البشير عبيد/تونس
لم نكن ندري ان في الشرق القديم
بلادا يطير منها الحمام بإتجاه
التلال المتاخم للظلال
ورقات المدى ضاعت منها طقوس
الليالي
و اخضرار العشب قبل مجيء العربات
هنا يداي تسأل عن خطاي
و ارتماء الجسد العليل في المياه
صامتا تراه الجموع صبيحة الخامس
من ايلول
ليس في الحقيبة ما تدعيه التقارير
و ليس في ذاكرة الأقاليم مباهج
للجنود الذين اتوا من الأساطير
من بعيد يصيح الرجل الشريد:
هنا يافا..مهجتي و بوصلتي
لا مكان هنا لاصوات الأنين
بامكان الأيادي ان ترفع الرايات
و تنحني الجباه للنور الطالع من الاسوار
فتيان الحي العتيق على مقربة من العاصفة
و عشاق الشرق القديم
ليس لهم دفاتر و لا موسيقى
قبل مجيء عربات المياه
باغتنا الولد الكسيح بالعناق و حكم الأجداد:
لا تخف من عيون العسس
هذي بلادي و لهم خرف الأساطير
يافا..درة الشرق المتاخم للحنين
ذاكرة الأقاليم
نوارة الروح
الذهب الخالص على شجر السنديان
موسيقى الغجر في عتمة الليل
ذهول الجنود امام الفتيان الجالسبن
على عتبات الثكنات….
هنا التقى النبلاء و السفهاء
اللاهوت و الأتباع و الأنصار و ما تبقى
من صفحات الزمان البعيد
كم يلزمنا من أيام لترميم السور القديم
و اسكات القلق المتنامي في الجسد
الأمهات الهاربات من جحيم المرحلة
ليس في أجسادهن سوى دهشة الرؤيا
و ارتواء المكان من النبع البهي
في الضفة الأخرى من يافا
تاخذك الخطى إلى مدارات الرؤى
تسأل العابرين:
أين أصوات غسان و درويش و صيحات
سميح…؟
لم نكن ندري ان في الأقاليم ذاكرة
للصوت
و على جدران المدينة كتبت اسماء النساء
اللواتي عشقن ضباب الغيوم
و ارتباك الاتين من الشمال و الجنوب
هذا التراب لي و لهم ارق الرحيل
هذا السور القديم لي و لاحفاد ناجي
بامكانهم ان يناموا سنوات على عتبات
المدى
لكن لن ينعموا سوى بالسراب……
تونس/28 سبتمبر/ايلول 2022