بقلم :الفنان والباحث التشكيلي حسين صقور
لقد سعيت رغم كل العراقيل التي واجهتني لربط النشاطات والمعارض التشكيلية بندوات لاعتقادي الجازم بان الفنانين القائمين على الفن هم المسؤولين عن تلك الفجوة ما بينهم وبين المتلقي وكان ذاك الاتهام بنخبوية الفن التشكيلي قد راق لهم وضعهم ضمن إطار المتميزين وكان عليهم ان يدركوا ان عدم المواكبة وقلة جمهور التشكيليين ستؤدي لاختلاط الحابل بالنابل في مضمار العرض التشكيلي باعتبار ثقافة الجمهور ستسهم في فرز المواهب والحد من انجرار المواهب المتواضعة الساعية لطرق ملتوية تنم عن استسهال وتفتقد للطموح والحب الحقيقي … معايير الابداع لا يمكن استيعابها دون مواكبة تطور التشكيل منذ عصر النهضة وقبل وإلى الآن وهذا سبب من اسباب سعيي لنشاطات متكاملة عبر ندوات وفي هذا المعرض الذي اقامته جمعية العاديات بالتعاون مع مكتب المعارض وبرعاية الاتحاد العام للفنانين في صالة الاتحاد بتاريخ19-3-2022 والذي ترافق مع ندوات حوارية قدمتها حول الفنان الراحل وحول السيدة ليلى نصير الفنانة الام كان لزاما علي ان امر على مشاركات الفنانين الذين لبو الدعوة من كافة المحافظات وحضر بعضهم من اماكن بعيدة رغم كل العرافيل والصعوبات وأبدا ب التعبيرية والتعبيرية التجريدية والتجارب الحداثية 1- محمد ديوب .. طيور مهاجرة وعيون حائرة .. بحس مائي شفاف وبدرجات البني المحروق تتراءى ملامح الشخوص والوجوه المتماهية مع الاثر الباقي والمتبقي من فجر يوم تتطاير أوراق الخريف فيه وتتشابه مع طيور مهاجرة وعيون حائرة لم تعد تبصر الطريق وصار الحدس رفيقا وصديق هي لوحة محمد ديوب بحس احادية ونكهة تعبيرية لا تشوشها كذبة الألوان وتؤكد عبر ذاك الحس العفوي والتلقائي أن مبدعها شاعر وفنان 2- سوسن حاج ابراهيم .. كنت أتساءل دوما عن سر ذاك الحضور الخجول للأنثى ضمن الحركة التشكيلية السورية … وكان الجواب حاضراً يومض ليحفزني ثم يمضي مكسور الجناح وحيداً يواجه قدره والرياح وقد وجدني غير آبه تشغلني أنانيتي والحياة ويبدو ان تأخري هذا كان محكوماً بمحدودية العلاقات فمهما ادعيت لن تجد في مجتمعك العربي السبيل سهلا لسبر الأغوار واستكشاف ذات لم تعد تتحكم بالقرار وستعزي نفسك حين تقول أن أجمل ما في الأنثى هو مالم أعرفه عنها بعد هو ذاك الجانب الغامض المجهول وهو سر قوتها وعلانية عفتها والحقيقة أن كبريائها الجامح هذا يخفي خلفه هشاشة ورغبات مستترة … 3- – سوسن الحاج تعلم جيداً أن اللوحة ليست مكاناً للتفريغ فحسب كونها تقتنص اللحظات الأكثر صدقاً والأكثر تعبيراً و جمالاً ضمن عوالم الذات ليتشكل في بعض أعمالها الموحية ومن خلال ملامح الوجوه مفهوم أخر للجمال ينبض بتعابير لها إسقاطاتها ( جمال البشاعة ) أما أعمالها بالمجمل فهي تحمل ذاك النفس التعبيري التجريدي وبحس انفلاتي يوزع الألوان وفق ايقاع داخلي يرفض أي حصار … اللوحة عندها مكان للعب يوحي باللامبالاة ويعكس سلاسة تلك الانتقالات وفق تراتبية تناوبية ما بين الدسامة والشفافية ما بين الخط واللون والحف برؤوس حادة وأحيانا ترسم