..الوجــــود التــركـي الأردوغـاني في ســورية ومناوراتـه مـع الغـرب والشـرق
…أوروبا ذاتـــها بـــدأت ( تتمـــلمل من الوصـاية الأمريكــية ) وستتــجه شــــرقاً
..سيتـــحول الثــــقل التــاريخي ــ الاقتصادي ــ السياسي ــ القيمي ــ نحـو الشـرق
المحامي محمد محسن
في الحروب الكل يناور سعياً وراء تحقيق بعض المكاسب، لأن المناورات والتهديدات، والتهويلات، والحروب النفسية، هي جزء مكمل للحروب العسكرية، ولما كانت الحرب على سورية يشترك فيها الجميع، كان لابد وأن يستخدم الجميع المناورة، كل بحسب دوره ومصلحته، والدولة السورية محكوم عليها أن تتعامل مع الجميع، كل بحسب موقفه منها، العدو بالسلاح ويرد على المناورات بمثلها، مع أخذ الحذر من خلال الاحاطة بجميع الظروف المحيطة .
.
أما الصديق فلا نحتاج معه لمناورة لأن المعركة واحدة، ولا يجوز أن نلزمه دائماً بوجهة نظرنا، لأن لكل دولة أجهزتها وسياساتها، بل علينا البحث معه لتفعيل التحالف، من خلال الحوارات المستمرة على جميع الأصعدة، بهدف توظيف التعاون العسكري، والسياسي، والاقتصادي، بما فيه مصلحة التحالف، ولكن كان علينا أن ندرك أن هذه المعارك الاعلامية والنفسية، والمناورات السياسية، لابد وان ترخي بظلالها على الميدان العسكري، فتشتد المعارك أحياناً، وتبرد أحاييناً، وبخاصة بعد أن أصبحت الحرب في الهزيع الأخير.
.
لا أعتقد أن أردوغان المناور ستنطلي مناوراته على أحد، صديقاً كان أو عدواً، فكيف ستنطلي علينا أو على أصدقائنا الروس أو الإيرانيين، وهو الذي انتقل من مواقع المساهم الأول في الحرب، إلى من يحاول لملمة ما يمكن لملمته من ذيولها ؟؟؟، كما أننا نحن وأصدقاؤنا الروس والإيرانيين من البدهي أن نناور معه أيضاً لتقليل الخسائر، وللجم الخصومة قدر المستطاع، ولكل هذا مبرراته عندنا وعند غيرنا، لأن ما يمكن أخذه بالسياسة، أفضل من أخذه بالحرب، مع علمنا أن أردوغان لم يستدر بعد باتجاه الشرق، بل ترك الباب موارباً .
.
ولكن وحتى نقترب أكثر من الموضوعية، علينا أن نضع مناورات أردوغان هذا، في معرض التقليل من خسائره من هذه الحرب، التي كانت آماله وآمال فيلسوفه أحمد داؤود أوغلو صاحب ـــ نظرية التوجه شرقاً ، وأعداء صفر ـــ تناطح السحاب، وإذا بأردوغان وهو يحاول تحقيق بعض المكاسب بحسب زعمه، يحاول التقليل من الخسائر قدر المستطاع، فسورية التي كان واثقاً من أنها ستكون اخوانية، وأنها ستلبسه جبة السلطنة ـــ الخلافة ـــ في مسجد أمية الكبير، عندها سيصبح خليفة للمسلمين في قارة، ولكن كاد أن يسرق منه الصولجان كل من ـــ ابا بكر البغدادي الداعشي ـــ ومحمد بن سلمان الوهابي الأمريكي الصنع، ولكن سورية لعنت الجميع، وهزمت الوهابية والاخونجية، وأبقت على سورية عربية .
.
ولكن ونحن في لب المعركة لا يجوز أن ننسى أن الأتراك العثمانيين أعداؤنا التاريخيين، ( استعمروا أوطاننا، ” وصادروا عقولنا وأوقفوها عن العمل ” ) عبر أربعة قرون كاملة ـــ عصر الانحطاط ـــ وهم لايزالون يحتلون ارضنا (( (كليكيا ، ولواء الاسكندرون )، من نصيبين شرقاً إلى البحر الأبيض الأبيض المتوسط غرباً ))، وأردوغان هذا هو الذي استقبل المسلحين من كل دول الأرض، وأطعمهم، وسلحهم، وهيأ لهم الدخول الآمن إلى الأراضي السورية، ولا يزال يحتل أرضنا، عفرين وجوارها، وهو الآن يسلح ويدعم بعض الفصائل الارهابية الموالية له، في ادلب وجوارها .
