.jpg)
.لماذا لا نــوجه شرقــاً فلســفة حيـاة وعــلاقات
روحانــية الشــرق هي نسغ الانسـانية ……
…فردانيــــة الغـــرب هي تدمـــير لقيــم الانسـانية
( 1 )ــبقلم المحامي محمد محسن
خرج الاستعمار الغربي من بلادنا بصيغتيه ، السياسية ، والعسكرية ، بعد أن ترك أخاديداً وجروحاً لن تندمل أبد الدهر ، لأنه صادر تاريخنا وشوهه ، ولعب به ونسجه بما يتفق مع مصالحه ، كما سرق قدراتنا البشرية والمادية وسخرها من أجل ثرائه ، ولكن ذلك الاستعمار البغيض ، لم يخرج بهيئاته وأدواته وبصيغه المباشرة ، إلا بعد أن خلف لنا دولاً وأنظمة تعوضه عن وجوده الفعلي ، وليحرمنا من أي شكل من اشكال الاستقرار ، الذي يسمح لنا بالسير في دروب التقدم ولو كان وئيداً ، فكانت [ اسرائيل ] ، التي نهضت بتلك المهمات بكل اقتدار بل وزادت عما كانوا يتوقعون ، ولكن للتاريخ وللحقيقة لقد كسرت يدها الطويلة الآن .
.
كما أوجد لنا الاستعمار أيضاً مملكة بني سعود وما لف لفها من الرجعيات العربية ، وأوكل لها مهمات متمايزة عن أدوار اسرائيل بالرغم من فداحتها في ثلاث مهمات : استولدت نسخة مشوهة من الاسلام وراحت تعممها ، فاغتالت بذلك عقول مئات الملايين من المسلمين ، وجعلتهم يعيشون في ظلام فكري أسود ، ليتم تحويلهم إلى هياكل بشرية برؤوس فارغة ، تُملأ بالخرافات والأحاديث النبوية الكاذبة والملفقة ، ولتكون أداة قتل وتكفير كما هو عليه الأمر الآن ، وهذا كان من أهم أسباب تخلف المنطقة كلها .
كما أنها ومن خلال ثروتها النفطية الهائلة ، قامت بفعلين متوازيين ولكن متضادين : حيث عمدت وهي تساهم بفكفكت الاتحاد السوفييتي من خلال المليارات التي دفعتها لخصومه ، كانت في الوقت ذاته تعمل على انقاذ الشركات الغربية وبنوكها من الافلاس ، من خلال الودائع الكبيرة التي تقدر " بالترليونات " والفوائد كما تعلمون حرام .
.
ولكن ورغم كل هذه الويلات ومنعكساتها ، وعقابيلها ، والتي خلفها الاستعمار بصيغتيه : الاستعمار المباشر ، والاستعمار بالوكالة ، والتي لا يمكن تقديرها لأنه لعب بحضارة شعوبنا ، وصادرها ، وعمل على تكويرها وجعلها تدور في فلك دائري رسمه لها ، حتى لا تخرج من القوقعة ، وإن تم الخروج إلى فضاء الحرية في فترة زمنية ما ـــ في الستينات من القرن الماضي مثلاً ، عندما كانت حركات التحرر في أوجها ، وكان الاتحاد السوفييتي ظهيراً لها ـــ ، ولكن ورغم ذلك كان هذا الانعتاق قد تم في غفلة من دول الاستعمار ذاتها ، أو من وكلائها [ اسرائيل ، والسعودية ، والرجعيات العربية ] المخولين باغتيال أي محاولة لليقظة وهي في المهد ، لذلك جاءت [ الحرب النكسة ] في عام / 1967 / ، حتى تعيد المنطقة إلى نقطة الصفر .
تخيلوا!!! …..كل هذه المرارات والعقابيل التي خلفها الاستعمار ووكلائه والتي لا يمكن حصرها أو احصاؤها ، لأنه سرق حاضرنا ومستقبلنا لعقود ، ولم يترك مجالاً من مجالات حياتنا إلا وحرفه عن مساره الطبيعي ، وأخذه حيث يريد ، وجاءت هذه الحرب لتكون الخاتمة .
