اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- اذا كانت قضية لواء اسكندرون لا زالت الى اليوم… وستبقى دوما… حية في ضمير كل سوري… فهي لم تحفظ لدى الغرب في سجلات الماضي المغلقة, اذ يتطرق اليها بين حين وآخر المؤرخون والمهتمون بقضايا الشرق… كما تحلل مراكز البحوث حيثياتها ونتائجها الممتدة الى اليوم.
*- عديدة هي المقالات والبحوث والكتب التي نشرت حول هذا الموضوع منذ بدء هذه المسألة… وقد اخترت منها البحوث والكتب والمقالات التالية :
– بحث اكاديمي : مسألة سنجق اسكندرون وأنطاكية (1938)
– كتاب : الاسكندرونة, ميونيخ الشرق, أو عندما استسلمت فرنسا (1999)
– كتاب : من أنطاكية إلى هاتاي, التاريخ المنسي لسنجق الإسكندرون. فرنسا الحكم ؟ (2000)
– بحث في دورية : سنجق الاسكندرون ، مقياسا للعلاقات بين تركيا وسورية (2006)
– مقال : اليوم الذي أعطت فيه فرنسا لتركيا قطعة من سورية (2012)
– مقال : سنجق الاسكندرون : لماذا تم ربطه بتركيا؟ (2013)
*- تضمنت هذه المراجع سردا تاريخيا مفصلا عن حال اللواء قبل تفريط فرنسا به و خلال وبعد الاحتلال التركي.
*- بادىء ذي بدء… اتفقت جميع هذه المنشورات على أن :
– ما فعلته فرنسا يناقض أهم ما تؤمن به وتحرص عليه شرعة الدول والشعوب, وهو السيادة الوطنية… والتي تعني أن الشعب هو المالك لأرض وطنه وهو من يقرر حاضرها ومستقبلها…
– فرنسا بفعلتها هذه خالفت صك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها.
– كل خطوة من خطوات فرنسا وتركيا في سلخ اللواء, كانت تقابله اعتراضات شعبية للرجال والنساء في جميع أرجاء الوطن السوري.
– كما حرصت جميع المراجع الى اليوم على ذكر الاسم العربي السوري لأي منطقة مع الاسم التركي.
*- أهم ما تضمنته هذه المراجع :
– لم تتفق المراجع على مساحة اللواء اذ تراوحت بين 4800 كم² و5175 كم².
– بلغ عدد سكانه آنذاك 297.000 نسمة.
– عبر التاريخ، كانت انطاكية عاصمة اللواء، ومقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق التي هي رأس الكنيسة المشرقية بشقيها الارثوذكسي والسرياني… ومنه خرجت شخصيات بارزة على مستوى العالم مثل إغناطيوس الإنطاكي ويوحنا فم الذهب, ومجموعة من الشخصيات التي لعبت دورًا هامًا على الصعيد الوطني مثل رئيس الدولة صبحي بركات والمفكر زكي الأرسوزي والشاعر سليمان العيسى.
– في العهد العثماني كان اللواء ولاية مركزها مدينة أنطاكية, ثم غدا تابعا لولاية حلب مع بدء الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان… وغدا جزءا من المملكة السورية العربية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى والتي سقطت بيد الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون.
– تضمنت مراسلات الشريف حسين مع مكماهون في عام 1915 على نص واضح بتبعية المناطق الواقعة جنوب جبال طوروس إلى الدولة العربية الموعودة وعينت حدودها الشمالية خط يقع شمال مرسين ـ أضنة مما يشتمل على بيره جوك، أورفة، ماردين، فديان، جزيرة ابن عمر، عمادية.
– كان لواء اسكندرون في اتفاقية سايكس – بيكو (1916) داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي بمعنى أن المعاهدة اعتبرته سورياً.
– في معاهدة سيفر عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة وسورية منطقتي الاسكندرون وكيليكيا (أضنة ومرسين).
– بعد توحيد الدويلات السورية التي شكلها الانتداب الفرنسي، ضُم اللواء إلى السلطة السورية المركزية.
– نصت المعاهدة بين سورية وفرنسا في 1936/09/09, أنه عند نهاية الانتداب تنقل إلى الحكومة السورية جميع الحقوق والواجبات الناجمة عن المعاهدات والاتفاقيات التي عقدتها الحكومة الفرنسية فيما يخص سورية….
– رفضت تركيا إبقاء لواء الاسكندرون ضمن الدولة السورية وطلبت تحويل هذه المنطقة إلى دولة مستقلة شأن دولتي سورية ولبنان، وإنشاء اتحاد فيدرالي بين الدول الثلاث.
– رفضت فرنسا هذا الطلب، استناداً إلى صك الانتداب الذي يمنع الدولة المنتدبة من التنازل عن أي جزء من الأراضي المنتدبة عليها، دون موافقة عصبة الأمم…. لتتنازل عنه لاحقا ؟؟؟
– ردا على الاتفاقية الفرنسية السورية, أرسلت الحكومة التركية إلى السكرتير العام لعصبة الأمم مذكرة في 1936/12/08 تطلب فيها تسجيل وبحث الخلاف بين فرنسا وتركيا على مصير اللواء بعد استقلال سورية.
