____________
عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر صدر مؤخراً الديوان الشعري الثاني (فراغات الوحشة) للشاعر فخر العزب. يترك فخر عنوان كل قصيدة في الديوان بين قوسين فارغين ( ). إنها قصائد عناوينها فراغات موحشة!!
ويتضمن الديوان قصائد عديدة، تمثل ما كتبه فخر من نصوص شعرية في مرحلة مبكرة من اشتغاله الشعري. فخر الشاعر الشاب كنت قد التقيته قبل تسعة اعوام تقريباً في صنعاء وأجزم أنه كان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حين جمعنا مقيل في مقر الحزب الاشتراكي اليمني أن لم تخني الذاكرة، وكانت فرصة لنستمع أنا ومجموعة من الأصدقاء لعدد من نصوصه. في مقدمته للمجموعة الشعرية يقول الشاعر والكاتب فتحي أبو النصر: “يصعد فخر العزب بالقصيدة إلى أعلى جبلنا الكريم، والمقدس صبر، ثم كقروي حزين يمشط بها تقلب مركزي المدينة! ولد فخر بين جيلين من الفقد والخسائر السياسية والاجتماعية والثقافية.. لكنه الجيل الانقى لأنه الاكثر استقلالية ذهنياً.” يكتب فخر نصه الشعري بخصوصية تعبيرية، ونفس شعري خاص، مما يمنح النص التفرد والاستقلالية. عن تجربة فخر العزب الشعرية يقول فتحي ابو النصر: “وفي التجريب على صعيد الكتابة أيضاً يكابد فخر من اجل الاختلاف واللمسة الخاصة”. كما يؤكد أن “احداث مابعد ربيع 2011 الذي كان فخر أحد ابرز قادته، انعكس على نصوصه بالكامل، وهو ما يجعل فخر يعيش حالة اغتراب مزدوجة كشاعر وثائر..”.
تحت عنوان ( )، كتب فخر:
كنت أشعر بالحزن
ثم شعرت ببعض الكلام
فكانت قصيدة..
يترنح اللاوعي في مرحلة الحزن ليولد طاقة من الكلام، احدثها هذا التراكم العتيق من الحزن، وبين اللاوعي والوعي تجود قريحة الشاعر ليكتب قصيدة، ونصاً من طقوس الحزن والشعور بالإغتراب الداخلي، ليظل ترنح المخيلة مشدود بهذا الشعور الذي لا يمكن هزيمته إلا بالكتابة والتعبير، ونقل تجربة اللاوعي بالحزن إلى كلمات ومرادفات شعورية تنتج أخيراً النص..
إن قراءة النصوص الحديثة بطريقة مغلقة، أو من الداخل فقط وعدم إحالتها إلى الخارج سيجعلها رهينة الإنغلاق وتجريبها فقط على النسق اللساني، وهو ما يعني عدم انفتاح البنية النصية الداخلية على البنية الخارجية. يقول فخر:
اشتم رائحة الدواء
أرى خطوط الموت في كف الحياة
وقد غدت مثل السقوف
على جدار تالد
ينهد بعض الشئ يومياً
ولا يرى له اثر
اشتم رائحة الدواء
تقول إن الموت
رحيل او سفر
ﻳُﻘِّﻴﻢ ﺭﻭﻧﻴﻪ ﻭﻟﻴﻠﻚ ، ﻭﺃﻭﺳﺘﲔ ﻭﺍﺭﻳﻦ، ﺗﻘﺴﻴﻤﺎ ﺛﻨﺎﺋﻴﺎً، ﺇﺫ ﻳﺼﻨﻔﺎﻥ ﺃﻏﻠﺐ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺇﱃ ﺍﲡﺎﻫﲔ ﻛﺒﲑﻳﻦ: ﺍﻻﲡﺎﻩ ﺍﻷﻭﻝ : ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍلنص ﻣﻦ ﺍﳋﺎﺭﺝ؛ ﺇﺫ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﶈﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﺍﻷﺩﰊ ﺍﻟﱵ ﺃﺳﻬﻤﺖ ﰲ ﺇﻧﺘﺎﺟﻪ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺩ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻋﺎﳌﻪ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺃﻭ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻨﺴﻴﺞ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﳊﻴﺎﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﳌﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ. وﻳﺘﺨﺬ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﲡﺎﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﳋﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﺪﺧﻼ ﻟﺘﻔﺴﲑ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺍﳊﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻣﻨﻄﻠﻘﺎ ﻟﻠﺘﻨﻈﲑ ﺍﻷﺩﰊ ﲟﺎ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺃﺩﰊ، ﻷﻧﻪ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺃﺭﺿﻴﺔ ﻋﻠﻮﻡ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺮﻯ ﺍﻷﺩﺏ ﲟﻨﻈﻮﺭﻫﺎ ﺍﳋﺎﺹ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻷﺩﺏ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ. ﺃﻣﺎ ﺍﻻﲡﺎﻩ ﺍﻟﺜﺎﱐ: ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﺘﱪ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﺩﺏ ﰲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻟﺬﺍﺗﻪ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﺎﻧﺐ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻟﻸﺩﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﺍﻷﺩﺏ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻟﻐﻮﻳﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ .ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﳌﻌﻄﻰ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﱪ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻷﺩﰊ ﻭﺣﺪﺓ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﰲ ﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ، ﲣﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻷﺧﺮﻯ. يقول فخر:
اشبه نصاً شعرياً كتبته بالأمس
لكنه يشعر باليتم
لم يمسح على رأسه أحد
يشعر بالضجر
لم يبتسم له أحد
يشعر بالوحدة
لم يصفق له أحد..
تتكئ النصوص الحديثة على تصوير الواقع كما هو، ولأن الواقع مثخن بالهموم واشكاليات الحياة وما سببته الحرب من صدمات، ما يجعل الإنسان مرهون بالشعور بالوحدة والافتقار للحب، وبالتالي حالة من الشتات والصراع الداخلي، إلى درجة الشعور بالاغتراب.
في إطار الثنائية الجدلية، وﺃﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪﻳﺔ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ، تعمل نصوص فخر العزب، على صعيد السياق أو النسق، كما تظل هذه النصوص مفتوحة لقراءات متعددة، وهو ما يميز فخر، ويجعله أحد الأصوات الشعرية الشابة الواعدة..
#أمـين_الجـرادي
8 ديسمبر 2022