.
…………فمــا هــي أهـــداف أردوغــان، وإلـى مــاذا يتطلع ؟؟
………………..توصــــيف للواقــــع والمستــــــقبل .
بكل دقة يعيش أردوغان حالة من الحيرة حد التقلقل، وعدم الاستقرار، فهو بات على قناعة أن التوجه غرباً لم يعد هدفاً ممكناً، أو حتى مفيداً، لأن أوروبا ذاتها بدأت تتململ من أمريكا، وهي الآن تدير نصف وجهها نحو الشرق، وأَقَرَّ بشكل قاطع أن مصلحته مع الشرق، اقتصادياً ـــ تجارة، وغاز ـــ مع روسيا، والصين، وايران، ولا تستغربوا مع سورية، لأن سورية ستكون المصب ـــ للغاز، والنفط، ـــ كما ستكون مفتاحاً للشرق، بوابة للمتوجه شرقاً، ونهاية الطريق للمتوجه غرباً على طريق الحرير، ـــ ـــ خطوط حديد، وقطارات سريعة، وطرق برية ــــ والكل له مصلحة مع سورية، ولسورية مصلحة مع الكل، وقيل قبل ما يزيد على ستين عاماً [ وعز الشرق أوله دمشق ] .
.
…………..مواقـــــــــف أردوغـــــــــان الحــــــــــائر ؟؟
…….هـو يستـخدم المنـاورة على أمريـكا، ومع أمريـكا في آن واحـد .
…….كــما ينــاور مــع روسيــا وعلــى روسيــا في آن واحـد أيضـاً .
.
فهو يخيف أمريكا من خلال توسعة علاقاته مع روسيا، وسعيه لشراء / س 400 /، كما يناور مع روسيا بتريثه بتنفيذ الصفقة ارضاءً لأمريكا، ، هو يناور محاولاً الكسب من الجهتين، وذلك من خلال السعي لتقديم تنازل هنا وتنازل هناك، فهو من جهة يخاف من أن تسحب أمريكا شركاتها، التي تسند الاقتصاد التركي، ويكون ضحية حربها الاقتصادية، المعلنة على الجميع أصدقاء وأعداء، لذلك يتريث في اعلان فك الارتباط معها، جاعلاً من علاقة أمريكا بالانفصاليين الأكراد، السبب المعلن لبعده عنها، ولكن كلما طال الزمن ضاقت عليه مساحة المناورة، لأنه مضطر للموازنة بين مصالحه مع الغرب الآفل، ومع الشرق الصاعد .
.
مهما حاول أردوغان الظهور بمظهر الرئيس القوي، أو بأي مظهر من المظاهر، هو مرتبك، وقلق، لأنه يمر بحالة من الاحباط غير مسبوقة، ( فوضعه الداخلي الشعبي والاقتصادي كلاهما يشيران إلى ذلك ) فهو فضلاً عن أنه لم يتمكن من تحقيق أي من أحلامه في حربه مع سورية ، هو أمام امتحان متعدد الاتجاهات، واستحقاقات ملحة، مطلوب منه اتخاذ قرارات تجاه كل موقف من هذه المواقف، وخلال فترة لم يعد الزمن فيها مفتوحاً :
[ من ينطلق من قناعة أن استعمار أرض الغير بالقوة في هذا الزمن لايزال ممكناً، لن يرى الصورة، ولا يمكن له أن يراها ] :
[ فواقع الدنيا قد تغير : فلم يعد النصر لمن يمتلك السلاح الأقوى، بل لمن يمتلك القدرة على تحمل نتائج الحرب ] .
.
من هنا ومن خلال هذه الحقيقة نطل على علاقتنا مع تركيا، فأردوغان أمام ثلاثة حالات متعارضة، ومتناقضة، وضاغطة عليه، ويحاول استغلالها للضغط على سورية أيضاً ، :
1 ـــ ادلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــب :
.
