ملحمة ( عودةُ الأرواح )
( جحيمُ المعركةْ )
***1945***
انتهتْ براكينُ الغضبِ الكونيْ
وانطفأتْ ألسنةُ اللهبِ
على أجنحةِ الفراشاتْ
رذاذٌ دافىءٌ يتساقطُ على براعمِ الورودِ
بعد غيابْ
الأرواحُ الطيبةُ مرت بسلامْ
بينما العالمُ يلامسُ أطرافَ الفناءِ الأبديْ
كنتُ في رحمِ أميْ
وشبحُ الحربِ
مازالَ يتغلغلُ في شرايينيْ
عبرَ طرقٍ همجيةْ
جعلتني مارداً
يعيشُ في محميّةْ
تجاوزَ حدودَ الحواسِ الخمسةْ
وانسلخ عن جدران وجوده المظلمةْ
الى أماكنَ قدسيةْ
أشبه بيومِ العرضِ على الصراطْ
غيومُ الأرواحِ تحلقُ كالنسورْ
هل يفنيها العبورْ
كما أفنتها جحافلُ الطغاةْ
هل تستعيدُ حقَها في الحياةْ
وتظفرُ بعد الموتِ بالنجاةْ
تُلملمُ أشلاءَها
وتمسحُ عن وجهِهَا آثار الدماءْ
لتلقى إلهاً في السماءْ
تشكو عالماً من النفاقْ
إ ستفاقَ في عقلهِ شيطانٌ طاغيةٌ مجنونْ
لبستْهُ لعنةُ الإجرامِ والمجونْ
جعلَ الدبابةَ ملاكاً للموتِ
والبندقيةَ منكراً والمدفعَ نكيرْ
والطائرةَ رسولُ الموتِ الجماعيْ
تدميرُ الحجرِ سنتُها
وقتلُ البشرِ صلاةُ الفرضْ
تشكو أرباباً في الأرضْ
قالوا إننا من طينْ
وإنهم آلهةٌ من نارٍ مشتعلةٍ وبراكينْ
وقفت على ركامِ الأرضِ مُنتصرةْ
وأخرى خائبةً مُنكسرةْ
بيدها قلمٌ من ضلعِ شهيدْ
نزيفُ دمائِهِ فاضَ في المحبرَةْ
على خرائطِ التقسيمِ جعلوهُ ِمسطرةْ
قسمونا وتقاسمونا
هباتٍ وقرابينْ
هذا لنا
وذاكَ لكم
ومالَكُمْ ليس لكمْ
أقلامُنا من ضلعِكمْ
ترسمُ لكم حدودَكم أعلامَكمْ
نومَكم وصحوَكُمْ
ترسم شكل لباسكمْ
كم زوجةً
كم ولداً
كم جاريةْ
في بيتِكم
نشتري منكم زيتَكم
وفي جيبنا حسابكم
الملكُ هذا جدكم
أكلنا منه رغيفَه وأكلَ بعضَ رغيفنا
كتبناه حليفَنا
وضلعاً من الآلهةْ
روحُهُ من روحِنا
ونبضُهُ من نبضِنا
صلوا عليه وسلموا
ادعوا له
حجّوا له
صوموا له
حلالكم حلالُهُ
سريركم سريرُه
أزواجُكُم أزواجُهُ
أولادكم أولاده
من يعترضْ
سيحترقْ وينقرضْ
( النكبة )
** 1948**
هدأَ جحيمُ المعركةْ
لملمَ أريزُ أعضاءَهُ المبعثرةْ
وأعادَ شكلَ الآلهةْ
فِرْقَتُهَا غشاوةٌ على العيونْ
وفي السرِ متصالحةً ومنسجمةْ
أدواتُ سحرِهَا
السيفُ والمقصلةْ
على الراياتِ كَتَبَتْ
مُسْتَعْمَرَةْ ومُسْتَعْمِرَةْ
وراياتُنا مكشوفةٌ
عورتُها مهدورةٌ
على مسرحِ التاريخِ
باتت مهزلةْ
فَتَحَتْ في فلسطينَ المزادْ
بصمةٌ من الإبهامِ
تحقق لك الأحلامْ
تجعلك على العرشِ إمامْ
