ريم البياتي (( للغرباء والمنفى))
للغرباء والمنفى عنوان يشدُّ القارئ حتى آخر حرف في المجموعة لشاعرةٍ متمكنة من أدواتها الشّعريّة و الفنية فقد سكبت فيه المبدعة تجاربها و أحاسيسها الناضجة تنساب كمجموعة من الوقائع و الكتل المتراصة و التساؤلات و الأجوبة فقد اتخذت موقفاً حيال الأحداث من خلال شخصياتها مثل البهلول و العربي بن مهيدي و عنترة و خالد ابو خالد و أبي النواس و الكثير من الأساطير و الرموز التراثية و مدّت شخوصها بالحياة فعاشوا و استمروا دون انقطاع مشددين إلى دوامة فكرها و أعادت توظيف التراث كمصدر قوة وعامل إلهام و بؤرة تجذر و انفتاح فاستحضرت التراث و تقدمت به نحو العصر
و أما عن طرق استدعائها التراث فأهمها :
١. التراث الديني: كما في قولها
قبلة عاشق
سقطت على قيع سراب
والقيع اسم مكان ورد في القرآن الكريم كسراب بقيعة و تصرفت بالاسم للضرورة الشعرية
٢.و التراث السياسي :
و الموت يشدُّ بقرن الموت
سيظل السيف يمزق شرع الكلم
و الفلاقة اخت كتائب اهل الهور
والخاتم إرث ألريح قميص العدم
والفلاقة لقبٌ كان يطلق على كتائب الثورة الجزائرية و الخاتم إشارة إلى أبي موسى الأشعري و قضية التحكيم
٣. التراث الشعبي:
في سفر بهلول السومري
بهلول عاد من زمانه
محملاً بالغيم و السنابل
من نجمةٍ/كهوفها ضياء / كخاتم العروس
يحيط قلب النبع بالجداول
و تناجي بهلول كقناع تراثي
يا بهلول
يا نبوءة السؤال
٤. و ازدحمت المجموعة بالأساطير مثل تنتالوس و تموز و عشتاروت و انليل و ننهو…..
و ذا تنتال تنتالوس
يولمكم على صخرة
و يصنع من لحومكم لآلهة الضباب /موائد النكتار
و تنتالوس هو ملك روت الأساطير إنه ذبح ابنه و صنع منه طعاماً و قدمه للألهة كي يحرجها و يقال إنها تأكل لحوم البشر
ولكنهم اكتشفوا فعلته و عندما حاولوا إعادة الصبي إلى الحياة وجدوا إن أحد الآلهة أكل جزءً من كتفه فجعلوا الكتف من الرخام و عاقبوا تنتالوس بأن وضعوه في حفرة و جعلوا الماء و الشراب يتدلى إليه وحينما يصل إليه و يلمسه يرفعونه و ظل أسير الجوع في حفرته.
كما وظفت أسطورة إله الربيع تموز:
تكور الزمان في قبابه /و دار دورتين
فدارت السهول و الجبال
و عانقت تموزها الغلال
في رهبة تبتل الدعاء……
و فوق البصرة تمطر دمعاً
أ يكون الراعد (أنليل) قد نام طويلاً هذا العام؟
أم (ننهو) تطارد (عشتاروت)
وتختصمان لأجل إله؟
في العشق مباحٌ أن تقتتل الربات
٥. الرموز : أجادت المبدعة استخدام الرمز كلياً و جزئياً بأسلوبٍ مدهش كقوله:
و البصرة كل مدائن هذا الشرق
الغارق في الإملاق
او : و رأيت المارج يخرج من أرض النهرين
يتبعه الغافل و الزنديق /و قوم الدون
ينفث أذكاراً تحرق أرض الشام
و تلتهم الآتين
٦. الأقنعة:و هو أسلوب في الأداء يمثل شخصية تاريخية نموذجية عبرت به الشاعرة عن موقفٍ تريد إيصاله فحاولت أن تقدم البطل النموذجي في عصرنا و في كل العصور و استبطنت شخوصها أعمق الحالات و عبرت عن النهائي و اللانهائي و عن المحنة الاجتماعية و الكونية و عن التجاوز و التخطي لما هو كائن إلى ما يكون من خلال شخصيات البهلول و العربي بن مهيدي و عودة عنترة و أبي نواس و سعدي يوسف و خالد أبو خالد …
٧. المرايا :أسلوب برع فيه أدونيس و استخدمته المبدعة فعكسته بطريقة ذاتية و موضوعية موقفاً ما من خلال الشخصية او شيء من الأشياء
تعال يا قيثارة أوتار ها
مشدودة بشهقة الحقب
في جعبة البهلول من أنغامها /ما يذهل العجب
أو في أزهار هندكوش: بنات الحزن الصامت
يمشين على كعب الأزهار /يسرن حذار العشق
و لابدّ من المرور على الصور و الأصوات و النغمات التي تربط ما بقي من الشعر العمودي أكان ذلك بالتفعيلة أم بالقافية أو بأي نغمة من النغمات
فقد أدركت الشاعرة إنّ علاقتها بالتراث يجب أن تقوم على فهمه و الوعي به و إدراكه و استيعابه و همها أن تعي أبعاده الإنسانية و النفسية و التاريخية و أن تستلهمَ منه صفة الديمومة و الاستمرار و ربطها بنبض العصر الذي تعيشه و تنتسب إليه و إعادته إلى ضمير العصر حياً نابضاً يتجاوب و ينفعل به الإنسان…
نبارك للشاعرة القديرة نتاجها الأدبي ((للغرباء و المنفى))
د. آسيا يوسف