تبقى توقعات مناخ أي فترة قادمة قابل للخطأ في ظل التدخلات التي تجري في الطقس لدرجة أصبحت معها أفضل مراكز التنبؤ لا تستطيع تحقيق دقة في التنبؤات لأكثر من 70% على مستوى الحالة الجوية خلال عدة أيام، فكيف إذا ما تعلق الأمر بالحالة المناخية لعدة أشهر أو سنوات.
أيا يكن تبقى هناك مؤشرات عالمية تتعلق بظواهر معروفة التأثير وأهمها عدد البقع الشمسية ونشاط ظاهرتي النينو/ واللانينا وما يصطلح عليهما اسم التذبذب الجنوبي (ENSO) اي تقلبات درجة الحرارة بين المحيط والغلاف الجوي في الوسط الشرقي الاستوائي. حيث تشير المراكز العالمية التابعة للمنظمة (WMO) للتنبؤات طويلة المدى (GPCs-LRF) إلى أن درجة حرارة سطح البحر ستكون أعلى بقليل على الأرجح في نهاية عام 2019 وحتى أوائل عام 2020، ولكنها تظل ضمن المستويات المحايدة لـ ENSO
بالنظر إلى الظروف الحالية والتوقعات النموذجية ، تبلغ فرصة حدوث ظروف محايدة خلال الفترة من أيلول إلى تشرين الأول 2019 بنحو 60 ٪ ، في حين أن فرص النينيو والنينيا تبلغ حوالي 30 ٪ و 10 ٪ على التوالي.
التنبؤات لـ ENSO محايدة على الجانب الدافئ مما يشير لظاهرة نينو ضعيفة لفصل الخريف والشتاء 2019/2020. لذا يتوقع أن تستمر هذه الحالة خلال فصلي الخريف والشتاء القادم، مما يعني استمرار حالة الجو الرطب والماطر على منطقة بلاد الشام مما يؤدي / لكن ليس بالضرورة/ لتوقع سنة مبشرة بأمطار وفيرة، هذا من جهة، لكن يجب التأكيد أن النينو ليس سببا وحيدا محددا لحالة الجو القادمة، لأن أمطار منطقة شرق المتوسط هي نتاج ما يأتينا من الضغط المنخفض الأيسلندي وهو يتعلق بدرجة حرارة شمال المحيط الأطلسي الذي تتولد منه المنخفضات الكبرى القادمة إلينا عدا عن منخفضات البحر المتوسط .
تراجعت في السنوات الأخيرة عدد البقع الشمسية بسبب هبوط النشاط الشمسي بنسبة 60 % عن العام 2017 مما يؤثر على ظاهرة النينو الآخذة بالانخفاض منذ تشرين الأول عام 2018 والانتقال بنا إلى ظاهرة اللانينيا التبريدية التي تخفض درجات الحرارة في المستقبل القريب .
بناء على ما سبق وبناءً على الأوضاع الضعيفة لظاهرتي النينو والنينيا حسب منظمة الأرصاد الجوية العالمية، والحالة الحيادية التي تبلغ 55 % لعدم حدوث إحداهما ، ينتظر أن يكون شتاء 2020 ماطرا ورطبا وربما أقل من العام الماضي الذي شهد أمطار قياسية وتوقع بسقوط أعنف للبرد والثلوج على ارتفاعات أخفض من السابق مع استمرار تبرد الجو المتوقع خلال الفترة القادمة. ويحتما أن تكون المنخفضات أشد عنفا وأقوى تأثيرا.
ما يروج له من أقاويل حول عصر جليدي هذا يعد من باب الإشاعات والكلام غير العلمي، كما حدث عندما قيل بأن شهر آب سيكون باردا في حين كان الصيف عام 2019 استثنائيا في حرارته. تمدد الجليد لا يحدث بين يوم وآخر، وإن افترضنا أن الكرة الأرضية تمر حاليا بفترة تراجع للنشاط الشمسي، وأن هذا التراجع سيستمر – ولا أعتقد ذلك، لأن النشاط الشمسي يحدث كل 7-17 عاما ، أي وسطيا كل 11 عاما- فإننا بحاجة إلى تراجع حراري يستمر حتى عام 2035-2045 لنصل إلى فترة جليدية مصغرة يتمدد فيها جليد القطب الذي لن يصل قبل 20-50 مليون سنة من التراجع الحراري إلى جنوب أوروبا كما كان يحدث في العصور الجليدية سابقا، والتي كان أكثرها حداثة أثناء العصر البليستوسيني الذي بدأ منذ مليوني سنة وانتهى منذ حوالي 10000سنة، ويرتبط العصر الجليدي أيضا مع تغير في مدار الأرض حول الشمس ومحورها الذي يستمر عشرات آلاف السنين، وهذا لن يحدث في ظل دراسات تؤكد استمرار الارتفاع الحراري بسبب غازات الدفيئة حتى عام 2030.
د. رياض قره فلاح
أستاذ علم المناخ في قسم الجغرافية
جامعة تشرين