وهو يسلح الارهابيين ويحاول استثمارهم للضغط على سورية بشكل خاص، وعلى حلفائها على الأعم، سعياً وراء تحقيق بعض المكاسب السياسية، ولكنه وفي نفس الوقت له مصلحة كبرى في دفنهم في الأراضي السورية، حتى لا يفروا إلى أراضيه ، وهناك سيناله ما نالنا، وبخاصة أن السعودية ومن معها ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر، وهذا الموقف المتعارض جذرياً يمكن سحبه على الموقف الغربي ـــ الأمريكي أيضاً، فالكل يستثمر في الارهاب والكل له مصلحة في دماره وفي سورية ( تخيلوا ) .
.
لكن لا يجوز لأي قارئ للأحداث أن يعتقد أن الجيش العربي السوري سيترك ارهابياً واحداً على الأرض السورية، مهما كان، إذن تحرير ادلب يقع بين مد وجذر تماشياً مع تقليل الخسائر العسكرية والبشرية ، من جهة والتقليل من الخسائر السياسية في آن، مهما صرخت تركيا وغيرها .
.
2 ـــ مصير حزب الاخونج ( حزب الشيطان القاتل ) :
.
لايزال أردوغان يتاجر بهم مرحلياً، لقد كانوا بالنسبة له غنيمة، عندما كان يعتقد أنهم سَيُؤمَرون على البلاد والعباد في المنطقة كلها، من سورية حتى مصر، عندها يجلس خليفة على رأس التلة، ولكن وبعد أن فشل هذا الرهان سيستثمر بهم مرحلياً، ولكن وبعد مدة ليست بعيدة سيصبحون عليه عبئاً، عندها سيبيعهم في سوق النخاسة، وسيتراجع هو ذاته عن الكثير من معتقداته الدينية الشكلانية .
.
3ـــ الأكــــــــــــــــــــــــــراد مـــــــــــا وراء النــــــــــــهر :
.
على الأكراد أن يعرفوا أنهم ارتكبوا خطأً تاريخياً عندما منعوا الجيش العربي السوري من التواجد على حدود مدينة عفرين الشمالية، لأن ذلك كان سيمنع الأتراك من دخولها، ولكن الروح الانفصالية، والحلم التاريخي سيطرا على القرار، فَدُمرت عفرين وجوارها وسمحوا للجيش التركي بالدخول إلى الأراضي السورية، نأمل أن يكونوا قد أخذوا دروساً مما سبق .
وعليهم أن يدركوا أن عداءهم مع الدول الأربع التي يعيشون بها بات جدياً ونهائياً، وأن حلمهم بالانفصال أصبح عبثاً، فلم يعد ممكناً النفاذ من الخلافات البينية التي كانت تحدث بين الدول الأربع، هذه واحدة .
.
الثانية لا يمكن أن يكونوا على وفاق مع تركيا أبداً بسبب أطماعهم الانفصالية، لذلك ستكون تركيا مضطرة للتعامل مع سورية، لتقوم بمهمة كبح جماح قوتهم في سورية، ومنعهم من الحصول على أي كانتون وتحت أي اسم، وأن الجيش العربي السوري وحده الكفيل بمنع الأكراد من التسلل إلى الأراضي التركية من خلال تواجده على الحدود، وبهذه مصلحة تركية أيضاً، لأن تركيا لا يمكن أن تنهض بحماية المنطقة العازلة الطويلة جداً، والتي سيكون الجنود الأتراك المنتشرين على طول الحدود أهدافاً سهلة للانفصاليين الأكراد .
.
الثالثة عليهم أن يثقوا ثقة مطلقة أن أمريكا لن تبقى في حمايتهم إلى الأبد، فهي سترحل بعد العملية الثالثة للمقاومة العربية التي سيولدها الواقع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل من يعتقد ان تركيا ستبقى على أراضينا هو واهم، لأن احتلال الأراضي في هذا العصر بات من المستحيلات كما قلنا سابقاً، وكذلك أمريكا وكل حلفائها، فبقاءهم يمكن وضعه في خانة المناورات التي قد تطول، لتقليل خسارة المعسكر، لا من أجل تحقيق الأرباح فلا أرباح لهم بعد اليوم .
.
وادلب ستتحرر مع محاولة تقليل أعداد الفارين إلى تركيا، وهذا هدف تركي غربي في آن .
.
أما أكراد شرق النهر، فسيلعنون حظوظهم بعد خروج القوات الغربية التي لن يطول ويصبحون أيتاماً، حتى القبائل العربية ستهب في وجوههم بعد أن يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فلعل كفة عقلائهم ترجح ؟؟.