مهمة المؤرخ
يجيب المؤرخ عن سؤالين جوهريين يتعلقان بما يروم أرخنته.. الاول: ماذا وكيف حدث؟ والثاني: لماذا حدث؟
في جواب السؤال الاول، هناك تمام الحقيقة ونصفها وربعها ولا شيء منها، ولا بد من سلامة النية والرغبة الكاملة لتدوين الحقيقة كاملة، ومع العجز عن الامساك بها كاملة لا بد من الاشارة الواضحة لهذا العجز، إذ لا يسمح بالتأويل لاستكمال صورة الحقيقة، بل يسمح بمقاربات تستقرب صورة الحدث الناقصة من خلال محاولة التوصيل بين نهايات اطراف الاحداث لتشبيكها مع بعضها وسد الفجوة الناقصة في صورة الحدث.
واما جواب السؤال الثاني، فهو التحدي الاكبر للمؤرخ والمتعلق بتفسير وتحليل محركات الحدث ودوافعه واسبابه، وهو امر منفصل عن جسد الحدث، إذ لا بد ان تتضح فيه هوية المؤرخ، فمن التدليس الخطير ان يدس المؤرخ تفسيره في جسد الحدث وكأنه جزءا منه بحيث تغيب الحدود الفاصلة بين ماهية الحدث وتأويل المؤرخ.
في جواب السؤال الثاني، هناك مدارس مختلفة ومناهج متعددة لتفكيك شيفرة الحدث، وكل منها يحاول تقديم جواب مقنع ل (لماذا وقع الحدث)، ومما لا جدل حوله، ان الاحاطة بالظروف والاوضاع والبيئة الثقافية والاجتماعية وخصوصية الخطاب وعوامل اخرى تتصل بمرحلة وفضاء الحدث، اشتراطات لازمة لتحقيق هذه الاجابة، إذ لا يمكن فهمه فهما كاملا، او على الاقل فهما مقبولا بدونها.
المقتصر على جواب السؤال الاول هو مدون للتاريخ، وهي مهمة جليلة ومعقدة، واما المجيب عن السؤال الثاني دون الاول فهو محلل للتاريخ، ومن يتولى جواب السؤالين فهو مؤرخ ومفلسف للتاريخ، وهي رتبة عظيمة وكبيرة.
ان اخطر احداث التاريخ تلك المرتبطة بالعقائد والاديان والتي يترتب على اثباتها او نفيها موقفا عقائديا او اخلاقيا، وفي مثل هذه الاحداث تتضاعف خطورة مهمة المؤرخ.