كانَ طيباً حنوناً مثلَ أمِّي ، فقيرَ الحالِ مثلَ أبي ، ليسَ بيديهِ خاتمٌ ، ولاتزينُ أعلى صدرهِ شريطةٌ ورديةٌ كأبناءِ النبلاءِ ، لاعطرَ يفوحُ من ثيابهِ المهترئةِ ، وكأنَّه لم يستحمَّ منذُ زمنٍ ، و لم يضعْ عطرا فرنسياً في حياتهِ ، كان أعرجَ يشبهُ ابن جيراننا أصابتهُ رصاصةٌ طائشةٌ في الحربِ ، يسكنُ على مسافةٍ قريبةٍ من بيتنا في بيتٍ طينيٍّ ،
يلبسُ عباءةً مرقعةً ، وبيدهِ عصاً يتوكأ عليه ، لم أكن أَعْلَمُ أنه العيدُ ، حتى رأيتُ مجموعةً من أطفالِ الحيِّ تدقُّ بابهُ بإلحاحٍ ؛ فيخرجُ بهيئةٍ كئيبةٍ ، يلتهمُ وجههُ الفزعُ ، ينسى الأولادُ مايريدونه منه ، يناولونهُ مابأيديهم من الحلوى اللذيذةِ ، ويجرونَ صناديقَ أحلامهم المهشَّمةِ بسيقانٍ مرتجفةٍ وأيدٍ نحيلةٍ تقصُّ
على مسامعِ الأيامِ حكايةَ العيدِ الحالكةِ ، بحثتُ عنها كثيراً لم أجدها في حقائبِ البحرِ، قالوا لي إنَّ التاريخِ قد سرقها .
_____
مرام عطية