( 1 )
قصة : محمد عزوز
شعرت بالقرف في البداية ، وكدت أتقيأ وأنا أراها سوداء قبيحة ، أصغر من أن تكون موضع اهتمام ، تزحف صوب مائدتي المتواضعة التي تعودت أن أتناولها فوق حصيرة فرشت أرض الغرفة بها ، مستعملاً طبقاً من القش ، أصرت والدتي أن أصطحبه معي يوم غادرتهم في آخر إجازة لي .
تناولت عود ثقاب ، دفعتها بطرفه بقوة ، فابتعدت ثم دارت عدة دورات وعادت تزحف من جديد نحو المائدة ، وأنا أراقبها محاولاً أن أبتلع لقمة أنهيت مضغها دون جدوى ، فلقد كان منظرها المقرف يحول بيني وبين ابتلاع اللقمة .
دفعتها ثانية ، فابتعدت منقلبة على ظهرها ، وأخذت تقوم بحركات سريعة محاولة أن تستعيد وضعها الطبيعي ، مضت دقائق وأنا أراقبها ، وهي تضاعف جهدها دون فائدة .
أشفقت عليها في النهاية وأنا أتساءل :
– لماذا لا أتركها تذهب في حال سبيلها ؟ فقد لا يكون مقصدها المائدة ..
دنوت منها ، وأعدتها بعود الثقاب إلى وضعها الطبيعي ، فاتجهت صوب المائدة من جديد بسرعة أكبر ، تعمدت أن أتركها لأعرف مقصدها ، بعد أن توقفتُ عن تناول الطعام ، ورأيتها تقترب أكثر ، تصل إلى حواف الوعاء ، لم أعد أطيق صبراً فأعدت دفعها ، لكنها أصرت إلا أن تعود ثالثة .
قلت لنفسي مشفقاً :
– لعلها جائعة ..
ثم قررت أن أضع لها في طريقها بملعقة طعامي ما يكفيها ويزيد ، لم أتردد ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما رأيتها تتجاوز حصتها وكأنها لم ترها ، رغم مرورها على حوافها ، وتابعت زحفها صوب المائدة ، قلت :
– ربما لم تنتبه فعلاً ..
فأعدت دفعها من جديد ، مقرباً إياها من موضع الحصة ، لكنها لم تكترث بها .
تركتها تتابع زحفها ، لأرى ما تنوي أن تفعله ..
وقفتْ على حافة الوعاء ، ثم انزلقت بسهولة إلى أطراف الطعام فيه ، نسيتُ قبحها وما يمكن أن تفعله في الوعاء ، وأخذتُ أراقبها ، لم تحاول أن تأكل شيئاً ، بل أخذت تقوم بحركات غريبة ، ثم عادت من حيث أتت ، بعد أن تركت مكانها بقعة سوداء صغيرة ذات رائحة كريهة ..
جن جنوني ، وقد اتضحت لي غايتها من كل هذا التحدي ، فنهضتُ وانتعلتُ حذائي ، ثم ضغطت بكل قوتي على جسدها الصغير ، فلم أر لها أي أثر لا على أرض الغرفة ، ولا في أسفل الحذاء ، فلقد سحقها الغضب حتى أزال كل أثر لها .
عدتُ إلى مائدتي ، حملتُ الوعاء المدنس إلى كيس القمامة ، ثم سكبت لنفسي حصة أخرى في وعاء جديد ، وأنا أحاول أن أبعد عن ذاكرتي منظرها المقرف وهي تزحف صوب طعامي بتحدٍ سافر .
دمشق 1982
من مجموعتي القصصية الأولى ( ويبدأ الهمس ) دار معد – دمشق 1995