الدكتور محمد رقية
إن التخطيط الإقليمي لأي منطقة أو اقليم والتنظيم العمراني لأي مدينة أو بلدة أوقرية من المفترض أن يعتمد بشكل أساسي على عامل وحيد وهو توفر الموارد المائية وكل العوامل الاخرى بما فيها موارد الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى والاستعمالات المختلفة وتأثيراتها البيئية ملحقة بالعامل الاساس .
ولو أخذنا هذا الأمر على مستوى سوريا نجد أن سورية تعتبر حسب المعايير الدولية المتفق عليها عالمياً من البلدان شبه الجافة بالمياه نظراً لمواردها المائية المحدودة وحتى لا تكون تحت خط الفقر المائي يجب أن يصل إجمالي موارد المياه المتاحة في سورية إلى 23 مليار م3 على اعتبار خط الفقر المائي هو ألف متر مكعب من المياه سنوياً للفرد سواءً من الطرق التقليدية مثل الينابيع والأنهار والسدود أو الطرق غير التقليدية مثل مرتجعات الصرف الزراعي ونواتج محطات المعالجة مع الأخذ بعين الاعتبار أن إجمالي الموارد المتاحة من المياه في سورية لا تتجاوز 16 مليار م3 بعد عملية البخر حسب مدير الموارد المائية ما يعني وجود نقص بحوالي سبعة مليارات م3 أي أننا في سورية تحت خط الفقر المائي. وهذا ينعكس بفقر مائي في معظم الأحواض المائية في الداخل ومنها حوض بردى والأعوج , الذي يغذي مدينة دمشق وضواحيها وريفها بالمياه .
إن الموارد المائية في هذا الحوض تصل إلى ثماني مئة وخمسين مليون متر مكعب سنويا” حسب تقديرات مديرية حوض بردى ةالأعوج منذ عام 1990 على أساس هطول سنوي مقداره 212 مم .ويمكن أن يهبط هذا الرقم في السنوات الشحيحة بالهطولات , أويزيد في السنوات الخيّرة , بينما تقدر مديرية الموارد المائية في دمشق وريفها هذا الرقم بحوالي مليار متر مكعب حسب معطيات العام الهيدرولوجي 2011-2012) حيث تقدر كمية الموارد المائية السطحية (جريان الأنهار والينابيع وأهمها عين الفيجة ونبع بردى) بحوالي 570 مليون م3 بالعام، وتقدر كمية الموارد المائية الجوفية بحوالي 430 مليون م3 بالعام والتي تستثمر وتستجر عن طريق الآبار سواء لمياه الشرب والاستخدامات المنزلية أو ري الأراضي الزراعية أو الاستعمالات الصناعية والسياحية وغيرها ، يضاف اليها كمية مياه الصرف الصحي المعالجة في محطة عدرا و المقدرة بحوالي 100 مليون م3بالعام والتي تشكل موارد مائية غير تقليدية في حوض بردى والأعوج وتستخدم في ري بعض المحاصيل الزراعية في منطقة الغوطة الشرقية.
إن من ينظر لمدينة دمشق وضواحيها من خلال الصور الفضائبة يجد كتلا” من الأبنية المتصلة تمتد من قطنا غربا” وحتى مدينة عدرا العمالية شرقا” ومن عين منين وقدسيا شمالا” وحتى الكسوة جنوبا” , يشكل منها حوالي 60% أبنية عشوائية لاتسر الناظرين . ونسبة عالية من هذه الأبنية اقيمت على الأراضي الزراعية الخضراء وخاصة أراضي الغوطة , التي تعتبر رئة دمشق وجنتها التاريخية , فقد بينت الدراسة التي قمنا بها في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد عام 2002 عن دراسة التغيرات البيئية الحاصلة في الغوطة وتقييم وضعها بين عامي 1989 – 2001 باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد, بناء على طلب وزارة الإدارة المحلية والبيئة , أن كتل الأبنية العشوائية زحفت على الأراضي الزراعية المغروس أغلبها بالأشجار المثمرة بنسبة كبيرة , كما انخفض مستوى المياه الجوفية ومساحة الأراضي القابلة للزراعة , حيث أبدت التجمعات العمرانية اتساعاً كبيراً فاق الـ 60 % مما كانت عليه عام 1989 (ما مقداره 73.86 كم2). إن النسبة العظمى من هذا التوسع هو توسع عشوائي غير نظامي كالدويلعة و جرمانا و عش الورور وقرى الغوطة وغيرها. وقد زادت مساحة مدينة دمشق بنسبة 24 % أي بمقدار 16.582 كم2 و هذه الزيادة أتت من اتصال بعض القرى بالمدينة كحرستا، بيت سحم، عين ترما، جرمانا، المليحة، ببيلا، عربين، زملكا و غيرها. و قد زاد مجموع مساحات القرى ما مقداره 27كم2 أي 61 %. كما زادت مساحات المباني المبعثرة و التي غالباً ما تنتشر على أطراف الطرقات الجديدة بمقدار أكثر من 21كم2 أي 280 %. و قد نشأ نوع جديد من التجمعات السكنية لم يكن موجوداً سابقاً وهي تجمعات مخالفة ضمن الأراضي الزراعية المختلطة و مساحتها 9 كم2. كما أدى التوجه نحو الاتجار بالعقارات إلى ارتفاع عدد المساكن الخالية المنظمة نظراً لارتفاع ثمنها وانخفاض تكاليف البناء في الأراضي الزراعية الخارجة عن التنظيم. فعلى سبيل المثال بلغ اجمالي عدد المساكن في داريا 11676مسكن وفق تعداد 1994 (موزعة بين المشغولة 8478 مسكن والخالية 3198 مسكن) أي مايعادل أكثر من 27 بالمئة من عدد المساكن .
كما أن مساحة المنشآت الصناعية والسياحية والمحلات التجارية والمنشآت العامة المختلفة أظهرت بدورها اتساعاً واضحاً شأنها شأن التجمعات العمرانية. فالزيادة في مجموع مساحات المنشآت وصل إلى أكثر من 30 % أي بما يعادل حوالي 39 كم2. وقد ازدادت كثيرا” هذه الأرقام في السنوان العشر اللاحقة وزاد في الطين بلة الحرب الظالمة على سوريا وخروج منطقة الغوطة عن سلطة الدولة لعدة سنين , مما زاد من نسبة المخالفات والدمار والتدهور البيئي والمائي في هذه المنطقة . وهنا لابد من التنويه إلى أنه يجب عدم السماح بإعادة بناء الأبنية المدمرة المخالفة والتي زحفت على الأراضي الزراعية مهما كانت الأسباب ويجب إعادة تأهيل هذه الأراضي لتكسب حلتها الخضراء من جديد ووضع مخططات تنظيمية جديدة لقرى الغوطة تلحظ حذف الأبنية العشوائية المخالفة واعتماد التوسع الرأسي في الأبنية بدلا” من التوسع الأفقي.
يتبع