وكان ياما كان
في سالفِ العصرِ والأوانْ
بضربةِ فأسٍ مشؤومْ
وبصمةِ ملكٍ مهزومْ
شطروها نصفينْ
بعقدٍ وشاهدينْ
لهم بيادرُ القمحِ وأشجارُ الزيتونْ
وبياراتُ البرتقالِ والليمونْ
ولنا خيامُ الشَتاتْ
وأضغاثُ أحلامٍ صارتْ
في صقيعِ الشتاءِ
فُتاتْ
من رحمِ الأرضِ
صرخَ الجنينْ
قطعوا حبلَ مشيمتي
من الشريانِ الى الوريدْ
بسيفِ عدلِكَ المسمومْ
آهٍ وأواه
يومَ أعلنتَ النفيرْ
وركبتُم على ظهرِ البعيرْ
كرٌ وفرٌ وفرٌ وفرْ
بعتم رجالا ًجاؤوا
من كلِ بحرٍ وبرْ
ليحاربوا شياطينَ تختبىءُ خلفَ جدارْ
يحملونَ الضوءَ على أفواهِ بنادقِهم
بيدِهم حفنةٌ من ترابْ
يضغطونَ عليها
في لحظةِ الألمِ العظيمْ
وفي قلوبِهِم نبضٌ يناديهم
ارفعوا أيديكم في وجهِ أريزْ
آلهةُ الشيطانِ تدخلتْ
عند الرمقِ الأخيرْ
ومعها جيشٌ من الجِنِّ
يقودُهم إبليس
حولوا أصحابَ الأرضِ
إلى جياعْ
صاروا وجبةً لكلِ الضباعْ
وكما فعلَ الغرابْ
دفنوا في باطنِ الأرضِ
الحالمينَ بوطنٍ
صار في عتمةِ الليلِ سرابْ
ومعهم حَفْنَاتُ الترابْ
ننتظرُ اليومَ الموعودْ
لتنبتَ فيها بيادرُ القمحِ وأشجارُ الزيتونْ
نحررُ المسيحَ من صليبِهِ
ويعلو صوتَ بلالٍ من مئذنةِ الأقصى
بالتكبيرْ
رُفعَت الجلسةْ
وصدرَ حكمُ البغاءْ
وعلى المتضررِ اللجوءُ الى القضاءْ
وبدأ الإحتفالْ
اليومَ نشربُ نخبَ هذهِ البيعةْ
في سوقٍ سيءِ السُمْعَةْ
كأسك يا إمامَ العرشِ العظيمْ
كأسُ الشيطانِ الرجيمْ
كأسُ مريمَ العذرا
كأسُ قبةِ الصخرةْ
كأسُ المسجدِ الأقصى
كأسُ زفةِ العروسْ
كأسُ عقدِها الديوثْ
كأسُ حظِنا المنحوسْ
كأسُ الضحكةِ والدمعةْ
على وطنٍ صارتْ شمسُهُ شمعةْ
( القرار )
****1956
البيضةُ والحجرْ
لعبةُ الكبارْ
الفائزونَ دائماً على طاولةِ القمارْ
بيدقٌ على رقعةِ الشطرنجِ يُخالفُ المسارْ
قفزً فوقَ الأسوارْ
وانتقلَ الى مربعِ الأخطارْ
أعلنَ تأميمَ القرارْ
رسمَ الحروفَ ووضعَ النقاطْ
انتهى عهدُ الأرستقراطْ ْ
جُنَّ جنونُ صاحبِ الكازينو والمومسُ
واللاعبُ المغوارْ
كيف لبيدقٍ صغيرْ
أن يصادرَ العبيرْ
يضعُ على رأسهِ التاجْ
يُحركُ القلاعَ والبيادقَ والوزيرْ
هددوه بالرجوعِ عن قرارِهِ والعدول ْ
ببرقٍ ورعدٍ وسيولْ
اجتمعَ عليه الجميعْ
بتحالفٍ وضيع
بدأَ الهجومُ كالتتارْ
التفَّتْ حولَهُ النجومْ
والشمسُ والقمرُ والغيومْ
نقطةٌ على الصادْ
صرختْ الضادْ
قلبتْ رقعةَ الشطرنجْ
حطمتْ قلاعَ الإفرَنجْ
