أحمد يوسف داود
غادرْ فما في العُمرِ مُتَّسعٌ لتَبقى..
كلُّ خابِيَةٍ تقولُ: (فرَغْتُ)!..
لاتَمدُدْ يدَيكَ لِتُمسِكَ الأمَلَ الأخيرَ
فلم يَكنْ أبَداً سِوى زَبَدٍ..
وضاقَ بِكَ انتِظارُك فيهِ أَكثرْ!.
ماكانَ قلبُكَ عابرَ النَّدمِ الطّويلِ..
ولم يكنْ يَلْهو بوَعدٍ:
حينَ تَفرَغُ كأسُهُ وتَميلُ عاثِرةً
يُداعِبُها ويرميها..
وأحياناً يُنادِمُها على أملٍ ويَسهَرْ!.
لامُعجِزاتٌ في رُؤاكَ..
فكيفَ تَولدُ من رَمادِكَ في الحَريقِ
حَديقَةٌ بسَلامِ خُضرتِها؟!..
كأنكَ لَستَ متَّهَماً بتَأويلِ الرَّمادِ
على هَواكَ ولو تَبَعثرْ!.
ماكُنتَ تَطلُبُ غَيرَ هَمسِ تَحيّةٍ
لتَرى حَياتَكَ لاتُمزِّقُها أكاذيبُ الحِيادِ..
أما غَدَوتَ الآنَ يُضنيكَ التّأمُّل
في الغُبارِ والانتِظارِ
لعَلَّ شَيئاً في جَحيمِكَ قد تَغيَّرْ؟!.
لاتكتَرِثْ مافي الأنينِ سِوى فََواتِحِهِ
تَطوفُ على الشّواهدِ..
والقُبورُ تَقولُ للأرضِ: اكتَفَيتُ منَ العَويلِ..
فمَن يُناديني كأنّي أستَغيثُ فلا أُغاثُ؟!..
أما تعثّرَ منْ رُؤاهم ما تَعثَّرْ؟!.
كنْ شاهِداً واترُكْ وداعَتَك النّبيلَةَ ثُمّ غادِرْ..
ليس قلبُكَ في المَزادِ على رَصيفٍ
لستَ عابِرَ أُحجِياتِ العابِثينَ
ولست في دَبَقِ المَخازي عالِقاً..
فاتْرُكْ سِواكَ يَذُقْ منَ الكَأسِ المُذِلَّةِ
ماتَيسَّرْ!.