……………….بالرغم من كل هذه المرارات وغيرها ………………
……………كان الاستعمار الثقافي أمر وأدهى بألف مرة ومرة…………
أول فرية , بل اولى الجرائم التي تكدست فوقها كل الجرائم الأخرى ، واعتبرت أساساً لكل المفاهيم التاريخية المغلوطة [ ألا وهو الاستعمار الثقافي ] الذي اعتقلوا من خلاله ليس ثقافتنا بل ثقافة كل شعوب الأرض ، وقادوها إلى شعاب وعرة ومن ثم إلى التوهان والضلال ، عندما زعموا كذباً وبهتاناً : بأن الخطوات الثقافية الأولى التي خطها علم المنطق والفلسفة ، والفكر ، كانت في بلاد الاغريق ــــ اليونان ـــ
………………………..كيف هذا ؟؟!!
.
بالرغم من كل التحريف الذي قام به الآثاريون الغربيون ، والذين جاؤوا تحت عباءة المستشرقين ، لم يستطيعوا أن ينكروا أن أولى خطوات الحضارة الانسانية ولدت في الشرق في [ العراق ، وسورية ، ومصر ] والتي عاصرها نموات ثقافية في الهند والصين ، وذلك قبل عشرات الآلاف من السنيين ، وهي حضارات مكتوبة برقم مسمارية ، أرخت لتلك الحضارات ، ابتداءً من السومريين الذين عاشوا في جنوب العراق ، ثم تتالت بعدهم حضارات متتابعة ، وكل منها ورث جغرافية وثقافة حضارة الشعب الذي سبقه وأضاف ، لتنتقل إلى شعب آخر وهكذا دواليك ، وصولاً إلى الفينيقيين ، حيث ولد الحرف ، والنص المكتوب ، والسلم الموسيقي وغيرها ، في أوغاريت السورية ، في كل هذه المراحل كانت أوروبا لاتزال في المرحلة الجليدية وبخاصة في قسمها الشمالي .
.
ولكن وحتى يتمكن الآثاريون والمستشرقون ، من خلخلة وعينا التاريخي المتسلسل ، حاولوا ترسيخ فكرة باتت مسيطرة على أفكار غالبية المؤرخين العرب وغيرهم ، أن تلك الحضارات لم تتواصل مع بعضها ، وكأن كل حضارة منها عاشت في جغرافيا أخرى وفي زمن آخر ، وعلى الأقل ليس للعرب أي علاقة بتلك الحضارات .
هذا المنطق الغريب المغرض والكاذب الذي شوهوا من خلاله تاريخنا ، كما سرقوا طاقتنا البشرية والمادية ، هو المنطق المعمم والذي جعل أجيالنا لا تعتز بالسومريين ، ولا بالبابليين ، ولا بالفينيقيين ، بل تتنكر لهم ، ولا تعرف عنهم إلا شذرات من هنا وهناك ، وكانت مساهمة رجال الدين الاسلامي الأغبياء والمغرضين بذلك مساهمة أساسية ، حيث بذلوا كل جهودهم لترسيخها ، بأن أكدوا أن العرب ليس لهم أية علاقة عرقية أو حتى حضارية بتلك الشعوب التي سبقتهم اطلاقاً والتي عاشت في الجاهلية ، وبالتالي لا يعتزون [ بقانون حمورابي ] الذي جاء قبل ما يزيد على / 3500 / عام والمؤلف من / 282 / مادة ، ولا " بنبوخذ نصر " ولا بغيرهم لأنهم رسخوا الفهم بأذهان الكافة بأن تلك الشعوب تنتمي إلى الجاهلية ــ وفسرت كلمة الجاهلية من الجهل ـــ وبذلك لا علاقة لنا بهم ، بل تاريخنا يبدأ منذ فتح دمشق على يد خالد بن الوليد ، وعبيدة بن الجراح ، !!! ، وكذلك بدأ تاريخ العراق ومصر ، وتجاهلوا عن قصد أحياناً وبسبب الجهل أحاييناً ، بأن العرب لا يمتون بصلة إلى تلك الشعوب ، الذين هم في الحقيقة التاريخية والجغرافية هم أجدادنا ولنا الحق الاعتزاز بهم ، بل يجب الاعتزاز بهم .
