركة الحُبّ ، وسائرةً بلهفةِ الغرباء المُتشوِّقين إلى البحر معشوقها الأوحد !
وبالحُبّ يغدو البحرُ سحاباً سابحاً في فضاء الحُبِّ الرّحيب ؛ فيوزّع ذاتَه العاشقة على السّهول والحقول والجبالِ والتلالِ والقِلال ، والقُرى الآمنة وغير الآمنة ، والشّاكرة وغير الشّاكرة ، والنّاس أجمعين .
وأمّا الإنسانُ فحبّهُ غايةُ الحُبِّ ؛ لأنّه المحبوب المُرتجى منْ وراء ابتكار كلّ حُبّ ، جسداً وصورةً ؛ عقلاً وقلباً وإرادةً وخيالاً ومعنىً وروحاً . . !
كتابه (مقامات العاشقين)