د.نعمه العبادي- العراق
يعتزم البنك المركزي العراقي اصدار عملة نقدية جديدة بفئة (٢٠٠٠٠) دينارا، ويأتي هذا الاجراء في سياق غريب وملفت للإنتباه، ولأن الموضوع يتصل بالاقتصاد والمال فإنه يستحق نقاشا موضوعيا يقيم الخطوة، ويقرأ معطياتها وتداعياتها، وهو ما نحاول عرضه بشكل موجز وفق الآتي:
١- يوجد ترابط وثيق بين السياسات (الاقتصادية والمالية والنقدية) ويؤثر بعضها على البعض الآخر، كما ان اي اصلاح او تطوير لاي سياسة من تلك السياسات الثلاثة، لا بد ان يؤخذ بعين الاعتبار السياستين الاخريين، ويجمع معظم المختصين على وجود خلل في واقع العلاقة بين هذه السياسات في العراق، والذي أثر ويؤثر (سلبا) على مجمل الفعاليات الاقتصادية، بل هو السبب الاهم وراء الكثير من المشاكل التي يعانيها اقتصادنا.
٢- تصدر الفئات النقدية الجديدة لأسباب معروفة ومتبانى عليها في المنظور الاقتصادي العالمي، إذ يتم اصدار فئات نقدية (أكبر) من الفئات المتداولة في حالة التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للعملة، وفئات نقدية (أصغر) من المتداولة في حالة تعافي الاقتصاد وزيادة القوة الشرائية للعملة وفي غالب الاحيان يتم هذا الاجراء من خلال إلغاء الفئات الكبيرة المتداولة او حذف الاصفار، او يتم الاصدار من اجل سد نقص مؤثر في آلية التعامل في السوق لوجود (طفرة) ملحوظة بين فئتين نقديتين، فمثلا تكون الفئات المتداولة في السوق من فئتي (١ دينار) و (٢٥ دينار)، إذ تظهر الفجوة كبيرة بين الفئتين، ويسبب نقص الفئات المتوسطة بين الفئتين مشاكل وتداعيات سلبية في التعامل وانسابية السوق.
٣- من الواضح ان اصدار الفئة الجديدة (٢٠٠٠٠) دينارا، لم يكن معالجة لحالة تضخم يمر بها السوق، فالعراق ولله الحمد لا يعاني تضخما كبيرا، والقوة الشرائية للدينار ثابتة نسبيا، كما، ان الاقتصاد والقوة الشرائية للدينار لم تتغير بالصورة التي تتطلب اصدارا جديدا، وعلى تقدير احدى الصورتين فإن هذه الفئة المقترحة ليست الفئة التي يجب ان تطرح لمعالجة الموضوع.
٤- لا يبقى من الاسباب إلا السبب الثالث الذي يقتضي ان تكون العملة الجديدة سدا لفراغ نقدي وتسهيلا للمعاملات، وعندما نلقي نظرة على تراتبية الفئات النقدية المتداولة في السوق العراقية: (250-500-1000-5000-10000-25000-50000) دينارا، نجدها متقاربة بشكل موضوعي، ومتناسبة مع طبيعة الحاجات في السوق الرخيصة والغالية منها، كما ان تلك الفئات معهودة ومحفوظة ومألوفة للعراقيين في التعامل، ويجدون سهولة في التسديد والقبض من خلالها، ولا توجد اي مشكلة نقدية في المنطقة ما بين (10000) دينار و ال (25000) دينار، تقتضي معالجة من خلال اصدار فئة نقدية جديدة.
٥- بعد ان ظهر واضحا عدم وجود مسوغ اقتصادي او مالي او نقدي لهذه الفئة المقترحة، يحق لنا التساؤل عن جدوى هذا الاصدار الجديد، والكلفة المالية التي ستنفق من اجله، والداعي الملح والمهم الذي دفع البنك للحديث عن هذا الاصدار الغريب وغير المعهود في هذا الظرف..!!
٦- اتمنى ان يفتح الموضوع نقاشا مختصا يعمق الافكار ويكشف الملابسات ويضعنا في حقيقة هذه الخطوة الغريبة.