البيدقُ وزيرْ
الوزيرُ خفيرْ
والملكُ ْ ضريرْ
جولْ جمالَ في الطوربيدْ
في قلبهِ بور سعيدْ
قبّلَ الصليبْ
ورفعَ السبابةَ الى السماءْ
وأشهدَ أن لا إله إلا الله
وشقّ عنانَ البحرْ
اخترقَ بإيمانهِ الصخرْ
فجّرَ مراكبَ البلاءْ
تطايروا في البحرِ أشلاءْ
صاروا وليمةَ عشاءْ
للحيتانِ والأسماكْ
وعلى طاولةِ الجبناءْ
صرخَ الحذاءْ
فرّوا مذعورينْ
الى جحورِهِم مهزومينْ
وروحُ الشهيدْ
تصرخُ في السماءْ
نحن أحياءٌ لن نموتْ
وان مُتْنَا سنحيا من جديدْ
( النكسة )
** ** 1967
آلهةُ الموتِ تُكشِرُ عن أنيابِها
في السماءْ
تُنذرنا بمخاضٍ يؤسِسُ المكانْ
جنينٌ في رحمِ سمكةِ السردينْ
جاءَ مع نسائمِ الصباحْ
يحصدُ أرواحَ الفراشاتِ النائمةِ
في أحضانِ الورودْ
بينما ذكورُها في أوكارٍ ليليةٍ
نائمونَ على أجسادِ العاهراتِ
يلمعونَ النجومَ والنياشينَ
بماءِ الحسناواتِ
وعرقِ النهودْ
أَيقَظَنا الخوفُ والوجومْ
قطيعٌ من الغربانِ يحجبونَ زرقَةَ السماءْ
بلونٍ أسودَ ونعيقِ بكاءْ
وكأننا في يومِ الحسابْ
تفقدتُ وطني تحت وسادَتي
تبللتْ يدي بدماءٍ
لاتُشبهُ لونَ الدماءْ
مشيمةُ جنينٍ من نطفةِ غريبْ
شيءٌ مُعيبْ
يقيني في اضطرابْ
وأنا أحاولُ أن أُمسِكَ بحَفنةٍ من ترابْ
أصنعُ منها نافذةً
على البحرِ
أقفُ أمامَهُ خائباً
لو أني أملكُ غلاصمَ الأسماكْ
لرسمتُ طريقي تحتَ الماءْ
أبحثُ فيها عن تفسيرٍ
لكابوسٍ مخيفٍ يؤرقني
يعبثُ في عقلي كلما حاولتُ النوم
يهمسُ في أذنيّ شبحٌ
من الوساوسِ والأوهامْ
لو أني أفهمُ لغةَ الأسماكْ
لوضعتُ سمكةَ السردينْ
في قفصِ الإتهامْ
ووجدتُ عندها ضالتي
متخفيةً خلف أبوابِ الغموضْ
كيف استطاعتْ بضآلتِها
أن تبلعَ سمكةَ الدلفينْ
في حفلةٍ تنكريةٍ
وفي وضحِ النهارْ
وهي تراقصُها على موسيقى التايتنكْ
كيف استطاعتْ
أن تجعلَ جوفَها بمساحةِ الكونْ
تُباعدُ حدودَ جسدِها
لتهضمَ حجمَها الكبيرْ
موجعٌ هذا السؤالْ
وموجعٌ الجوابُ المعتقلُ في قاعِ البحارْ
أقفُ على حوافِ الأمنياتِ
خائفاً من الغرقِ
وأنا أبحثُ عن وجهِ الحقيقةْ
إلى جانبي عازفٌ
يُذكرني بشخيرهِ على أوتارِ الكمانْ
بالإنهيارِ الكبيرِ في بيتِنا
وعلى إحدى جدرانِهِ
ذُبِحَتْ شجرةَ العائلةْ
وانتحرَ إطارُها المولودُ من رحمِ السنديانْ
لقد ضللنا الطريقْ
لا أسرابَ طيورٍ تتبعُنا ولا رفيقْ
تفوحُ من عقولِنا رائحةُ الخيانةِ
كرغيفِ خبزٍ متعفنٍ في جيبِ فقيرْ
