النسخة النهائية المصصحة لبيان الدكتور بشار الجعفري
بيــــــان
السفير د. بشار الجعفري
المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية
أمام
جلسة مجلس الامن
حول تقرير الأمين العام الخاص بتنفيذ القرارات ذات الصلة بالوضع الإنساني في الجمهورية العربية السورية
الرجاء متابعة النص عند الإلقاء نيويورك في 28/8/2018
شكراً السيدة الرئيس،
وشكراً للإشارة إلى الرسالتين اللتين أرسلناهما لعناية الرئاسة وأعضاء المجلس حول موضوع "الكيميائي"، والخطر الجسيم الماثل أمامنا من إمكانية استخدام هذا الكيميائي مرة جديدة في إدلب. وجَّهتي لي بعض الأسئلة – السيدة الرئيس – وأرجو أن يتسع صدر الرئاسة للاستماع لما لدي لبضعة دقائق بعد أن استمتعت إليكم جميعاً لمدة تزيد عن الساعة والنصف، فهناك الكثير من النقاط الهامة التي تستدعي التوضيح.
قبل أن أبدأ بياني أريد أن اشير إلى ما يلي:
أولاً- خلال الفترة التي كُتب فيها تقرير "أوتشا"، وافقت وزارة الخارجية والمغتربين السورية على 2700 طلب من برنامج الغذاء العالمي، لإيصال مساعدات للمناطق المحررة وغيرها، وقد وافقت وزارة الخارجية على كل الطلبات المقدمة من البرنامج أي 2700 طلب.
ثانياً- وزَّعنا هذا الشهر على السادة أعضاء مجلس الأمن والدول الأعضاء شرحاً تفصيلياً لمعنى وأهداف القانون رقم /10/، بما يضع حداً كل التخرصات والمعلومات المغلوطة والمغرضة التي يقدمها البعض من حين لآخر حول أهداف هذا القانون، وبالتالي هذا الموضوع ينبغي سحبه من التداول.
ثالثاً- يقوم الهلال الأحمر العربي السوري بشكلٍ متكررٍ يومي ومتواصل، بالتعاون مع الشركاء في العمل الإنساني المحليين والدوليين، بإيصال المساعدات والعشرات من القوافل إلى المناطق التي يحتاج فيها المدنيون للمساعدات الإنسانية.. مشكلتنا مع "أوتشا" هي التالية: السيد "غينغ" قال إن أربعة قوافل تمت الموافقة عليها فقط، وهذا غير صحيح. مشكلتنا مع "أوتشا" هي أن ممثليها لا يحسبون إلا القوافل التي تشارك فيها "أوتشا" فقط، أي أنهم لا يعترفون مثلاً بقوافل برنامج الغذاء العالمي أو قوافل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو قوافل الصليب الأحمر، ولذلك فإن مئات بل آلاف الأطنان من المساعدات التي تذهب إلى المناطق التي يحتاج سكانها للمساعدات لا تقوم "أوتشا" باحتسابها ولا إيرادها في التقارير الشهرية. ولهذا، تم إيراد أربعة قوافل فقط خلال هذا الشهر في تقرير "أوتشا"، وهذا كلام غير صحيح بل يشكل تضليلاً للسادة أعضاء مجلس الأمن.
واسمحوا لي الآن بتلاوة بياني..
السيدة الرئيس،
كنا قد حذَّرنا مراراً من وجود فيلٍ ضخمٍ أهوج في هذه القاعة يهدد برعونته أسس عملنا المشترك ويطأ بأقدامه الضخمة الكثير من الحقائق للتغطية على انتهاكات بعض الدول دائمة العضوية لأحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي.
يبدو أيضاً أن المكابرة على الخطأ ما زالت سائدةً في سياسات وممارسات الحكومات الغربية تجاه بلادي، فبدلاً من الإقرار بالذنب وتحمل المسؤولية السياسية والقانونية عن شن حربٍ إرهابية على سورية دولةً وشعباً، وعوضاً عن تصحيح السياسات الكارثية التي انتهجتها هذه الحكومات تجاه منطقتنا بشكل عام وضد بلادي بشكلٍ خاص، فإنها تُمعِن في عدوانها من خلال استخدام راياتها السوداء وخوذها البيضاء وخطوطها الحمر، في التحضير الآن لمسرحياتٍ دموية جديدة باستخدام السلاح الكيميائي في مناطق الشمال الغربي من سورية، بهدف عرقلة العملية السياسية الجارية، وتبرير عدوان حكومات الدول الغربية في هذا المجلس على بلادي واحتلالها لأجزاءٍ منها، ولبعث الروح والعزيمة في فلول الإرهاب الموجود في تلك المناطق.
