د . م . عبد الله أحمد
.
الفوضى، هي حركة هدامة تقوض النظم السائدة ، لكنها حركة تفتقر إلى الاتجاه والى المسار التصاعدي الخلاق ،عوضا عن ذلك فهي تهيئ البيئة للاعبين الخارجيين والانتهازيين لاستخدامها كأداة لتحقيق مصالح لا تخدم القضايا الوطنية أو قضايا الفقراء “افتراضا”، وهم الذين شكلوا عماد الفوضى ووقودها ، وما حدث في الوطن العربي ويحدث الآن يندرج ضمن هذا التصنيف ، كونه أسلوبا مستمدا “الفوضى الخلاقة ” من تنظير الأكاديمي الأمريكي جين شارب …وبالتالي ما حدث ويحدث الآن في معظم الدول العربية وسابقا في أوربا الشرقية هو ذاته “الفوضى الخلاقة ” ، حيث يبدو دور الجمعيات والمؤسسات “غير الربحية” كبيرا جدا وأساسيا في استثمار هذه الفوضى .
الثورة ، هي تغير جذري للوضع السائد لإنتاج حلول خلاقة ،تؤدي بالضرورة إلى الارتقاء بالمجتمع وبالدولة ، والى تحقيق حد أدنى من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ، والثورة لا تعني بالضرورة العمل ألعنفي والانقلابات وغيرها ، لكن الثورة “بالضرورة” مشبعة وموجهة بالأفكار والقيم الخلاقة ، والتي يجب أن تكون منحازة لمصلحة الوطن والمواطن .. إلا أننا لم نجد هذه النمط من الثورات في الشرق العربي بعد …
الدين السياسي لا يمكن أن يكون أساسا لثورة ، لان الدين بحد ذاته يتعارض مع مبدأ الثورات ، كما أنه يقوض المجتمع ويحضر البيئة للتقسيم والصراع .فالدين عامل تقسيم شديد جدا
الجمعيات غير الربحية (تنمية – مساعدات إنسانية …حقوق إنسان ….الخ) هي قناع من أجل اختراق المجتمعات و من أجل تحضير البيئة للمشاريع القادمة ، وغاليا ما تكون هذه المشاريع مستوردة من الخارج ، فاللاعبين الكبار في العالم يستخدمون هذه المؤسسات لتحقيق غاياتهم البعيدة المدى – بالمناسبة لا وجود لشيء “غير ربحي ” تلك المؤسسات هي أكبر كذبة في التاريخ …
إذا ..كيف تحل هذه المعضلة ؟ الفقر الافتقار ، انعدام العدالة المساواة ، الأطماع الأجنبية …الخ! في الواقع هي معضلة ؟، ولا يمكن أن تحل إلا من خلال تغير الوعي الجمعي باتجاه خلاق (ثورة ثقافية)، ولكن ذلك يحتاج بالضرورة إلى بيئة مناسبة ….فالمشكلة ليست في المفكرين أو في قادة الرأي ، وإنما في البيئة التي يسيطر عليها الدين السياسي ، وبالتالي فالأولوية لتغير الأوضاع تكمن في إبعاد الدين عن السياسية وفي تجريم من يقحم الدين في السياسة ، عندها فقط يمكن بناء دولة مدنية علمانية تحترم التنوع وتسعى إلى تحقيق العدالة …الماضي لن يتغير ولا جدوى من الغرق فيه …ولكن لابد من قسر المستقبل لكي يكون منحازا لمصالح الدولة والأمة والشعب ..وعندها يبدأ التغير …وتثمر الثورة الحقيقية ..أما ثورات الخارج فلا جدوى منها …بل هي وصفة للدمار الذاتي .