ابراهيم الديب\ مصر
·
من خلال قراءتي في الفكر الغربي بكل تياراته الثقافة من ،فلسفة ،وفكر ،وأدب، و التفاعل معها من جانب ثقافتنا العربية الإسلامية في تناول مفكرينا جاءت في أغلبها كانبهار شديد بها أكثر منها روؤية نقدية تقييم حضاري، وهي الثقافة أو الحضارة التي لم نشارك في إنتاجها بالمكابدة والمعاناة أي لن نقف سر من أسرارها ، هذه المذاهب الفكرية والأدبية التي ظهرت عندهم منذ عصر النهضة إلى الان كانت في أغلبها نتيجة : عبارة ثمرة لتجربة معاشة من خلال ممارسة على أرض الواقع بعد مكابدة فكرية ذهنية ، وكان ظهور بعض هذه التيارات الفكرية والفلسفية في كثيراً من الأحيان منبثقة من أزمات عقليه، ونفسية عبارة عن رغبة لتصحيح مسار فكري وخلل وإن شئت أن تحسبها ثورة عليها لأنها لم تعد تلبي رغبات الإنسان بالقدر الكافي ، بعد احساس أن حركة المجتمع تسبق الفكر أو أنه تخلف ولم يستطع مسايرتها لسرعة تطور المجتمع لعل الخلل نتج سرعة الاكتشافات التي تلقي بظلالها على حركة المجتمع الذي تحول قانونه أو النظرة الثقافية بفضل هذه السرعة من الجوهر الثابت في الماضي للتحول من السيرورة إلى الصيرورة، أو بمعنى أوضح الاستمرار الذي يتحول بعد فترة لكيف جديد، ثم تبدأ سيرورة بعدها أو استمرار، ليصبح صيرورة أو كيف يحول فيه الكيف ونظر مغايرة تحمل التغيير فلم تعد نظرية الجوهر مقياساً بل التحول المستمر ..
الفكر الغربي الذي قامت عليه الحضارة الأوربية الحديثة في هذه الحالة نتاج تجربة ومكابدة عقلية ونفسية ولا يكف بعد ممارسته سيرورة من الوقت على أرض الواقع أن يتحول بعد فترة لصيرورة جديدة فرضتها حركة التاريخ ليتجاوز الفكر نفسه بالتعميق والإضافة ليواكب علوم أخرى مرتبط بنسقها الفكري ،حدث ذلك في شتى فروع المعرفة والثقافة الغربية التي تعد مقوم الحضارة الغربية .
أعتقد أن نقل هذه التجربة لأي مجتمع آخر يتمتع بخصوصية وهوية ثقافية مغايرة مثل مجتمعنا العربي الإسلامي وتطبيق هذه التجربة بداخله خطأ كبير بعد أن قطعت هذه التجربة كل هذه التحولات على أرض الواقع وبداخل الذهن أي بين النظرية والتطبيق، فكثيراً ما قرأت لمفكرينا إذا أردنا النهوض الحضاري والتحديث فعلينا بتجربة الغرب غير مدركين أن تجربة الغرب تتمتع بخصوصية وسياق تاريخي مختلف في الزمان والمكان والوعي، فالحد الأدنى لنجاح أي تجربة فلابد أن تكون تعبيرا ومكابدة ومعاناة نجاحها في هذه الحالة يكون نتيجة حتمية، أقتضاها منطق التطور وقانونه، وضرورة موضوعية فرضتها حركة التاريخ ،وثمرة لمرحلة عمقتها التجربة والممارسة وتعرضت للصواب والخطأ أثناء التطبيق فترسخت في عقل ووجدان الأمة.
لا يكف الكثير من مفكرينا بأن نسير على خطى الغرب في كل شيء لا استطيع أن احسب مطالبتهم هذا رغبة مخلصة لأمتهم أن تصيب بهذه الدعوة جانب من حضارة الغرب لحداثة عربية إسلامية متناسين أن هذا الحداثة أو الثمرة التي ينعم بها الغرب هي نتيجة لمعاناة ومكابدة عقلية ونفسية طويلة وتجربة حياتية على أرض أثناء ممارستها، وقبل ذلك في حالة النقل سيكون نقل لثمرة الحضارة نقطفها دون الوقوف فقه مراحل نضوجها، و دون الاتطلاع على سر قوانينها التي تسيرها فنصبح مستهلكين سلعة لا نعرف عنها شيئا.