بأصابعها بحثاً عن نسيج خاص لعملها 4- محيي الحمصي … يوزع اشكاله ورموزه على السطح مستعينا بالأبيض الجامع لمفرداته والكاشف والحاذف الحيادي والأكثر قدرة على الاحتواء و يتراءى لي ذاك التكنيك الأقرب لزخ وسيل يخلق تلك الروح الأحادية والشفافة في مراحل متقدمة من بعض أعماله لتتبدى تلك الولادة المتكاملة لها وقد يترك بعضاً من أعماله لقيمتها اللحظية مؤكداً على القيمة الأولية لذاك الامتداد الشفاف بمواجهة السطح 5- مازن غانم : يمتطي صهوة حصانه المجنح والخيال ويواصل رحلته في عوالم الجمال يواصل رشق دهشته في عيون متلق حائر ويمضي في حكايته بروح مثابر صابر وهو يؤكد على رغبته العارمة في الكشف والاستكشاف باحثا عن مبررات لأشكاله في حدود الوعي المنظم إذ يستند لخياله الجامح السباق من جهة ولوعيه بطبيعة المادة المستخدمة (مائياته ) من جهة أخرى لتصير الصدفة المدروسة طريقه وطريقته في خوض غمار لوحته 6- نضال شعبان : تنقل نضال شعبان ما بين تجربتين عكست الاولى مفهوما حداثيا للعمل التشكيلي عبر ما تمتعت به من تلخيص وتخليص العمل من شوائب الفكرة والموضوع ليصير التركيز على لمسات الفرشات العريضة عبر غنائية غنية بإيقاعها التواصلي الذي يمنح القيمة لذاك الاثر الذي تحدثه الشعيرات لتغطي كامل السطح بقيمة احادية للون الوحيد بينما يضيء اللون المتمم والمكمل في مكان ما في احدى زوايا العمل ليعطي لعمله تلك القيمة الاستثنائية التي تعكس شجاعة وجرأة فنية عودتي لتجربته الاولى هذه لأبرر له نقلته الثانية واكشف عن الخيط الذي يربط بين اثرين اثر شعيرات الفرشاة في الاولى وأثر الحف والسكين في تجربته التالية اما مشاركته هنا فكانت عبر تجربته الاخيرة تلك والتي لم تأخذ حقها من العرض لأسباب عديدة بعض الاجوبة حاضر ضمن تخميناتنا و غالبيتها غائبة في سر الفنان الانسان الطيب والخلوق نضال شعبان … وهنا اشير لسر النضج المبكر لتجربته والمرتبط بطبعه وطبيعته الواعية لقيمة الفن والغاية منه بعيدا عن الشللية والتكتلات الساقطة في مستنقع البحث عن اضواء خادعة للذات نضال شعبان يعمل بذاته ولذاته تعنيه لحظات المتعة التي يعيشها مع العمل ويترك نتاجه المتراكم ليوم ينصفه في تلك الحياة فد… يتركه للامل شمله تقاعد الاتحاد وقد سعيت بجهد لاجل هذا لانه يستحق رموز تراثية معتز العمري .. ترقى أعماله بقدر ما تظهره من تمكن ورؤيا أكثر توازنا ونضجاً وقدرة على استحضار الرموز وإغناء العمل بكليته وبكل ما تعنيه تلك الكلمة من معنى وتتجلى قدرته على الاشتقاقات اللونية حين يصير للظلال الملونة ظلال حرة وحين تتوالد الأشكال بكثرة عبر تقنية تغطية الفراغ .. وإن بدا ذاك الأثر الزخرفي في لوحاته فتلك ميزة وليست اتهام كونه استطاع عبر تقنيته المتبعة من تحرير الزخرفة من مفهومها العقلاني وإدخالها في عوالمه الحسية والأكثر حرية … محمد الركوعي : تقودنا خطوط الفنان محمد الركوعي لرموز وأشكال لها دلالاتها الواضحة والأكثر فهما وشعبية وتلك سمة مطلوبة وأساسية في فن ملتزم يسعى لإيصال رسالته السياسية الهادفة للجميع ويخشى