المنعطفات التاريخية الحادة
****************
نشأة الدولة الوطنية الحديثة في تونس منذ ما يقارب سبعة عقود من الزمن، وهي مدة كافية لنشأة وتكوين مجتمع حداثي مدني علي درجة كبيرة من الاستقرار والتطور والنمو، لكن تطور ومسار الدولة الوطنية عندنا لم يكن خطياً علي طول المسار ، بل متعرجا بشكل متواتر، جراء تراكم أخطاء بنيوية، قادت لاحقا الي مشاكل هيكلية شكلت جزء كبير من العقلية السياسية الراهنة المعوقة في معظم تجلياتها.
لا يختلف إثنان أن بلادنا تمر بإشكاليات بنيوية وهيكلية عويصة، تشكل منعطف تاريخي حاد سيأسس لما بعده سلبا وإيجابا، وسيرمي بظلاله علي قادم الأيام، لذا وجب التعاطي مع هذه المرحلة بعقلية مغايرة لكل ما سبقها خلال الاحقاب الثلاثة التي مرت بها الدولة الوطنية في تونس. من هنا ينبغي علينا كتوانسة أن نتجاوز خلافاتنا ونضعها جانبا، ونحقق أقصي درجات اللحمة والتعاضد والإلتفاف حول الدولة ومؤسساتها، حتي نخرج من عنق الزجاجة ونتجاوز بسلام هذا المنعطف التاريخي الحاد.
وهذا الأمر لن يتأتي بفعالية ونجاح دون مساهمة فعالة من النخب الثقافية والسياسية والعلمية والمالية التونسية فيما يعرف في الأدبيات السياسية بمشروع مجتمع.
وفي الحلقات القادمة من هذه السلسلة سنتناول بقليل من التفصيل، شكل ومفهوم مشروع المجتمع، الذي سينقذ تونس ويخرج بها الي بر الأمان، أسوة بالتجارب الناجحة التي مرت كثير من دول العالم إبان الأزمات الوجودية، والتي قيض الله لها رجالات ونساء دولة استثنائيين، إستطاعوا ببراعة الخروج بدولهم من وهدة التخلف والتعثر الي رحاب المدنية والتطور، وأضحت دولهم نماذج مشرفة يحتذي بها للخروج من الفقر المدقع والتخلف المريع الي مصاف المقدمة ودولة الرفاه المادي والمعنوي.
مع إستئناسنا بالتجارب الناجحة للدول المشابهة للحالة للتونسية، إلا أننا سنركز في هذه السلسلة علي أمران في غاية الأهمية، هما:
- مراعاة خصوصية الواقع المحلي التونسي: ليقيننا أنه لا يمكن استيراد التجارب الناجحة بحذافيرها، نظرا لإختلاف المعطيات والظرف التاريخي وتباين مرتكزات العقلية من مجتمع الي آخر.
- المنوال الاقتصادي الذي يتماشي مع الحالة التونسية والذي يستجيب للمتطلبات والإحتياجات التنموية للواقع التونسي، وذلك لإدراكنا أن المأزق والإشكال الذي تمر به تونس راهنا، هو إشكال تنموي وإقتصادي بالمقام الأول، حتي وإن أتخذ لبوس سياسي، أبرز تمظهراته الصراع المعلن بين مؤسسة الرئاسة وحركة النهضة.
زينوبة العرفاوي
بو عرادة / 30 سبتمبر 2022.