– عند مناقشة مجلس العصبة للخلاف التركي – الفرنسي… اتسع هذا الخلاف بين الطرفين وبخاصة الادعاءات التركية… فاقترح مقرر المجلس إرسال مراقبين دوليين إلى اللواء لدراسة الحالة فيه. وقد عارض مندوب تركيا هذا الاقتراح. ولكن المجلس وافق عليه بعد أن استنكف المندوب التركي عن التصويت.
– عين رئيس المجلس ثلاثة مراقبين… هولندي ونرويجي وسويسري، وطلب إليهم السفر فوراً إلى اللواء.
– في 1936/12/28, وصلت اللجنة إلى أنطاكية، وطافت في مختلف المناطق والنواحي، وتعرفت على فئات السكان، واجتمعت مع وجهاء الطوائف والزعماء والهيئات السياسية والدينية واستمعت إلى مطالبهم. كما زارت مدن الريحانية والاسكندرونة والسويدية. وفي جميع المدن والقرى العربية والأرمنية التي زارتها تم استقبال اللجنة بمظاهرات عبر فيها السكان عن تمسكهم بوطنهم سورية.
– في 1937/01/12, قام عرب أنطاكية والقرى المجاورة بمسيرة شعبية أمام اللجنة الدولية، مشى فيها ما يقارب 40.000 من العرب والأرمن، حملوا فيها الأعلام السورية واليافطات التي تعبر عن أمانيهم ومطالبهم بالمحافظة على ارتباط اللواء بالوطن السوري.
– عادت اللجنة إلى جنيف وهي تحمل عدة انطباعات منها أن الأتراك لا يشكلون أكثرية السكان في لواء الاسكندرونة، وأن الغالبية العظمى من سكانه تعارض ضم اللواء إلى تركيا، وأن الأتراك في اللواء ليسوا مضطهدين من جانب السلطة المحلية كما تدعي الحكومة التركية.
– خلال وجود اللجنة في اللواء، جرت محادثات فرنسية تركية، نتج عنها في 1937/01/24 اتفاق بين الدولتين على جعل اللواء منطقة مستقلة ذاتياً مجردة السلاح في نطاق الوحدة السورية.
– اتخذ مجلس عصبة الأمم هذا الاتفاق كأساس ليبني عليه نظام وقانون أساسي للواء. وأقرت هذه الخطوة في جلسة عقدت في 1937/01/29 متضمنة تشكيل لجنة من 6 خبراء من بلجيكا، هولندا، بريطانيا، السويد، فرنسا، تركيا.
– في جلسة بتاريخ 1937/05/29, أقر مجلس العصبة نظام اللواء وقانونه الأساسي.
– تضمن نظام اللواء 55 مادة… أهم ما فيها تعيين مندوب سامي فرنسي. واعتبار اللواء منطقة مستقلة داخليا تدار أمورها الخارجية من قبل سورية ويمثل اللواء السفراء والقناصل السوريون… كما تكون المنطقة مجردة من السلاح وبدون قوات عسكرية ما عدا قوات الشرطة لحفظ الأمن والنظام… بالاضافة الى تنظيمات ادارية بالتساوي.
– تضمن القانون الأساسي 37 مادة… ضمن فيه للمواطنين جميع الحقوق الأساسية والحريات العامة.
– بتاريخ 1937/12/10, انتهت اللجنة التي شكلها مجلس العصبة من وضع قانون للانتخابات متضمنا في مواده الواجب على كل ناخب أن يسجل نفسه في الطائفة التي ينتسب إليها.
– اعترضت تركيا على هذه المادة، وطلبت أن يسمح لكل ناخب أن يسجل نفسه في الطائفة التي يختارها، فتمت الاستجابة لهذا الطلب وعدلت المادة !!!
– سمحت فرنسا لتركيا بفتح قنصلية عامة لها في أنطاكية وأخرى في الاسكندرونة وأصبح القنصل العام في أنطاكية هو الذي يسير دفة الأمور في كل ما يتعلق بشؤون الانتخابات. كما سمحت فرنسا لتركيا بإدخال أكثر من 25.000 ناخب من تركيا إلى اللواء، ومنحتهم تذاكر هوية لوائية سورية يستطيعون بموجبها ممارسة حق الانتخاب.
– بدأت عمليات تحضير الانتخابات (تسجيل المنتخبين) واجراؤها مع وصول اللجنة الدولية الى اللواء بتاريخ 1938/04/21 والتي تضمنت 26 عضوا ليس من بينهم أي فرنسي أو تركي.
– كمثال : في قضائي الإسكندرونة وقرق خان حصل العرب والأرمن على 11364 ناخباً، بينما حصل الأتراك على 9914 ناخباً. وبعد إعلان نتائج عمليات تسجيل الناخبين في القضائين المذكورين أصبحت نتائج التسجيل في اللواء مضمونة لمصلحة العرب، وأن فشل الأتراك بالحصول على الأغلبية، أصبح مؤكداً ولاشك فيه.