على فكرته أن تضيع فبيت المقدس حاضر دوما في الذاكرة والحمائم تحلم بفرش جناحيها وعيون أنثاه الشاخصة مكحلة بالأمل وشعرها المسافر يمهد الطريق ويستنجد بالنخوة العربية وبألف صديق وصديق الحصان الجامح سوف ينطلق ودربه ممهد بذكريات تراثية الشال والزي والشملة الفلسطينية شمس الأمل والعمل بخطوط زخرفية هكذا هي لوحة الركوعي المشبعة بالرموز وهي عبر تداخلاتها الهندسية وميوله الخطية تمتلك الخصوصية اسلوب قصصي – كائد حيدر : يسرد كائد حيدر حكايا الف ليلة وليله وهو يطرحها بمفهوم ايضاحي يلخص ويبسط باسلوب كرتوني يتحسس لأثر الفرشاة على السطح والامتدادات الشفافة للون خالد الحجار : لخالد الحجار نمط خاص يسعى من خلاله للتعبير عن افكاره وعلاقاته المجتمعية وتكمن الجرأة في القدرة على فرض اشكال لها طابع كرتوني ولكنها امتلكت قيمتها بقدرتها على نقل عوالم فنان فريد ومخالف وعكس علاقاته المجتمعية البورترية – زهير قشعور : تلوح رغبات الجنوح في انطباعاته المستندة لخبرة أكاديمية قادرة على تقصي الضوء وانعكاساته حين تنحى لمساته التفصيليه لرؤى تجريدية رغم إخلاصه لواقعية و للمشهد المرئي في لوحته هذا ما كشفت عنه ريشته التواقة لتقصي أسرار اللون وللولوج في تفاصيل تنشد المثالية والكمال في هذا الكون – رنا عثمان : ربما اتاحت لنا تكنولوجيا المعلوماتية والمعلومات عقلنة المشاعر والانفعالات ولكن يبقى السر حين يضفي الفنان نفسه وأنفاسه حينها لن توجهه أدواته للتشابهات وسينقش حروف خصوصيته في تكنولوجيا المعلومات هذا ما اتصوره في الرحلة اللاحقة لرنا عثمان – طلال علي : يبدو أن أثر فان غوغ و التعبيرية الانطباعية للطبيعة لازال ممتدا عبر عشاق تلك الأسلوبية التي اكتفت بتلخيص اللمسات والخطوط المشحونة بجملة انفعالات دون الولوج في لعبة الشكل سوى عند قلة قليلة سعت لتطوير تلك الأسلوبية وربطها بالخصوصية وهي عند طلال علي لازالت مخلصة لذاك التبسيط والاختزال الذي يكاد يقرر انتهاء العمل فور المباشرة بالدخول به ولأجد مبررات سوى الحاجة التي تعطي للخط شكلا يشبه صاحبه انطباعية حديثة – ربي قرقوط : يبدو البورتريه ركيزتها الاساسية وهو يعكس لاحة السحنة الافريقية المشتقة من الاسود المخمر بحمرة خجوله هي تلخص خياراتها اللونية بلونين يتكاملان في اطار عملها حين تتعامل مع لون اساسي ومشتقاته وتتضيء عبر الاخر المكمل في الخلفية وهذا يجعل رؤاها اكثر وضوحا ونقاءا الطبيعة بحس انطباعي – الواقعية الانطباعية : رمضان النزهان : لازالت الطبيعة تناديه ليعالجها بسحر اللمسات الانطباعية والانعكاسات الأخاذة للون على سطح الماء وكأنها لم تشبع من معالجات من سبقوه وربما وجدت في لمساته اختلافا عمن جاوروه فألوانه النظيفة والنضرة لا توهجها في عيون الفجر سوى اياد متمكنة ومقتدرة هكذا هو رمضان النزهان يلخص لوحته ببريق الالوان ويختصرها الى لونين لا اكثر لون الخريف الارجواني الخامد والمشتعل ولون السماء والبحر الازرق يعانق ضياء الفجر ليكتمل انطباعية تعبيرية : سامر الصعيدي : يعالج سامر الصعيدي الطبيعة والورود