كغشاءٍ تمزقَ بفعلٍ حرامْ
وصارَ طريقُه معبراً
للملثمينَ بريشِ النعامْ
قصيدتي تُصابُ بالإغماءْ
وهي تسمعُ قرارَ الزعيمْ
بالتنحي عن المهامْ
كأننا مرميونَ في قعرِ الجبِ لآلافِ السنينْ
وعقولُنا مفخخةٌ بالذئابِ والثعابينْ
تُرعِبُني هذه النافذةِ
المفتوحةُ على البحرِ
وقد بدأتُ أتعلمُ لغةَ الأسماكْ
لو أني أُغلقُها بعشراتِ القصائدِ الدرداءْ
التي هشَّمّ الوجعُ كلماتِها
ولكن كيفَ نجعلُ هذه الحمامةَ الميتةَ
ترفرفُ بجناحيها وتطيرْ
كيف ندفعُ تلك الغيومَ الداكنةَ
في قهوةِ الصباحِ
بقرونٍ من عجينْ
كيف أجعلُ النبتَةَ تُغني
على فوهةِ البندقيةِ التي قتلتنا
وتعكسُ بنا المسيرْ
نعودُ الى تلكَ الرقصةِ
التي بلعتنا فيها سمكةُ السردينْ
كي نرسمَ الحكايةَ
بثوبٍ جديدْ
( رياحٌ تشرينية )
** 1973 **
أُلوحُ بثوبي المهترىء
لرفيقِ الحُلُمِ المطوّقِ
بأوجاعِ الهزيمة ْ
تنسَلُّ من عُرَاهُ ديدانُ النكسةِ القميئةْ
تعالَ نفكُّ أصفادَ الصرخةِ
المكبوتَةِ فينا
نشكلُ من جَناحينا نِسراً
يفرُّ من نافذةِ الظهيرةْ
إلى مخدعِ الجريمةْ
يُهشمُّ أحلامَ الغاصبَ ويُكفِنُها
بصرخةٍ وعناقيدَ غضبٍ
ويُفجّرُ إنطلاقَتَها
العظيمةْ
الأرواحُ تخرجُ من عَتْمَتِها
تسيرُ في حفلٍ جنائزي
تحاصرُ التنينَ الجاثمَ
في عقولِنا
برياحٍ تشرينية
زرعتْ بذورَ البطولةِ
على الهضابِ وقممِ الجبالِ
واقتلعتْ أنيابَ الوهمِ الذي لايُقهر
صار الموتُ ذليلاً أمامَ
إرادةِ الحياةْ
أعادتْ التماهي بينَ الأرضِ والإنسانْ
بين الماءِ والترابْ
بين رفاةِ أجدادِنا المجبولةِ بالطينْ
وهذا اليقينُ بانَ الوصولَ معاً
الى القمةْ
هو الوصولُ الى ذروةِ الحياةْ
هو الوصولُ الى الفردوسِ والخلاصْ
حيث عظمةِ الروحِ
البشريةْ
ها هي أرواحُنا ترقصُ بين أيدينا
تطيرُْ معنا في موكبٍ ملائكي
وهذا التنينُ يلاحقُنا يريدُ التهامَها
بينما تعزفُ أوتارُ الربابةِ
موسيقى الحياةْ
بما تحملُها من طاقةٍ جبارةْ
حولت القبورَ إلى عمارةْ
لم نعد أموتاً
بل أحياءً
نروي ظمأنا
بكأسٍ من الأمنياتِ المُعَتَقةْ
وأنا أنتفضُ كطائرِ الفينيقْ
أجمعُ ريشي المتطايرَ
على مفاتنِ الكلماتْ
عليَّ أن أنجزَ ماعجزتُ عنه
قبل تلك الظهيرةْ
عليَّ أن أزيلَ الإرهاقَ عن قصائديْ
والحكاياتْ
أشعرُ انَ عقلي
تحررَ من المهانةِ الأبديةْ
وأنَ بصري
يرى ألوانَ الطيفِ وحدودَ
النهاياتْ
لأولِ مرةٍ أرى عينيكِ الخضراوينْ