بعكس البداية الصحيحة عندهم لأنها مكتملة الشروط بوقوفهم على الأسباب التي انطلقوا منها خطوة تلك الأخرى، ثم بحثوا عن مسبباتها وهلم جرا حتي انتهوا في آخر المطاف الى يسمونه العلة الاولى، فكانت البداية صحيحة لقيام الحضارة الحديثة على أسس مبنية على قوانين علمية، هل مر المجتمع العربي الإسلامي بكل هذه المراحل والتجارب من الناحية النظرية والتطبيقية بالطبع لم يحدث، ثم نسمع بعد ذلك من نفر من مثقفينا من يطالب أن نسير على خطى الغرب في كل ما يأتيه من فعل وقول فإن فعلنا سنصيب من أسباب الحضارة، أنا على يقين أن صاحب هذه الدعوة في الغالب يريد لنل النهوض من كبوتنا الحضارية ولكن من وجهة نظري أن قمنا بذلك سنصبح مسخا حضارياً كمن يزرع نبات في غيره أرضه حينها لن نكون شرق وعرب احتفظ بهويته ولن نستطيع أن نسير على درب الحضارة الأوربية ثم نتهوه حضارياً بين الشرق والغرب.
أهم ما يميز الفكر الغربي لا يكف عن تجاوز نفسه وفي الأغلب يكون تجاوزه ردة فعل تعبر عن أزمة يعبر عنها الفكر والأدب يحمل بداخل تعبيره وثورته على الواقع احلام للغد ورؤي لم تتضح تماما فهو مخاض جديد من رحم القديم فهما مرآة المجتمع ؛ وتكون هذه الأزمة ردا فى نفس على إرهاصات لأنساق فكر جديدة فى طريقها للتكوين ،على المثال الثورة على الخروج من أفكار القرون الوسطى السكونية و سيطرة الكنيسة على العلم فتمثلت الثورة عليها بالقراءة المباشرة للواقع، ردا في نفس الوقت ورفضا لمنطق أرسطو وكانت الثمرة المنطق التجريبي، أما أفكار عصر الأنوار فكانت صرخة في وجه العصر لتحرير العقل من أى سلطة تحد من سلطته، أو تشك في قدراته، ثم تكون ثورة على العقل نفسه بإعلان المذهب الرومانسي عن نفسه في صورته التي تجنح للخيال، و في التحليق بعيداً عن الواقع للحد من هيمنة العقل ، وأخيراً ظهور الفلسفة الوجودية واللامعقول في الأدب ثورة احتجاج بعد الحرب العالمية الاولى والثانية على كل انساق الحداثة التي تفي بوعدها للانسان في تلبية حلمه ، ونتيجة لذلك يدشن تيار جديد يعبر عن المرحلة باسم بعد الحداثة في الأدب والفكر الشك في العقل الذي وجه الإتهام له بأنه قام في السابق في أنساق الحداثة بعقلنة الوجود، وتزييف الفوضى، من وجهة نظرهم فكان الرد هو فلسفة مباشرةً وطقس يومي حياتي يمارس من الفلسفة الوجودية، و من مذاهب الأدب التي عبرت بداخلها أن العالم لا معقول بل العبث هو قانونة وأن العقل قام بإدخال التنظيم على عالم مشوش العدم والعبث كامن بداخله.
تلك بعض الأزمات الفكرية التي ظهرت هناك ولم تحدث عندنا، والغريب أن منا من كان يبشر وينشر هذه الأفكار والمذاهب في أرضنا ، وهي تعبر في الأساس عن أزمة وعرض زائل ثم تنتهي هناك ونظل نحن مختلفون حولها، بين مؤيد لها ومعارض، أزمات عقليه يثيرونها ليس حباً فيها ولكن من الوصول لحل لها في المستقبل من حياة أفضل وأكثر رفاهية، فلو توقف الإنسان عن الحلم والمحاولة الارتقاء بالواقع ليؤسس لغد مشرق ولذلك لا يكفون عن تجاوز أنفسهم ثم إنتاجها بصورة جديدة مستوعب بداخله أجمل ما في الماضي بعد إضافة ما استقر عليه أنه يحقق حلمه في المستقبل.
فهم في سيرورة تتحول لصيرورة متصلة من التطور و بناء المذاهب والأنساق الفكرية ثم التمرد عليها ثم تجاوز ما بها من سلبيات بعد تجربتها على أرض الواقع ،وهلم جرا ، أعود مرة أخرى وأسأل سؤال برئ هل مجتمعنا العربي مر بمثل هذه التجارب التي كابدها المجتمع الغربي عقلياً ونفسياً على مدار قرون طويلة ثم وجدلا ونقدا ثم معاودة دراسة من جديد حتى يطمئن أنها تلبي وتعبر بصورة مقنعة بصدق عن أحلامه وآماله في الغد وأنها خطوة على الطريق وإضافة للحضارة البشرية.
أعتقد بأنه لا يجدي نقل الثمرة التي تمثل قشرة الظاهرة للحضارة دون الوقوف على أسبابها لابد نعش تفاصيلها لا أشك في إخلاص من يطالب بذلك فهو يريد أن نصيب لو بنزر يسير من الحداثة، وأن نستمتع بمباهجها ولكنها ليست نتبا أو غرسا طبيعيا أثمر في أرضنا ولم نشارك صنعها .
هي تجربة حضارية عاشها الغرب هي مطلب اجتماعي وحياتي ووقتي فقد زرعنا الكثير من أفكارهم في مجتمعاتنا الشرقية فلا أصبحنا غربا ولا تركنا أنفسنا شرقا.