بحس انطباعي يعطي لعجينة اللون قيمتها سواء عبر السكين او الفرشاة وعبر الوان خام صريحة وواضحة اذ يزرع الارض المتحدة بالأفق الأزرق والسماء بالأمل وبورود والوان متممة تشع ضياء الأرابيسك والحس الزخرفي فريد شنكان : يبقى ذاك الأثر الزخرفي حاضرا في أعمال فريد شانكان الذي اشتغل لفترة طويلة بتزيين الأسقف والجدران عبر تصاميم زخرفية خاصة وعبر العجمي والنافر احيانا وقد قدم عمله رأس حصان عبر خطوط على خلفيات زرقاء وهو في مجمل اعماله يستحضر رموز تراثية ويقدمها بأسلوب تطبيقي تزيني متأثرا بفن الأرابيسك النحت 1- مهند علاء الدين : ما بين الروليف والعمل المجسم قدم منحوتته بورتريه تعبيري بحس قادر على التقنين والاقلال من التدخلات عبر الكشف والاستكشاف لتناديه جذوع تحتاج لمخلص ينحت بصماته بمقبض ساحر 2- زهير خليفة : هناك علاقة مابين الكتلة والفراغ ترسمها حركة انحناء كاملة الاستدارة لراقصة البالية ليخدم من خلالها مفهوم الرشاقة حين يصير للفراغ شكل ترسمه الكتلة وتتلاشى معه 3- حسن محمد : أجمل ما يمكن ان تقوله اعماله هو أنه يكمل ما تقوله الطبيعة حين تخدش مسننات منشاره السطوح لتكمل تضاريس الطبيعة في لحاء الأشجار وتنقش مسارا وايقاعا للأخاديد والخطوط على الأحجار اما عمله المقدم فهو استثناء في قدرته على التأكيد على جمالية الالتواء وتلخيص الحركة في أجمل زواياها التي تؤكد على فهمه ومفهوم متطور للعمل الفني القادر على استيعاب الكل في جزء وتلخيص الجمال في حركة وعلاقة لا يشوشها التكرار فالخلاصة في الزبد وخير الكلام ماقل ودل 4 -علي حسين : للأنثى حضورها المميز في اعمال علي حسين النحتية اضافة لإيقاع الحركة التواصلي ورغم ان غالبية أعماله تحافظ علة ذاك القطع الشاقولي لجذوع الاشجار إلا أنه يغني ذاك القطع برؤى تغني وتوسم أعماله بالتعددية وكأني أراه لازال يدور حول اعماله ليكمل ايقاع تلك الانحناءات بما يحقق لها ذاك التوازن الحسي المدروس الذي يشعره بحالة الرضى والاستقرار واختم بالتعقيب على مشاركتي كفنان وعبر لوحتي المشاركة حسين صقور الفينيق … تتجلى تأثيرات الفينيق بكل ما تحمله تلك الكلمة من دلالات مرتبطة بجذوره المنتمية للحضارة الفينيقية من جهة وبطائر الفينيق من جهة اخرى فهو يتواصل مع الذاكرة البعيدة تلك التي يتحد فيها مع الكون عبر طقوس صلاة خاصة ليقدم تلك التأثيرات اللونية المشتقة من اللون الارجواني المرتبط بالحضارة الفينيقية وبطائر العنقاء الاسطوري وليقدم من جهة اخرى تكوينات خاصة من خلال لعبة الشكل المستند للأنثى كأكثر الاشكال مرونة قدرة على التحول عبر التحليل والتبسيط واعادة التشكيل … تتوالد الرموز ويصير موضوعه هذا مكانا لتعبيرات غير مباشر له اسقاطاتها على الواقع المعاش بكل ما تحمله من مضامين تحمل اعماله ذاك النفس الخاص عبر وحشية الالوان وتعبيرية الشكل والايقاع المترابط للخط المشكل لتكويناته الخاصة في النهاية اقدم الشكر لجميع الفنانين الذين لبو الدعوة وللقائمين على جمعية العاديات وللقائمين على الفن في الاتحاد وفروعه وعلى المحبة نلتقي