“إشكاليات التخييل والتمثيل في الرواية التاريخية العربية” دراسة جديدة في مجلة أدب ونقد، القاهرة، عدد يناير 2023.
وفي هذه الدراسة نشير إلى أن عمل المؤرخ وباحثي التاريخ يختلف عن عمل الروائي، فالأول يرصد الأحداث التاريخية، ويسعى إلى تسجيل كافة ما يرتبط بها، وفق المتوافر لديه من شهادات ووثائق وأدلة. أما الروائي فهو يأتي في مرحلة تالية، يستقي مادته فيها من إنتاج المؤرخ المدون، ومن ثم يبني أحداث روايته عليها. فالروائي يقرأ التاريخ وفق رؤية يروم تقديمها للقارئ، ويتخذ من التاريخ ميدانا له، كأن يستحضر شخصية تاريخية، أو حدثا تاريخيا مؤثرا، وغير ذلك مما يستوقفه خلال قراءاته في التاريخ، ومن ثم يأتي دور التخييل الروائي الذي يقوم بإبداع نصه الروائي، في لوحة متناسقة، تعيد تركيب الحدث التاريخي وفق خيوط حكائية، يتوسل فيها الروائي بفنيات متعددة من أجل التشويق والحبكة.
ومن هنا، تأتي الإشكالية الأساسية في العلاقة بين الرواية والتاريخ، ألا وهي إشكالية الواقع والمتخيّل، فالتاريخ ميدانه الواقع، ويسعى كاتب المادة التاريخية إلى تلمس الواقع والمجريات التي حدثت بالفعل: توثيقا وتأريخا، أما الرواية فإن سماتها الشكلية، تتحدد بمدلولها، المرتبط عادة بفكرة المتخيل.
فلاشك أن المبدع الروائي لديه إيديولوجيا ما، وهو يقرأ أحداث التاريخ، ومن ثم يصوغها إبداعا روائيا، وغالبا ما يضع المبدع الحاضرَ نصب عينيه وهو يقرأ التاريخ، وينتخب من أحداثه أو شخصياته مادةً كي يعيد تشكيلها لتكون نصا روائيا.
فالتاريخ بمثابة قناع يتخذ منه الروائي سبيلا لرسالة ما، يقدمها إلى القراء في عصره، قد يكون محملا برؤية إيديولوجية، يقرأ بها الحدث التاريخي، وقد فصّل “لوكاتش” أبرز هذه الرؤى، ما بين الطابع الواقعي البرجوازي، أو الماركسي، أو الاتجاه الإنساني الديمقراطي، أو عرض الشكل السيري أو الشخصية الشعبية.
فالمادة التاريخية هي أحداث بيضاء يجيء بها الروائي إلى عهدته، ليلبسها روحه، ولينسجها بلغته، وليخضعها لأيديولوجيته، وليجعلها تعاصره وتزامنه.
وفي الرواية التاريخية، فإن استحضار أحداث بعينها، أو بطل معين، يكون من أجل توجه ما يرومه المؤلف في عصره، يقدمه لأبناء مجتمعه وثقافته، ولكن هذا لا يعني أن النص مكتمل كما أراده الكاتب، بل إن هناك ما يسمى بـ”فضاء النص”، والذي يتشكل من مجموعة من العلاقات المتواشجة، التي تعكس إمكانات عديدة قراءة، بجانب وجود مستويات للفضاء النصي، ممثلة في الوجود العضوي للنص، والذي يشتمل على معطيات ترد في نسق ما أو صياغته للفضاء الذي يتحول بفعل القراءة إلى نسق زمني.