التحديات كانت كبيرة رغم المساعدات الخارجية لإنجاز المعجزة الألمانية فقد كان هناك نقص حقيقي في القوة البشرية، فقد قُتل في الحرب العالمية الثانية 9 ملايين ألماني، منهم 3 مليون مدني. لنتخيل معا حجم الخسائر البشرية من خلال ما قاله موقع دي فيلت الألماني عن الاحصائية التي أكدت أن الحرب استمرت 2077 يوم، وبشكل أدق 49.842 ساعة و 16 دقيقة، وفي كُل ساعة من ساعات الحرب، كان يموت 1000 إنسان من بينهم 100 جندي ألماني. بعد الحرب، كان واضحا بالنسبة للألمان، أن ألمانيا بحاجة إلى تعويض هذه الخسائر البشريّة كي تنهض من جديد وفعلاً ففي عام 1955 عقدت ألمانيا اتفاقا مع إيطاليا يتيح لآلاف الإيطاليين بالقدوم إلى ألمانيا للعمل فيها، وهذه لم تكن إلا البداية فقد عقدت ألمانيا عدّة اتفاقية مع إسبانيا، والبرتغال، واليونان وحتى دول إسلامية مثل المغرب، تونس وتركيا حيث جاء منها وحدها 25000 ألف عامل حتَّى توّقف استقطاب العُمال الأجانب كان قد وصل إلى ألمانيا 14 مليون عامل زائر، أغلبهم عادوا، ولكن المؤسف أنه بالرغم من اعتراف شخصيات ألمانية بارزة بفضل هؤلاء على ألمانيا، إلا أن المختصة في شؤون الأجانب آيدان أوزوز تؤكد بأنه لم يهتم أحد بأمر انخراطهم في المجتمع، ولم يتم الاهتمام بتدريس اللغة الألمانية لهم ، وفي حديث مع بعض أحفاد هؤلاء المهاجرين نجدهم يتحدثون عن مدى صعوبة شراء دجاجة بالنسبة لأجدادهم، فقد كان بعضهم يضطر أن يقلّد الدجاجة كي يفهم البائع بأنهم يريدون شراء لحم دجاج. أحد الأوجه الأخرى لتعويض نقص العمالة كان ما يعرف ب "امرأة الأنقاض" التي أزالت الأنقاض في المدن الألمانية المدمرة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تعد جزءً ثابتا في أذهان ألمان كثيرين. يتوفر في العديد من المدن الكبرى في ألمانيا نصب تذكاري يرمز إلى شخصية أُطلق عليها اسم "امرأة الأنقاض". ويقال إن أعدادا كبيرة من هؤلاء النساء أقدمن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بكل حماس على إزالة الأنقاض في المدن المدمرة. وبمناسبة تدشين هذه النصب التذكارية لجأ السياسيون مرة بعد الأخرى إلى كلمات إشادة تشبه تلك التي استخدمها أيضا المستشار الألماني السابق هلموت كول عام 2005 في مدينة ميونيخ، فقد وصف كول نساء الأنقاض بأنهن "رمز لتصميم الألمان على البناء والبقاء على قيد الحياة". وأضاف: "يذكر النصب التذكاري بالعدد الكبير من النساء اللواتي تطوعن لإزالة أنقاض الحرب". ما بعد الحروب كما حصل في ألمانيا و اليابان تكمن عناصر القوة في الارادة الشعبية وحكم القرارات السياسية التي تلعب دورا في بناء الأمم والنهضة من جديد كطائر الفينيق
عبد الهادي صوفان