إن حكومة بلادي تدين البيان الصادر قبل أيام عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، وترفض ما جاء فيه شكلاً ومضموناً. لقد أكدت سوريا مراراً وتكراراً أنها تعتبر استخدام الأسلحة الكيميائية أمراً لا أخلاقياً، وأنها تدين استخدامها في أي مكان وتحت أي ظرفٍ كان وضد أي كان.. وتُكرِّر سورية اليوم تأكيد أنها لا تمتلك أي أسلحة كيميائية، وأنها نفذت كل التزاماتها مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أعلمت بدورها الجهات الدولية ومنها مجلسكم الموقَّر، بأن سورية قد نفذت التزاماتها في هذا المجال. ولا داعي أن أكرر على مسامعكم في كل جلسة أن المخزون الكيميائي السوري قد تم تدميره في البحر الأبيض المتوسط على متن السفينة الأمريكية MV-CAPE RAY في حين ينتظر مخزون إسرائيل من الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية الحصول على بركة هذا المجلس، للتخلص منه.
السيدة الرئيس،
إنني أضع بين أيديكم الآن معلوماتٍ موثَّقة عن استعدادات إرهابيي تنظيم "جبهة النصرة" والمجموعات التابعة له، لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد مدنيين في محافظة إدلب، بغية توجيه الاتهام للقوات السورية وتبرير أي عدوان عسكري قد تشنه حكومات الدول المشغلة لهذه التنظيمات الإرهابية، على غرار ما حصل خلال العدوان الأمريكي على مطار الشعيرات في السابع من نيسان 2017، والعدوان الثلاثي الأمريكي – البريطاني – الفرنسي في 14 نيسان 2018.
وفي إطار التحضير لهذه الجريمة، التي نطالب وبقوة الدول ذات النفوذ على الجماعات الإرهابية بالعمل على منع عملائها من تنفيذها، جرى نقل 8 حاويات من الكلور إلى قرية "حلوز" في إدلب تمهيداً للسيناريو المرسوم في مسرحية الهجوم الكيماوي الجديد، الذي يتمثل بقيام إرهابيي "الحزب الإسلامي التركستاني" و"جبهة النصرة"، الذين يحلو لمعدي تقارير الأمانة تسميتهم بـ"المعارضة المسلحة من غير الدول"، باستخدام مواد كيميائية سامة ضد المدنيين السوريين، بما في ذلك عشرات الأطفال الذين تم خطفهم منذ أيام في ريفي حلب وإدلب، واتهام الحكومة السورية لاستجرار عدوانٍ غاشم عليها.
إن أي عدوان على بلادي، إن حصل، سيكون عدواناً على بلدٍ عضو مؤسس للأمم المتحدة، وعدواناً على السلم والأمن الإقليميين والدوليين، ودعماً للإرهاب، واستهدافاً للجهود التي نبذلها مع حلفائنا لمكافحته، وليعلم المعتدون أنه على الباغي ستدور الدوائر…..
السيدة الرئيس،
تأسف حكومة بلادي لاستمرار معدي تقرير الأمانة العامة في نهجهم السلبي المسيس، الذي يفتقد للموضوعية والحيادية والمهنية، وأشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن التقرير الرابع والخمسين قد خلا من أي إشارة إلى الخرق الخطير الذي وقع مؤخراً لاتفاق فصل القوات في الجولان السوري المحتل.. إن حكومة بلادي لا تجد مبرراً واحداً لتغاضي الأمانة العامة وإدارة عمليات حفظ السلام عن تورط إسرائيل في عملية إجلاء وتهريب عناصر إرهابية من "الخوذ البيضاء" عبر خط الفصل في الجولان السوري المحتل ومنه إلى الأردن ومن ثم إلى عواصم الدول الغربية الراعية لهؤلاء الإرهابيين. كما أن حكومة بلادي لا تجد مبرراً لتغاضي التقرير عن دور الحكومة التركية في رعاية إرهابيي "الخوذ البيضاء"، وإرهابيي "الحزب الإسلامي التركستاني" و"جبهة النصرة" و"هيئة تحرير الشام" والإرهابيين الإيغور والأوزبك وغيرهم من "المعتدلين"، ودورها المباشر في تسهيل أنشطتهم الإرهابية في سورية.
