قراءة سليمان جمعة
ل نص
الكاتب زكريا صبح Zakaria Sobh
————————————————————–
وقعت عيناي في عينيه فعلمتُ أنني منهزم، حلبة الصراع واسعة اتساع ميدان كبير في قلب العاصمة، والجمهور اجتمع في لحظة ليس فقط ليروا ما حدث بل من أجل أن يزيحوا سيارتين هامدتين في نهر الطريق، كان لا بد أن أبدي لهم من القوة ما يردعهم عن محاولتهم سحب السيارتين من مكان الحادث، لكن سرعان ما استجبتُ.
كانت عيناه زائغتين، ويداه ترتعشان، وأنفاسه تتلاحق كمن يعدو في سباق طويل، كادت الدمعات تفرُّ من عينيه، ليس لأنني مُصِرٌّ على استدعاء الشرطة بل لأن ركاب حافلته غادروها دونما دفع الأجرة، كنت أصطنع اتصالي بالشرطة، وأنا أتمتم بكلمات غاضبة، كلما وقعت عيناي على أثر الاصطدام أقول في نفسي: «الحمد لله».
ربما اطمأن قليلًا واستعاد توازنه، وبدأ في استيعاب ما فعل، هل كان يتذكر كيف كان مندفعًا حتى إنه دفع سيارتي مرغمة مسافة كبيرة، كدتُ من الصدمة أن ارتطم بزجاج السيارة.
هل كان يلوم نفسه قائلًا: لماذا انشغلتُ عن الطريق بعدِّ النقود، لماذا خانتني مهارتي.
لم أمنحه فرصة للهرب، وضعت سيارتي أمام سيارته، وتصنعتُ الغضب، كنت أنظر إلى ما جرى ثم أنظر إليه كمن يلوم قاتلًا على القتل، عندما اقتربتُ منه عاد خطوة للخلف، هل كنت شرسًا إلى حدِّ أن يخافني؟ بعد واسطة أهل الخير، حكموا أن يركب إلى جواري ونذهب معًا إلى (السمكري) ربما أصلح ما أفسدته رعونة هذا الذي إلى جواري.
ظل يكرر كلمات الأسف والاعتذار، كاد يبكي وهو يقول لي: والله ما كان قصدي يا باشا.
يصمت برهة وهو يقلب في هاتفه ثم يضغط زر الاتصال، لا يأتيه سوى صافرة رفيعة تؤكد أن الآخر لن يرد، يعود إليَّ شارحًا الطريق: يمين، شمال، يمين تاني، دخلنا حارة في إثر حارة، شعرتُ أنني لن أستطيع الخروج ثانية، رنَّ هاتفه، ردَّ في جزء من الثانية.
كان يستمع مضطربًا.
– الواد ماله؟
يسمع للطرف الآخر.
– طيب بسرعة انزلي على المستشفى.
يستمع للطرف الآخر.
– لا مش هاجي، أنا عملت حادثة وعربية الراجل اتبهدلت.
– يصمت لحظة.
– أنا معاه في عربيته رايح أشوف حد يصلحها.
– يستمع في عصبية.
– لا مش معايَ زفت فلوس، حتى أجرة الدور راحت عليا.
– ينصت في هدوء.
– لا مش بيرد عليَّ من ساعة ما عرف إني عملت الحادثة.
أغلق الهاتف وراح يتلفت حوله، لمحت في عينيه دموعًا تأبى الانهمار.
لستُ أدري كيف قلتُ له: أنا آسف.
عاد ينظر إليَّ في عجب غير مصدق نفسه.
– أعدتُ عليه ما قلتُ، أنا آسف والله أن بهدلتك معايَ.
– ردَّ في سخرية: مين بس اللي بهدل مين؟
دي عربيتك ادَّمَّرت.
استعدت جديتي كأن إبرة وخزتني، سحبتُ أسفي واعتذاري عندما تذكرتُ كلَّ حديث اللوم الذي سأجده عندما أحكي للناس الحكاية.
كيف سأجيبهم عندما يقولون لي: وعملت إيه مع البني آدم اللي بهدل لك عربيتك؟
– هل أقول لهم إني اعتذرت له؟
وكيف سيفهمون أنني عقدت العزم على منحه مبلغًا كي يذهب إلى ابنه المريض.
– عدتُ نحوه غاضبًا وانفلتت مني كلمات غاضبة.
– أنا آسف يا برنس لازم تصلح لي العربية، لازم تتصرف.
نظر إليَّ كمن ينظر إلى مجنون.
– حاضر يا حاج هاتصرف.
قالها وهو يبكي بحرقة، وضع وجهه بين يديه مداريًا ضعفه، كان فتقًا صغيرًا في قميصه ظهر من خلاله جسده جعلني أشفق عليه، أصابتني نهنهته بزلزلة، وبكيتُ له.
اهرب.
هل كانت أمنية تنقذني من معاقبته، أم كان حلمًا يخرجني من هذه الورطة أم كانت كلمة ترددت في جنبات سيارتي؟
لستُ أدري هل قلتُها أنا أم قالها ملاك الرحمة الذي توسط بيننا، رفع الرجل رأسه يستوعب ما سمع، ثم قال لا أنا ما أهربش يا بيه.
ثم عقب قائلًا لحظة: واحدة أشوف الورشة فين بالضبط وأرجعلك.
