____________
حملت الاخبار وفاة المترجم الكبير د. محمد عناني، الكاتب والمترجم الفذ الذي تصدى لترجمة عدد من الكتب الفكرية المكتوبة بلغتها الأصل الإنجليزية، وترجمها بدقة وفرادة وإبداع إلى اللغة العربية. ويعد هذا الرحيل خسارة كبيرة للثقافة وللمكتبة العربية بالدرجة الاولى.
في مسيرة نشاطه الترجمي تصدى د. محمد عناني لترجمة عشرات الكتب الفكرية والفلسفية والأدبية والنقدية والروايات ودواوين الشعر. ولأن ترجمات د. عناني كم هائل، والحديث عنها طويل وذو شجون نكتفي في ذكر أهم وأصعب ما تصدى له من ترجمات وجعله متفرداً ككاتب ومترجم لامع، جذبت ترجماته قلوب وأفئدة الكثير من الباحثين والمبدعين والعامة والشباب وفئات العمر المختلفة في العالم العربي..
يذكر د. محمد عناني في مقدمته لترجمة كتاب الاستشراق لـ إدوارد سعيد أنه احتاج إلى وقت كبير أكثر من الوقت الذي احتاجه لترجمة الكتاب من أجل القراءة والإطلاع على فكر وإسلوب إدوارد سعيد الجزيل، كيف لا وهو من أعظم المنظرين في العصر الحديث للغة والنقد الأدبي وهو من وضع البذرة الأولى لدراسة النقد الثقافي والدراسات ما بعد الكولونيالية/ الإستعمار. يذكر الدكتور عناني أنه جمع من المراجع والمعلومات عن إدوارد سعيد وكتابه الاستشراق المكتوبة بالانجليزية، أكثر من حجم كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق) نفسه.
يقول د. محمد عناني في تصديره لترجمة الاستشراق: “وأما لماذا أكلف نفسي الجهد في ترجمة كتب إدوارد سعيد فالواقع أنني أرى أنه جدير به، بل لأنه من القلائل إن لم يكن الكاتب الوحيد الذي خاطب الغرب بلغته وبمنهجه العلمي الحديث، فكشف الغطاء عما يتخفى بقناع الثقافة والدراسات العلمية من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيق مطامع مادية صرفة.” إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة د. محمد عناني، رؤية للتوزيع والنشر 2008، ص 18).
لم يتوقف د عناني بعد ترجمة كتاب (الاستشراق) رغم المعاناة والتجربة الصعبة في التصدي لإسلوب وجزالة إدوارد سعيد ومراجع البحث التوثيقية العديدة التي تضمنها الكتاب، لكنه قام بترجمة كتاب: (الثقافة والامبريالية) الذي يعد بمثابة تكملة لما بدأه إدوارد سعيد في (الاستشراق)، إضافة إلى ترجمته لكتاب (تغطية الإسلام) لنفس الكاتب.
رحم الله د. محمد عناني الذي ملأ المكتبة العربية بعشرات الترجمات الفريدة، وكان واحداً من أهم المبدعين والمترجمين الذين ساهموا في الدفع باللغة العربية بين كل اللغات إلى الأمام، من خلال الترجمة لتصبح لغة عالمية، قادرة على الترجمة ومحاكاة الآخر واستيعاب العصر لما تمتلكه من الوفرة والمتسع اللُغوي والمرونة، مثلها مثل اللغات العالمية الأخرى.