رواية الحب في ظلال طاووس ملك للروائي
حمودي عبد محسن
حكاية شعب مسالم وصراع الدامي مع وحوش الحيوان والانسان
((اليك ايتها الأم الأزيدية التي حملت عذابك في أكثر من أربعة عشر قرنا )) الاهداء
(( لا أحد يــــــــــــــــــــــــــــــهلك الشمس)) رص123
بقلم الناقد حميد الحريزي
رواية (حب في ظلال طؤوس ملك) للروائي حمودي عبد محسن ، رواية اعتمدت التاريخ والتراث لتلقي الضوء على حياة ومعاناة وتقاليد وثقافة طائفة عراقية أصيلة هي الطائفة الايزيدية في العراق فالرواية التاريخية كما يقول باختين (( أن مايميز الرواية التاريخية هو التحديث الايجابي، هو محو الحدود بين الأزمنة، والتعرف على الحقيقي الخالد في الماضي)) مختارات من أعمال باختين ترجمة يوسف حلاق ط12008المركز القومي للترجمة ص 180.
ان الروائي حمودي عبد محسن تتبع حياة الايزيدين وصراعهم المرير مع الطبيعة القاسية ووحوشها الكاسرة وصراعهم المرير مع قوى الشر والاستبداد من الطغاة سعيا لابادتهم دون ذنب ارتكبوه سوى تمسكهم بدينهم وعاداتهم وتقاليدهم وحبهم للخير والامن والسلام وحبهم للشمس والنور ونفورهم من الظلام والظلم …
فقد صارع الايزيدي الدب الشرير وتمكن من الخلاص منه ، كذلك تمكن من حزرأس الذئب الشرير بمساعدة ومعاونة الثعابين ، بعدأن عمل خرابا في القرية وافترس الكثير من حيوانات الرعاة ولكنه هزم في نهاية المشوار…
وقد خاض الايزيديون صراعا مريرالعدة قرون مع طغاة البشر من السلاطين والأمراء الاشراء ابتداء بالسلطات العثمانية وطغاتها من السلاطين والشرير أمير راوندوز الأمير الأعور (ميري كوره ) الذي فتك بالرجال واغتصب النساء وقتل الأطفال وبقر بطون الحوامل وحرم عزف الناي في الليل والنهار حتى تم هلاكه على يد سادته من العثمانين ومات شر ميتة مصيره مصير كل المستبدين وألأشرار ، وانتهائا بوحوش العصر من الدواعش الذي اعملوا القتل لرجال وشيوخ وأطفال الايزيدين بأمر من طاغيتهم جيفة المسلمين وليس خليفتهم أبو بكر البغدادي ، وقد قاموا بسبي العشرات من فتيات الأيزيدين وبيعهن في سوق النخاسة في العراق وسوريا حتى تسلط عليهم سيف الحق العراقي وتم تدمير خلافتهم السوداء القذرة …ولحين التاريخ لم يزل الأيزيدين يعانون الكثير من التمييز والتفرقة والتهميش والقتل واالاقصاء وقد أرتكبت بحقهم جرائم ستبقى طمغة سوداء بوجه البشرية جمعاء…
الأيزيديون لم يستمروا في الحياة والبقاء على الرغم من قرون من الظلم والقهر والقتل من قبل عتاة البشر لولا حبهم للحياة ولمبادئهم المتعلقة بالحرية والسلام وحبهم لكل بني البشر وانسجامهم مع الطبيعة ومع النبات والحيوان أنهم عشاق شمس الحرية و((لا أحد يهلك الشمس)
نقول لمن لايعرف منهم الأيزيدين وماهي عاداتهم وتقاليدهم وعباداتهم فليقرأ رواية حمودي عبد محسن ، واضح جدا أن الروائي بذل جهدا كبيرا وكأنه عاش معهم وعايشهم عن قرب فتعرف بعين المبصر الخبير على أدق التفاصيل من حياتهم ، ملاحم الحب والعشق (( هنار و حبيبها ميرزا)) نموذجا لهذا الحب النقي الأسطوري بين الشاب ربيب الجد الحكيم الجد ((كنجي)) هذا القوي الحكيم الذي تمكن من حز رأس الذئب الأسود ، ومن علم ميرزا الكثير من تقاليد وعبادات وعادات الأيزيدين ، ميرزا الذي تمكن من قهر أشد الأعداء ضراوة لتخليص محبوبته هنار من الشر ولكن للأسف تتمكن منها النحلة الذهبية السامة التي تابعت عطرها المغري الفواح لتلدغها على غفلة منها لتودع الحياة ، مما أصاب الراعي ميرزا الكدر وهام على وجهه في الجبال والوديان وعاش مع الكوجك وتعلم منهم الصبر والحكم ونذر نفسه لشعبه ولدينه …
يفسر لنا الروائي معنى شقائق النعمان الزهور الحمراء التي تزين أرض الأيزيدين في الربيع حيث (بحزاني تتوحد في طقوس رأس السنة مع مراسيم عيد رأس السنة البابلي الذي يطلق عليه اكيتو- أذ تبدأ احتفالاته في أول يوم من نيسان ويستمر الى اليوم الحادي عشر من نيسان بينما في بحزاني يستمر أربعين يوما )) رص79 . وهنا يربط الروائي ربطا جميلا بين تلاقح التقاليد والأعياد الايزيدية مع الأعياد والتقاليد البابلية العراقية الأصيلة …
في نيسان يحَرِم الأيزيديون حراثة الأرض كما حرموا الزواج في هذا الشهر (( لأنه شهر زواج الاله بل لنشر قشور البيض الملونة كي تكون هذه السنة الجديدة سنة خير وسلام ووفرة …))ص79. وهنا تعود بي الذكريات الى طفولتي في القرية حيث تحضر لنا أمهاتنا البيوض المسلوقة الملونة في صباح يوم العيد ونلعب لعبة الكسر لنربح بيضة الأخر المكسورة ، هنا امتدادات العادات والتقاليد والطقوس بين مكونات الشعب العراقي في الشمال والجنوب وبين مختلف الطوائف والديانات والقوميات … وخبز (البصوك) الثخين المطلي بالدهن وكأنه يشابه خبر الطابق اوالسياح في جنوب العراق …
يأخذنا الروائي في رحلة جميلة مدهشة مع الغزالة البيضاء حيث ((تأتي غزالة بيضاء مرة واحدة من أقاصي الارض الى بحزاني )) ص37 لتشرب من عيونها وينابيعها ومن ثم تحك جلدها بصخور الجبل تاركة حبات من المسك الاسود فواح العطر لامثيل له …
يعرفنا بالكوجك حسن المعروف بزهده ونزاعته وصبره وصفاء روحه … ويقال ان القوالون وهم فئة من فئات المتديينين في الدين الأزيدي (( يحفظون الادعية عن ظهر قلب ويحفظون مراسيم الاعياد أيضا عن ظهر قلب ، خاصة وقد بطش السيف بهم حوالي ثمنمائة عاما، لذلك صاروا يخشون على طقوسهم )) رص45.
كما يعرض لنا كيف يعتني الايزيدون بأشجار الزيتون وكيف تتم عملية جني الزيتون وكيف يعصرون وينتجون زيت الزيتون … ويرينا آلة (الجقجغ) وآلة الجرجر كآلة لدرس الحبوب ….
ومن هو ((طاووس ملك الذي يدير شؤون الدنيا بحكمته ))(( صار الطاووس شابا جميلا يجلس على كرسي وبيمينه حي
ا. حميد الحريزي
كاتب و ناقد عراقي