د . م . عبد الله أحمد
من الواضح أن المجتمعات بشكل عام و العربية بشكل خاص، قد وصلت إلى حالة خطيرة من التسطح الفكري دون أن تدري ، فالمشاكل المعيشية والهموم اليومية تجعل فكرة الخلاص الذاتي ” المادي” في المقام الأول ، إلا أن حملات التعمية التي تقودها جهات نافذة في العالم تساهم في هذه التعمية أيضا لترسيخ تلك المشاكل والأزمات التي يواجها الأغلبية من سكان العالم …وهكذا تتحول المجموعات البشرية إلى حالة “البعد الواحد” أي إلى النمط الغريزي “التكاثر والطعام واللهو” ، وهنا تحدث الانتكاسات لما يسمى الارتقاء والتطور في بعده العقلي …
ومن هنا نرى أن السياقات العلمية والفلسفية والدينية التي تميز “الحضارة الإنسانية السائدة ” لا يمكن أن تشكل مسلمات “مطلقة” يمكن الاعتماد عليها “كمدخلات ” لعصف ذهني في سياق التفكير العميق، وبالأخص أن كان هذا السياق يحتوي على أسئلة تشمل من نحن ولماذا نعيش ؟ وأخرى أكثر عمقا حول أصل الحياة وبدايتها ، لان هذه البداية لا يمكن أن يفسرها العلم الحالي كونها خرقت قوانينه منذ البداية ، ولا يفسرها الدين كذلك ،لان الأديان تطرح مسلمات مقدسه لا تقبل التشكيك ، وقد يكون التشكيك بها أو رفضها لمجرد التشيك عمل غير عقلي ، كما أن القبول بها بدون محاكماة عقلية وتحميص وتدقيق يعني إلغاء العقل بالمطلق …
وفي الفلسفة تكمن القضية في أن معظم النظريات الفلسفية كانت مجرد محاولة للترويج لنمط تفكير سائد ولدوافع مادية في معظم الأحيان ..
قد يقول البعض أن الاكتشافات العملية الحالية مذهلة ، وهي بالفعل كذلك …وقد ساهمت في تشكل الحضارة السائدة، إلا أن الأمر نسبي فهي أحادية الاتجاه ومعظمها نتاج التفكير المادي، لذلك رسخت هذا الاتجاه الأحادي ، خدمة لكهنة النيوليبرالية وقبلها التيارات المهيمنة .(ما نعرفه عن الحضارات السابقة خلال ما لا يقل عن 60 إلف سنة مضت هو ضئيل .وبالتالي لا يمكن الحكم على ما هو سائد اليوم لعدم وجود واحدة قياس ..أو أساس للمقارنة.)
وهكذا فإن خلاص البشرية لا يمكن أن يتم إلا من خلال التقدم في علوم الطاقة الكونية والفكر الفلسفي الخلاق ، قد تكون تلك العلوم هي الرافعة للفكر البشري المبدع ، وهي في الوقت نفسه علوم أخلاقية تنهي هيمنة الفكر المادي
وهكذا فالبشر يحتاجون إلى تفكير واسع الطيف بعيد عن النمطية السائدة ، كما يحتاجون إلى الارتقاء والتطور الفعلي ، وإلا سيسطر الجهل “البعد الواحد” كما كان الوضع لدى الإنسان البدائي نيندرتال …