نزل يسحب قدميه بصعوبة رغم فتوته البادية، مضى يتلفت كلص يخاف القبض عليه، كان نحيفًا إلى حدٍّ ما، لو أطلق لساقيه العنان ما لحقتُه، لو رفض أن يدفع جزاء ما فعل لن أستطيع مصارعته.
كالمنوم مغناطيسيًّا تركتُه يغادرني، وقف هناك أمامي وسط الكعكة الحجرية، مشيرًا إلي بالانتظار.
ابتسمتُ في نفسي، تغافلتُ عنه بالنظر في هاتفي، دسست يدي في جيبي أخرجت ما كان فيه من نقود، وضعتها على مقعده، رحتُ أتخيل مشهدًا غريبًا عندما يأتي ويخطف النقود، ويطلق لساقيه العنان تسابق الريح، لا يقف إلا عندما يصل إلى بيته، يستأجر سيارة تقله وزوجته وابنه المريض منطلقًا إلى المستشفى، أفقتُ من حلمي، رفعتُ عيني كي أتابعه، كانت الكعكة الحجرية تقف وحدها وسط الشارع الواسع ولا أثر للرجل.
_____________
//____القراءة //___
“اهرب”
قصيصة بسيطة التكوين في ظاهرها ولكنها في العمق كمبضع حاد قست فأصابت قصديتها
بحرفية لطيفة..
لنعرف ذلك لا بد من تمهيد يمنحنا اياه النص.
نهر يسيل بالناس والآلة
ضجيج
حركة الحياة في الشارع
لاتعرف من هذا ولا ذاك
فاختارت الرؤية عنصرين مختلفين
سائق يعمل لاجل عائلته
تحت خانة الفقراء
وميسور او لامبال من المارة بسيارته .
اذا صراع مواجهة طبقية
فكرت الرؤية فتصادم الحسي لينطق المعنوي.
كيف شكلت البنى المعرفية هذا التصادم او هذه الحياة ؟
الحادثة بنية ووسيلة ستتمحور حولها البنى الثانوية التي ستشكل مغازي النص الحقيقية .
ما هي البنى الثانوية ؟
التي حاصرت السائق :
الكبرى :هي الحادثة
انشغاله بعد النقود وهمه تأمينها لاجل تطبيب ابنه .
الحق عليه اذاً..ذاك حصار آخر ..
غضب الرجل الميسور
وهيئة اتصاله بالشرطة
وحاصره ايضا ان الركاب هربوا ولم يدفعوا فخسر مالا كان سيعتمده لفك حصار الطبابة..
فاخذ يعتذر ويبكي ويبذل ماء وجهه وتلك امور فيها اهانة له ..
كل هذه الاثقال حطت على كاهله مع ان الرأي العام /الناس
حملوه الامر واجبروه ان يركب مع الميسور لاجل ان يصلح له سيارته التي تبهدلت ..
اذن
الميسور منذ البداية اعلن انهزامه امام هذا الامر
لا ادري لماذا ؟
فقد تواطأ مع النهاية منذ البداية وجعل توقعات القارىء صفرا بل اجبره ان يلاحقه كيف سيكون انهزامه ..وعو يثقل على الرجل الامور ويضغط عليه بدم بارد ..يتظاهر بالغضب ويتظاهر انه يتصل بالشرطة ليزيد من مخاوفه وحشره وهو قد اعترف ..الا يعد ذلك انتهاكا صارخا لانسانيته؟
ما معنى الانهزام وهو يمرح ويتلاعب بمشاعر من احس ان الدنيا كلها تحاصره ..؟
نعم قد الهمه ملاك في داخله ان يدعه يهرب وان يقدم له مالا ..لكن بعد ان تلهى به ..فما هذا الملاك العابث؟
هنا نجحت الرؤية في تعرية اخلاقية الميسور وسطحية مشاعره فعد ذلك ساحة صراع سهلة
وما اشارته له بالهروب الا ليظل حاملا اثم ما ارتكب امام نفسه . ..هروبا واهمالا وضعفا ..اي زاد في تعميق انكساره
فمن الذي انهزم هنا؟
واستطاعت الرؤية ان تنطق السائق من على حاله العاملة المتحركة كيف تحطمه حركة الحياة ..ببرودة بلا مشاعر ..
هل الهروب او النافذة التي فكت الحصار منحته الامن والسلام النفسي ؟
هل وضع المال على المقعد كان كافيا وهو ينظر اليه يهرب كلص ؟
هذا التعبير يتهم وكذلك يبجل نفسه حين يقول انه سنهزم امام دموع من يقهره ..
فاض النص ب ماء طبقتين على شارع واحد تضمهما حركة الحياة ..
فهو اي السائق في حركة التلفون كان يريد ان يقد عرض حال بلسانه لعاىلته انما المقصود ان يسمع الميسور ..تمثيل مسرحي ..كمناجاة الميسور مع ملاكه المتعالي ..
هنا لا بد ايضا ان ننهي بان القيم التي انبرى النص في تبيان سيرها كانت تدل على صورة فارغة من محتواها..الانساني
وما القفلة التي جعلها تخيلا انه سينقض على المال كلص الا امعانا في الاهانة او اثبات وجهة نظره عمليا وعقليا وتخيلا اي بكامل كينونته..ولكنه خاب تخيله ..فالسائق عامل يكد ولا يسرق كما صرح بالمكالمة مع عائلته فقد حزن لانهم هربوا دون ان يدفعوا ..فهم كالميسور ..
سليمان جمعة ..