يسكنانِ هذه المساحةَ البيضاءَ
وهذا الكحلُ الذي يرسمُ حدودَ
الفرحِ والأمانْ
لأولِ مرةٍ أشعرُ أنَ لأحمرِ شفتيكِ
طعماً يتجاوزُ حدودَ الزمانِ والمكانْ
لأولِ مرةٍ أشعرُ أن للعاشقِ روحٌ
تتفجرُّ في ذروةِ الأرضِ
كالبركانْ
( القطار )
** 2011 **
آلافُ القطاراتِ الخائبةِ
تمرُ عبرَ سراديبٍ مظلمةٍ في عقولنا
محملةٌ بعروشٍ زائفةٍ
وديكتاتورياتٍ من ورقِ السيلوفانْ
وبقايا رصاصاتٍ طائشةٍ
ملطخةٍ بدماءِ الخرافاتْ
بُعثتْ من تحتِ الرمادِ الملتهبِ
تبحثُ في مخدعِ القصيدةِ
عن ظبّيةٍ انطلقتْ تجوبُ الغاباتْ
أيُ شراعٍ هذا
يتبادَلُهُ القراصنةُ كراياتِ سلامْ
أيُ صوتٍ هذا يجوبُ شوارعَ البلادْ
هديلُ حمامٍ على نعيقِ غرابٍ
فحيحُ أفاعٍ على عواءِ ذئابْ
يحملُ على جسدِ موسيقاهُ الصاخبةِ
لعنةَ ميدوسا حولتْ عيونَ الناسِ
إلى حجرْ
أوفعلةَ أبروميثيوس سرقَ النارَ
وأعطاها للبشرْ
يا إلهي ما هذا الطوفانُ المحمولُ إلينا
على أجنحةِ غربانٍ سوداءْ
يرسم بريشةِ فنانٍ مغمورٍ أحلاماً باهتَةً
وسيولاً من رؤوسٍ مشرعةٍ على قممِ السيوفْ
يضيءُ بها نهودَ النساءِ وضفائِرَهُنَّ المذهبةَ
يحصدُ على أجسادِهِنَّ بمنجلٍ قديم ٍ
سنابلَ قمحٍ ناضجةٍ
يا إلهي ماهذه الريحُ تسيرُ بسرعةِ الآه
الخارجةِ من قلوبٍ محترقةٍ
متجهةٍ نحو السماءْ
تجرُّ خلفها عربةً محملةً بآلافٍ
من الجنودِ المتجمدةْ
لاملامحَ لهم سوى سبابةً واقفةً
وفمُها ينطقُ الشهادتينْ
وبيدها قلمٌ على شكلِ سيفْ
يشطرُ قلبَ الأرضِ الى نصفينْ
والنصفُ الى ربعينْ
لم نعدْ نعرفُ كيفَ نلملمُ أشلاءَنا
قلبي في المربعِ الأولْ
ينبض بإسمي روميو وجولييتْ
كي يوقفا برشفةٍ من شفتيهما
هذه الريحُ المجنونةْ
ورأسي في المربعِ الثاني
فيه مقبرةٍ بوسعِ الفضاءْ
دفنتُ فيها أحلامي ومازالتْ جثثُ قصائدي
تلتمسُ الطريقَ إليها
وبالمربعِ الثالثِ
تبحثُ النادلةُ في المقهى عنيْ
وبيدها فنجانُ قهريْ
وعلى طاولتي يترنحُ دفترُ قصائديْ
ممتلئاً بحزني وضجريْ
وأعقابِ سجائريْ
وحبيبتي في الرابعِ من المربعات تسألني .. تناديني
أيُ مخاضٍ غريبٍ هذا
وأيُ حملٍ مُريبْ
من أرضٍ لم تُصاحبْ ولم تضاجعْ
في باطنِها أرتالٌ من الأكاذيبْ
كحمرةٍ على شفتي مومسٍ عادت للتوِ من أداءِ فريضةِ الحجْ
تعالَ حبيبي
نرتدي ثوبَ السحرةِ والعرافينْ
نحضُّرُ الأرواحَ
ونكتبُ الأسماءَ
ونسمعُ موسيقى العازفينْ
علَّنا نكشفُ بعضَ الحقيقةْ
تعالَ نضعُ تاريخَنا على الطاولة