– ملاحظة : خريطة توزع السكان تبين فيها أن السوريون هم الغالبية وينتشرون في أغلب أراضي اللواء وأن أكبر مدينتين انطاكية واسكندرون موجودتان في المناطق ذات الأغلبية السورية. (الأغلبية التركية في مناطق اللون الأصفر).
– هذه النتائج الأولية التي لا تناسب تركيا… دفعها بتاريخ 1938/05/28 لتذيع وتنشر ما مفاده أنها عقدت انفاقا سريا مع فرنسا بتاريخ 1938/05/10 تعهدت فرنسا بموجبه ضمان أغلبية تركية في مجلس اللواء المقبل المنتخب. غير أن هذا التعهد ترددت فرنسا بتنفيذه… فحشدت تركيا قواتها على حدود اللواء وأنذرت فرنسا باحتلاله.
– استجابت فرنسا للطلب التركي فأعلنته على لسان مندوبها في اللواء خلال اجتماع عقده في دار بلدية أنطاكية لزعماء الطوائف العربية والأرمنية ليتحرك الشارع في اللواء منددا بما حصل.
– رفض الزعماء هذا الاعلان فقامت فرنسا بإعلان الأحكام العرفية والطلب إلى اللجنة الدولية وقف عمليات تسجيل الناخبين لمدة 5 أيام ثم 4 أيام أخرى لتقوم خلالهم بعدة إجراءات تعسفية تضمن غلبة العنصر التركي.
– عندما استأنفت اللجنة الدولية أعمال التسجيل, قامت المليشيات التركية بتطويق مراكز التسجيل في الأحياء والقرى العربية، ومنعت الناخبين من الوصول إليها، واعتقلت كل من يحاول كسر الطوق الذي ضربته حولها.
– احتجت اللجنة الدولية على هذا الإجراء وأذاعت بيانا في 1938/06/09، جاء فيه أن اللجنة أوقفت أعمال التسجيل بعد تحققها أن قسماً من الأهالي كان خلال مدة التعليق موضع اعتقال وإرهاب وتخويف من جانب السلطات التركية.
– أرسلت اللجنة برقية إلى السكرتير العام لمجلس العصبة في 1938/06/13، أبلغته فيها بيانها المتضمن فضح تآمر فرنسا وتركيا على حرية الانتخابات وتزويرها لمصلحة الأتراك. وعندما عمم السكرتير العام هذه البرقية على أعضاء المجلس قطعت فرنسا وتركيا علاقاتهما مع اللجنة وطلبتا من مجلس العصبة استدعاؤها. واتفقتا بتاريخ 1938/06/23 على إدخال 2500 جندي تركي إلى اللواء بحجة المشاركة في حفظ الأمن مع القوات الفرنسية.
– استمرت اللجنة في أعمال تسجيل الناخبين… فأقدم الأتراك على توقيف مخاتير القرى وممثلي الطوائف العربية لدى مكاتب التسجيل، كما أوقفت الزعماء والشباب العرب، وملأت السجون بالمعتقلين، فاضطرت اللجنة إلى إغلاق مراكز التسجيل.
– غادرت اللجنة اللواء إلى لبنان، أعدت فيه تقريرها النهائي (150 صفحة) ذكرت فيه جميع الأعمال التي قامت بها، والنتائج التي حققتها في التسجيل، والتي أظهرت تفوق العرب عددياً على الأتراك، كما ذكرت فيه أعمال الضغط والإرهاب التي مارستها السلطات الفرنسية والتركية ضد العرب. ورفعت تقريرها بتاريخ 1938/07/30.
– خلال ذلك انسحبت فرنسا بشكل نهائي من اللواء… ليدخله الجيش التركي في 1938/07/15… ولتقوم تركيا بضمه وإعلانه جزءًا من الجمهورية التركية تحت اسم هاتاي… ولتعدل الحدود لاحقا المفوضية الفرنسية وتستثني بلدة كسب الأرمنية التابعة للواء… بحيث تتبع محافظة اللاذقية…
– كانت مؤامرة حيكت بين الطرفين، ضمنت بموجبها فرنسا دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية….
– حسب إحصاءات 1939 كانت غالبية سكان اللواء مؤلفة من سوريين موزعين بين سنة، وعلويين، ومسيحيين، وأرمن، ولم تتجاوز نسبة الأتراك فيه 35-30 %.
– في عام 1939… أشرفت فرنسا على استفتاء حول الانضمام إلى تركيا… فاز فيه الأتراك الذين تلاعبوا بالأصوات لصالحهم (ارسال الآلاف من الداخل التركي للمشاركة بالاستفتاء)… لتبدأ سياسة التتريك بتهجير الكثير من السكان الأصليين إلى الوطن السوري… حيث سرقت أغلب أملاك وأراضي السوريين الزراعية… ثم قامت تركيا بتغيير كافة الأسماء من العربية إلى التركية… محاولة عدم ترك أي مؤشر على الأرض للهوية السورية للواء…. ولكن تبقى وثائق عروبة وسورية اللواء لاتعد ولا تحصى… ودامغة.
*- أصدقائي… اخوتي في الوطن… اللواء سوري… سوري… سوري… ولن يبقى سليبا.