.
مما سقناه من منطق : هل هناك عاقل في الدنيا يحق له أن يظن مجرد ظن ، أن الغرب كان قد سبق الشرق بالحضارة والمعرفة ، وأن الفلسفة قد ولدت في اليونان ، وليس في الشرق ؟ ؟ ، وهل يحق لأي عاقل أن يعتقد أن افلاطون ، وسقراط ، وأفلوطين ، وأبيقور ، قد سبقوا الشرق في فلسفاتهم ؟؟ ، ما دام الحرف ونص المعاهدات السياسية قد ولدت في الشرق ؟؟ وهل يمكن لأي متابع أن يجزم أن هؤلاء الفلاسفة اليونانيين الذين نعتز بهم ، لم يتأثروا بفكر وفلسفة الشرق ،؟؟ ولم ينهلوا منها ؟؟
………………….على ضوء ما تقدم سنبني استنتاجاتنا ………………
لقد سرق الاستعمار الغربي المديد طاقات شعوب الشرق وثروتها البشرية والمادية ، وأثرى على حسابها ، وسخر تلك الثروات ، في سبقه الحضاري العلمي والمعرفي وفي كل مناحي الحياة ، ليعود فيستغل ذلك السبق في تأبيد سيطرته على الشرق ، ليس سياسياً ، أو عسكرياً أو اقتصادياً فحسب ، بل لتأبيد سيطرته الثقافية التي أكدنا عليها سابقاً .
.
والتي تجلت :
في اعتماد " مثقفينا المتغربين " في معارفهم التي يضمنونها كتبهم ، كل ما قاله الآثاريون والمستشرقون الغربيون ، كمسلمات تاريخية وثقافية ، ويزرعون هذا الفهم في مناهجنا ، وفي اعلامنا ، حتى طلابنا نرسلهم ليتتلمذوا في جامعات الغرب ، وشوارعها ؟! ، ليعودا في أغلبهم إلى تبني ثقافة الغرب وقيمه ، بالرغم من كل ما تحمله من تزوير واخفاء للكثير من المنجزات التي قدمتها حضارات الشرق ، ويعودون إلى وحداتهم الاجتماعية وهم يحملون الإحساس بروح التعالي عند الشعوب الغربية على الشعوب المشرقية من خلال تفوقها الحضاري الشكلي ، ثم يعملون على زرع قيم الفردية التي تتنافى من حيث النتيجة مع العواطف الانسانية المشرقية ، وينشرون ثقافة أن [ الفلسفة جاءت من اليونان ، والأوابد التاريخية " بما فيها مسرح بصرى ، ومدينة تدمر الأثرية ، وأعمدة ماري وشوارعها ، وقلعة صلاح الدين ، ومسرح جبلة " كلها شيدت بحسب ما هو متداول من قبل الرومان ، وهذا ظلم فادح للشعوب التي أقامت هذه الأوابد العظيمة والتي يشهد لها التاريخ ، والغريب أنهم لم يدعوا بتشييد اهرامات مصر ومعابد الأقصر، وأن الرومان هم من نحتوا تماثيل أبي سنبل؟!! .
.
أليس من المنطق البسيط أن شعوب المشرق العربي الحضارية ، ما دامت قد تعاصرت زمانياً مع الحضارة المصرية ، ـــ بحسب اقرار المستشرقين الغربيين أنفسهم مضطرين ـــ ألم تكن تلك الشعوب بقادرة على بناء تلك الأوابد كما بنيت في مصر ؟؟!!، والتي يعمم الزعم بأن الرومان هم من شيدوها !!. والتي هي في حقيقة الأمر قد شيدت قبل مجيء الرومان بقرون ، ولكن المنطق يدفعنا للاعتراف أن الرومان قد أضافوا لبعضها ، هل سنضع هذه المعضلات القاتلة في اهتمامنا بعد هزيمة الغرب ، وبعد تحقيق الانتصار ؟؟؟ هل سنتنكب دروب الغرب الاستعماري المتوحش ، ونتوجه شرقاً سياسة ، واقتصاداً ، وثقافة ، وفلسفة حياة ؟؟.