نشمُّ رائحةَ الهواءِ القادمِ منذُ آلافِ السنينْ
نكفُ عن البكاءِ
نكفُ عن احتطابِ الأجزاءِ المعطوبةِ من أجسادِنا
نصنعُ من أحزانِنا بلبلاً يغنيْ
المقطعَ الأخيرَ من سيمفونيةِ الحياةْ
تعالَ نفكُ لغزَ هذهِ الصرخةْ
لنخرجَ من قبرِ الصمتِ والهروبْ
نختبىءُ خلفَ كحلِ امرأةٍ
فقدتْ للتوِ ابنتَها الوحيدةْ
أو خلفَ جنينٍ خرجَ للتوِ من مخبأهِ
وكان أبوهُ مشروعَ شهيدٍ على صدرِ الجريدةْ
ليتني شاعرٌ يتلمسُ طريقَهُ إلى مضجعِ الحقيقةْ
لصرختُ بطريقةٍ غريبةٍ تشبهُ بكاءَ الطيورْ
وجعلتُ دموعي متكأً يُريحُ جسدَ القصيدةْ
القلمُ العاقُ لا يستجيبُ لي
أشباحُ أرواحٍ وأصواتٌ تٌجبرهُ على المسيرْ
وهو يحاولُ تفادي النومَ على السطورْ
أُمسكهُ بإحكامٍ بينَ أصابعيْ
وقد شارفنا على نهايةِ الطريقْ
لم يشغلْني سقوطَ القذيفةْ
ولا صرخاتِ استغاثةٍ من امرأةٍ عفيفةْ
أجبروها على نزعِ ثيابَها أمامَ مجموعةٍ من الملثمينْ
لم يخفْني هذا الغولُ القابعُ في أعماقيْ
حاملاً سيفَه ُ
يهددُني بفصلِ رأسي عن جسديْ
بصرخةٍ وتكبيرةْ
كما يفصلُ بضربةِ خنجرٍ ثمرةً تكوّرتْ ونضجتْ
وكانت على عرشِها أميرةْ
الحبرُ يجبرُ القلمَ على الخضوعِ والسيرِ على السطورْ
وهو يرتجفُ بين أصابعيْ
يحاولُ أن يتماسك َ
وحشدٌ من الأرواحِ تتزاحمُ أمامَهُ
التاريخُ يضجُّ أمامي على الطاولةِ
يمر كفيلمٍ سريعْ
كما نرى ونحن نحتضرُ
ماضينا بشكلٍ مريعٌْ
عبارات متداخلةٌ وموسيقى صاخبةْ
أصواتُ خيولٍ وقرقعةُ سيوف ْ
متاريسٌ ورماحْ
خياناتٌ واغتيالاتْ
عروشٌ وديكتاتورياتْ
شعوبٌ وأوطانٌ مضطهدةٌ تُشرى وتُباعْ
جواري وغلمانٌ وجماعْ
صراخٌ وغناءٌ ورقصٌ وضَياعْ
يتهشمُ تحت أقدامِ أسئلتي زجاجُ الإنكساراتِ والخيباتْ
وأنا أسيرُ على صفيحٍ من نارْ
أصنعُ من أحزاني المقطعَ الأخيرَ
من ملحمتي ( عودةُ الأرواحْ )
ماذا تنتظرُ أيها الظلامُ لترحلّ عنّا
ما الذي جعلكَ تحتلُ سريرَ النهارْ
من أضرمَ في جوفِكَ بقايا الإستعمارْ
هي أرضي ولاشيءَ سِواها
سألقنُ العتمةَ الراقدةَ فيها بصفعةٍ
تجعلها تعود إلى جحرِها كفأرٍ مذعورٍ
سألوحُ بحمامةٍ بيضاءَ
للمتوغلينَ بسوادِ الغرابِ في أرضي
أقولُ لهم :
هذه أرضي طينُها ملتصقٌ بخلايا جسديْ
وهذا الرصاصُ المتوحشُ من بندقيةِ القناصْ
لن يوقفَ أسرابَ الحمامِ المتدفقةِ
من رأسِ القتيلْ
لن يُقنعَنا بأنَ عواءَ الذئابِ
صار في يومٍ هديلْ
د . جهاد صباهي