رغم فقدان مادة المازوت من معظم محطات الوقود، وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، اتخذت حكومة وائل الحلقي قراراً، برفع سعر ليتر المازوت إلى 35 ليرة، وإضافة ليرة أخرى أجرة توصيل، ليصبح سعر اللتر للمستهلك في محطات الوقود 36 ليرة، لتكون هذه الزيادة على سعر المازوت هي الرابعة منذ أيار 2012.
وبشكل مقتضب، ودونما توضيحات على الإطلاق، أو تحديد هدف معين، فاجأت الحكومة مواطنيها بقرار يمس حياتهم جميعاً، وكما في المرات السابقة، وكما فعلت الحكومات المتعاقبة، اختارت حكومة الحلقي ليل الخميس «الجمعة» الماضي لتطبيق القرار، وهذا يذكر بقرار اتخذته حكومة ناجي عطري وزادت فيه سعر اللتر من 7 إلى 25 ليرة عام 2008، وكان الأول من نوعه منذ سنوات، واختارت أيضاً يوماً مشابهاً.
القرار الذي أصدرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لكونها الجهة المعنية بهذا الخصوص، أكد معاون الوزير عماد الأصيل في تصريح لـ«الوطن» أن الوزارة مجرد جهة تنفيذية لإصدار الصك المتعلق بهذا القرار الذي أتى بناء على توجيهات رئاسة مجلس الوزراء، مشيراً إلى أن الإعداد لمثل هذه القرارات يكون بالتعاون بين مجلس الوزراء ووزارة النفط، لتبقى مهمة وزارة التجارة الداخلية إصدار القرار.
ونفى الأصيل أن يكون نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قدري جميل، رفض التوقيع على القرار، معتبراً أن القرار الذي صدر ممهوراً بتوقيعه (أي الأصيل) يأتي في إطار التراتبية الوظيفية من جهة، ولتفويض النائب جميل معاونه في التوقيع على القرارات من جهة ثانية.
وكان جميل في المرة السابقة التي اتخذت فيه الحكومة قراراً برفع سعر ليتر المازوت إلى 25 ليرة خارج البلاد، ووقع القرار معاونه عماد الأصيل، في حين كان جميل هذه المرة داخل البلاد ولم يوقع القرار، ما أثار الكثير من التساؤلات حول موقف جميل من القرار؟
واتخذت الحكومة قراراً في أيار 2012 رفعت بموجبه سعر ليتر المازوت من 15 ليرة إلى 20 ليرة، وفي شهر تموز رفعت السعر مرة ثانية من 20 ليرة إلى 23 ليرة، ورفعته من 23 إلى 25 ليرة منذ شهرين تقريباً، وكانت أول مرة ترفع فيه الحكومة سعر المازوت بعد سنوات من ثباته على 7 ليرات للتر في العام 2008 بمعدل تجاوز ثلاثة أضعاف ووصل سعر اللتر إلى 25 ليرة، وخفضته عام 2009 نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً إلى 20 ليرة، وفي أيار 2011 خفضته مرة ثانية ليستقر سعره على 15 ليرة للتر الواحد.
وليس المهم من أصدر القرار، القاضي برفع أسعار المازوت، وإنما تداعياته وموجبات إصداره، ومدى انعكاسه على المواطنين، ومدى قدرة الأجهزة الحكومية على توفير المادة للمواطنين بالسعر الرسمي، دون استغلالهم من تجار الأزمة وأصحاب محطات الوقود الذين يضربون عرض الحائط بكل التزاماتهم المتمثلة بتوزيع المادة حسب القوانين النافذة.
وأتى القرار في وقت تشتد فيه أزمة المحروقات، ومعظم مجالس المحافظات كانت منشغلة بتشكيل لجان توزيع المحروقات، والنائب الاقتصادي جميل يسوق لفكرة إشراك المجتمع الأهلي والفعاليات الشبابية في مراقبة توزيع المواد الأساسية، لوضع حد لمعاناة المواطنين، ليبرز السؤال: هل بهذه الطريقة سيتم تأمين المازوت لكل أسرة؟
ويباع ليتر المازوت فعلياً في دمشق وريفها ما بين 70 إلى 80 ليرة، والمادة المفقودة من كل محطات الوقود، متوافرة على كل الطرقات العامة، بالسعر المذكور أعلاه، الذي يؤمن تجار هذه المادة عبره فارقاً في السعر يصل إلى 50 ليرة في اللتر الواحد، ما جعل منظومة المتاجرين بهذه المادة تتزايد، ويصبح الاتجار بالمازوت فرصة لكل الراغبين بالإثراء السريع، أمام التراخي الحكومي، وعدم قدرة أجهزتها على ضبط عملية توزيع المازوت بالشكل المناسب. ويصل سعر ليتر المازوت عالميا، إلى نحو 80 ليرة، وهو ما يؤمن بيئة مناسبة وخصبة لتهريب المازوت، لكن بعد أن بات بيعه في السوق المحلية بهذا السعر وربما أكثر، بات الحديث عن التهريب، ضرباً من اللامعقول، إذ تحول المهربون من تهريب المادة إلى الخارج إلى بيعها بالسوق المحلية بسعر السوق العالمية.
ويزيد استهلاك سورية من المازوت عن 7.5 مليارات ليتر سنوياً (أي أن الرفع سيوفر 41 مليار ليرة سنوياً في أحسن الأحوال للخزينة على أساس أن الحكومة تستورة 55٪ للاستهلاك)، وخاصة أن المحافظات طلبت زيادة الكميات المخصصة لها في الشتاء الحالي، وتغيب الرؤية الحكومية الواضحة والموقف من رفع سعر المازوت، رغم أن الواضح في كل ما تتخذه من قرارات يؤكد أنها في وارد رفع أسعار المحروقات وتخفيف العبء عن كاهل الموازنة (الذي يصل فيها دعم المحروقات إلى 250 مليار ليرة العام الجاري) وتعتمد أسلوب الرفع التدريجي، إذ إنها في ثمانية أشهر رفعت سعر المازوت أكثر من مئة بالمئة، ما يؤكد أنها تسير وفق نهج حكومي سابق يهدف إلى رفع سعر المازوت إلى المستويات العالمية.
سورية الان – الوطن