الكاتب و الناقد العراقي المقيم بالسويد
حميد عبد المحسن
هذه القصيدة النثرية للشاعرة المتألقة ليلى الطيب الموسومة بعنوان (الطفلة في) تثير الدهشة بكونها متناسقة المقصد، ومتواترة المعنى في مراتب تحلقها ما بين الواقع والخيال خاصة تمزج بين حسن الجمال والغوص في عالم متعدد بمفاهيمه. وهذا يدخلنا إلى حيز الوجود الذي نعيشه بماهيته، ويكمن ثراء ومنهجية هذه القصيدة النثرية في الفهم والتفسير والحوار كما هو في مبدا هيدر الفلسفي، اذ القصيدة تمتاز بمحورين:
الاول: التركيز على الموضوع المتناول او بعبارة أخرى تستانف الفكرة في محور ترادفي يتلاءم مع حيثيات التخيل، فتشكل انعكاسا للواقع المعاش بصورة جذابة وشيقة معبرة تمس عواطف من يقرأها.
ثانيا: تمتاز ايضا بنغمة خفيفة هادئة تتجلى في عالم خفي وظاهر في نفس الوقت، اذ هذه النغمة متواصلة لا تتوقف لان فيها انسياح نحو توق اللقاء فهي اشبه بجريان مياه ينبوع صاف رقراق. هذا ولابد ان نتوقف عن مجمل صورها الشعرية في بابين:
١- الليل:
الشاعرة تجعل من الرؤية الليلية طفرة لفهم العالم، وغالبا ما يكون الليل اختلاء مع الذات في الخلوة، اذ اعطت الشاعرة لليل حيوية الفهم من خلال معالجة الحلم، وليس كما هو مشاع في الشعر العربي الكلاسيكي – القديم أن الشاعر يرعى النجوم في فسحة التناجي مع الليل خاصة إذا كانت السماء صافية بقمرها سواءً إن كان هلالًا أم بدرا. هذا يخص الشاعر وفضاءاتها الطليقة الحرة بينما نجد الليل في هذه القصيدة النثرية جاء كتوظيف لمراعاة الذات في حيز مغلق بين جدران أربعة لاسيما في وقت قبل وأثناء النوم وأثناء الاستيقاظ، فالليل أعطى القصيدة انعطاف وجداني حسي مداه عاطفي، وكذلك مداه في الخيال، ليكون انعكاسا للواقع المعاش، وهذا الأسلوب يقترب إلى المدلول الصوفي حيث الروحاني المستمد من الفكر الغنوصي الذي يسوده الغوص في التأمل كفردية إنسانية لها طابعها المميز المستقل في كينونتها ووعيها في وجود شامل بوحدته الشمولية حيث الرهافة الحسية للأنا الموجودة في هذا الكون المترابط بعناصره
حيث تقول الشاعرة كما وارد في القصيدة:
وعلى اطراف الليل اتجاهل شوقي…
امط احلامي كطفلة تبحث عن مأوى
٢- تاكيد الذات:
الشاعرة توءكد ذاتها من خلال ضوء الحلم المنبعث بصوره من ذات الظلام ليكون لوجودها انتماء وجداني تكمن اهميته في عالم الضجيج والفوضى، فهنا تثبت وجودها، وتبحث عن ذاتها في مخاطبة الغايب فهي مرآة حقيقية ما بين الغياب والحضور، ما بين الانا الذات والعالم الجمعي، وكذلك ما بين الانتماء الباقي، واللاجدوى الزائل لذلك تقول:
عذرا يا ليل
الفوضى تعم صمتي
هذه القصيدة النثرية تدمج ما بين الروءية الفلسفية والبلاغة الابداعية في حسن ترنيمتها، في حسن موضوعها، وفي حسن اسلوبها، لاسيما وتندرج في القصيدة الحديثة التي لها نكهة الجمال، وذوق حسي عالي…تقديري واعتزازي ، ودمت للابداع الجميل سيدة ليلى الطيب، ولك دوام النجاح والتوفيق…صادق تحياتي