مر العام ثقيلا والأيام رتيبة والليالي باردة ، ولم تنزع عن جسدها ملابس الحداد ، تستقل سيارتها الحمراء ، تصل إلى محل الملابس في الحي التجاري :
– اتفضلي يا هانم إيراد الأسبوع
وفي البنك القريب :
– إيداع من فضلك
وفي شقتها الواسعة وحدها …
تزحف الدقائق زحفا ، ينتابها التمرد ؛ تنسلخ من سواد الحداد المطبق على جسدها النافر بالأنوثة الصارخة ، تضاجع الصمت على فراش بارد ؛ ذهب عنه الدفء بغياب الزوج بعد عشرين عاما عوضها فيهم عن الحرمان من الولد بفيض حنان ثملت من خمره وأسبلت جفنها فغفا ، كان يروي ظمأ أرضها فتفيض نهرا ، الآن تتململ في سريرها يخاصم أجفانها النوم ، لا تسمع سوى هرير الرياح في فضاء شقتها القاحلة ، تخرج للشرفة ترى طيور النورس تحلق فوق صفحة البحر ، تلفتها إحدى النوارس تقترب من قارب الصياد في رعونة وتهور ؛ فيصيبها ؛ تقع على صفحة البحر تتلاعب بها الأمواج دون هوادة ؛ تغادرها النوارس وتتركها لمصيرها وحيدة ؛ تتلقفها أيدي الصياد بلا شفقة . تدخل إلى شقتها تنظر في المرآة تتحسس براحتيها أنحاء جسدها ؛ ترتخي أجفانها ، تستحر وجنتاها ؛ تداعب خيالها ذكريات الليالي الدافئة ، تعود لشرفتها تخترقها نظرات شاب قابع على الكورنيش لا يحيد بناظريه عنها ؛ ينتابها الارتباك ؛ تسرع ، ترتمي في كهف سريرها البارد ، يعتريها الأرق ، يحلق خيالها بعيدا ، تصارع مشاعر مضطرمة حرمت منها ، وبينما تسير لمشاهدة الڤاترينات قتلا للملل والدقائق الرتيبة ، يقذف الشاب أذنيها بسهام تخدر جسدها وتدغدغ مشاعرها ، فقد جفت أرضها وتشققت ، وبمعسول اللسان في عمقها قد أبحر، ومن روضها قد قطف ، وأشبع روحها بالحنان ؛ فارتمت في حجره مثل هرة كمشها الصقيع ووجدت دفء الفراش ، تحفها السعادة وبزواج قد ارتوت …
– أغار عليك من حديث مع الرجال وهذا حق كل زوج
– أنا كلي لَكلك حبيبي
– أريد منك توكيلا عاما ؛ فالغيرة تقتلني …
وعلى رصيف محطة الترام حيث مأواها ، في حال متردية قد باتت ، تراه خارجا من باب العمارة تتأبط ذراعه فتاة في نضرة الشباب تماثله في العمر ، تتعالى ضحكاتهما ، يركبان السيارة الحمراء . أحد المارة يضع في كفها الموحلة جنيها ؛ تتأمله ، تطبق كفها عليه ، تدير وجهها لعربة الفول .
بقلم سمير_لوبه
من المجموعة القصصية (البحر_بيضحك_ليه)