د . م . عبد الله احمد
في ظل الأزمة الوجودية التي تجتاح العالم ، قد يكون من المفيد طرح بعض الأسئلة التي قد تكون بوابة لاكتشاف الصدع الذي يقودنا إلى النور بدل الهاوية ….فقد تتمكن هذه الأسئلة من اختراق جدران الأوهام التي تحيط بنا من كل جانب ….
ولكن قد يسال البعض أين هذه الأزمة الوجودية ؟ قد يكون السؤال مبررا لأننا مخلوقات تم برمجتها للتعايش مع الواقع السائد ، ليس فقط التعايش وإنما اعتبار هذا الواقع هو الحقيقة الوحيدة والمطلقة ….
في الحقيقة ، فأنه من المذهل حقا أن نرى أن المجموعات البشرية تستخدم نفس المصطلحات والتعابير اللغوية وبغض النظر عن اللغة التي تستخدمها ، والأمر نفسه ينطبق على الانفعالات وردود الفعل العاطفية ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالحقائق العلمية والأساطير بمختلف أنواعها ….
أما الأزمات فهي نفسها : أزمة الغذاء والدواء …والإمراض ، والجنس والحب وأزمة النفايات والجشع وما ينتج عنه من حروب وأزمات فظيعة ….وهكذا يتعامل الإنسان المعاصر تحت ضغط الحاجة ليتحول وبشكل مبرمج إلى كائن غرائزي …أما الأزمة الأكبر فهي التأرجح بين الايدولوجيا والعلم والأساطير …وتلك حاجة ،يستسلم من خلالها إلى التفسير السائد لجوهر وجوده ….
وقد يكون من المستغرب أيضا العشق الأبدي للتشفير ، فالإنسان يؤمن بكل ما هو مشفر ومرمز بطريقة مذهلة ، بينما يشك في الرسائل والمعطيات الواضحة ، وقد يقول قائل أن عالم التشفير هو عالم مفيد ومذهل فالمعطيات الرقمية التي نرسلها إلكترونا كلها مشفرة ولا يمكن لها أن تنتقل إلا بعد أن تتحول إلى صيغة رقمية …كما أن الرموز والرسوم من أسلافنا القدامى هي مشفرة أيضا ، والأمر أعمق من ذلك، فالشيفرة البيولوجية الفردانية والذاتية الموجودة فينا تحتوى على كم هائل من المعلومات التي نستطيع من خلال قراءتها الوصول إلى حقائق مذهلة ….وقد يكون كل ذلك صحيح …ولكن نسبيا ….لان كان ذلك هو من وجهة نظر العلم السائد ، والذي ليس بالضرورة أن يكون المسار الصحيح ..بل على العكس .
إلا إنه من المستغرب أيضا ..أن تكون الرسائل التي تحملها الديانات مشفرة أيضا ، ولا بد من تفسيريها …..ولكن لماذا تكون الرسائل الدينية مشفرة أيضا ؟ لماذا لا تكون مباشرة وواضحة ؟ المفترض أنها تخاطب العقل….ولكن العقل مغيب …. كما أن هذا التشفير قد أدى إلى ويلات وحروب وقتل وتدمير ….. ماذا لم تحفز هذه الرسائل العقل البشري وتجعله يحيد عن البرمجة النمطية التي نتجت عن وعي جمعي مخادع في لحظة تاريخية ما؟ وهكذا تعمق الجهل والتعمية وأصبح من الصعب إعادة برمجة الوعي الجمعي ليكون خلاقا ورافعا للجنس البشري …؟
من الواضح أن الأديان فشلت في نشر رسالتها وإثباتها لان التسليم لمجرد التسليم بأي أمر يتنافي مع العقل الفطري ، وكذلك فقد فشل المسار العلمي السائد ….
في النهاية ،الكون أعمق مما نرى .. ولقد خلقنا لقراءة هذا الكون بدون شيفرة ..فنحن الشيفرة …وفشلنا اليوم ناتج عن برمجة دخيلة …هذا البرمجة جعلتنا أيضا مخلوقات مقيدة بالنصوص ، وهكذا فالعقل معاق …وتبقى الغريزة في أوجها ….ولا يمكن التغلب على الأزمات إلا من خلال إعادة البرمجة ذاتيا