في هذا السياق، تشجب حكومة بلادي وترفض أي إشادة في التقرير بتقديم تركيا للمساعدات إلى مدينة عفرين وغيرها من المناطق. وتذكر الجميع هنا بأن العدوان العسكري التركي على مدن عفرين وجرابلس والباب وعين العرب وغيرها من المناطق السورية، كان السبب المباشر في تشريد ومعاناة مئات الآلاف من المدنيين هناك، وأن هذا الوجود العسكري التركي هو في الحقيقة احتلالٌ موصوف يجب أن ينتهي، وهو دعمٌ لإرهاب المجموعات المسلحة الموجودة في تلك المناطق.
السيدة الرئيس،
إن حكومة بلادي غير معنيةٍ بأي توصيفات مسيسة يوردها معدو التقرير، ومن بينها تغيير معدي التقرير توصيف بعض المناطق السورية من "محاصرة" إلى "صعبة الوصول" أو غير ذلك. وأؤكد بأن الدولة السورية تتعامل مع جميع السوريين انطلاقاً من دورها الوطني وسعيها لتلبية احتياجاتهم دون أي تمييز بينهم، كما أؤكد بأن جميع المناطق التي حرَّرتها الدولة من الإرهاب قد أصبحت مناطق محررة ومفتوحة ويمكن الوصول إليها من قبل الأمم المتحدة والشركاء في العمل الإنساني لتقديم الدعم الإنساني الحقيقي والمخلص للسوريين دون تمييز ودون أية قيود أو شروط. وتُصحِّح الجمهورية العربية السورية لمعدي التقرير مصطلحاتهم، وذلك بالتأكيد على أنه لا تزال في سورية مناطق محاصرة من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة التي تحاصر المدنيين من الداخل وتمنعهم من الخروج وتحول دون تلقيهم للمساعدات الإنسانية، كما هو الوضع على سبيل المثال في إدلب حالياً، حيث يوجد ملايين المدنيين المحاصرين من الداخل.
السيدة الرئيس،
لقد طرحت حكومة بلادي وطرحتُ أنا مع السيد لوكوك منذ توليه مهام منصبه الحاجة الماسة للتعامل مع الآثار السلبية للإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي تفرضها حكومات بعض الدول على الشعب السوري.. وبكل إيجابية وصراحة، فإننا لا نجد حتى هذه اللحظة مبرراً لإقحام قضايا عسكرية وسياسية في متن التقرير الشهري الخاص بالوضع الإنساني، بذريعة أنها تدخل ضمن ولاية قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، في حين يتم تجاهل الآثار السلبية الخطيرة لهذا الحصار الاقتصادي غير الشرعي المفروض على سورية، والذي يؤثر بشكلٍ مباشر على أنشطة الأمم المتحدة وعلى تلبية الاحتياجات الأساسية للسوريين.
إنني أدعو الأمانة العامة والسيد لوكوك إلى الانخراط بشكلٍ جدي مع الحكومة السورية من أجل الانتقال بالعمل الإنساني في سورية إلى مرحلةٍ جديدة بنَّاءة، تُسهم في إطلاق عملية إعادة الإعمار وجهود التنمية والتعافي، بعيداً عن الابتزاز الأمريكي – الغربي، وأقولها صراحةً، لقد حان الوقت كي تنأى الأمانة العامة بنفسها عن "الوثيقة السرية" التي تضمَّنت رؤية ووصايا وكيل الأمين العام السابق للشؤون السياسية "جيفري فيلتمان" حول القواعد الارشادية الناظمة للعمل الإنساني في سورية، وعن مقررات مؤتمر بروكسل التي ربطت المساهمة في إعادة الإعمار وجهود التنمية بشروطٍ سياسية تتناقض مع المبادئ الحقيقية للعمل الإنساني ومبدأ "عدم التخلف عن الركب" الذي يحكم العمل التنموي.
ختاماً، وتعقيباً على توصيات معالي الأمين العام، فإنني أُطمئِنه وأُطمئِنكم جميعاً أننا جادون في مسار العملية السياسية التي يقودها السوريون وحدهم دون تدخلٍ خارجي، كما أننا عازمون على إعادة الأمن والاستقرار وصون سيادة ووحدة وسلامة واستقلال أراضي الجمهورية العربية السورية، وضمان عودة كافة اللاجئين والمهجَّرين السوريين إلى مناطقهم وبيوتهم بكرامةٍ وأمان، ولهذا الغرض تمَّ مؤخراً إنشاء "الهيئة السورية لتنسيق عودة اللاجئين والمهجَّرين" بغية اتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال.
شكراً السيدة الرئيس.