قصة للكاتب والأديب الإيطالي/ باولو أنسالدي
مثل كل صباح اعتدت أن أذهب إلى الحانة المعتادة لتناول الإفطار وقراءة الجريدة.لقد انتهيت للتو من شرب قهوتي عندما وصل صديق. أرنستو هو اسمه. دعوته للفطور لكنه رفض وجلس يشعل سيجارة. لاحظت على الفور أنه حزين أو ربما قلق بالنظر ألى العلاقات الجيدة بيننا، سمحت لنفسي أن أساله: “أرنستو ما خطبك؟ أراك مكفهرا !” كما لو أنه لم يسمعني، ظل يدخن وينظر للأعلى وكأنّ أحدا لم يكن بجواره. كررت الأسئلة نفسها وهذه المرة رمى السيجارة التي يبدو أنها أزعجته، نظر إلي وأجاب: ” يجب أن أكون سعيداً وبدلا من ذلك أنا قلق “. ترددت في مواصلة المحادثة ولكن عبارة ” سعيدا ” و ” قلقا ” قلقا ” لذا واصلت استجوابي، ليس بسبب الرغبة في المعرفة، بل لمحاولة تقديم بعض الاقتراحات، وأخبره شيئا لكي يهتف له. ” لماذا ” سعيد ولكن قلق “؟ يسود الصمت وبعد ذلك: ” وقعت في حب سيدة أرملة وهو متبادل ولكني أفكر في العمر الذي أنا عليه وإنها قلقة لأنني لا أريد أن يفعل الناس . أعتقد أنه في عمرنا ربما لا يجب أن نبدأ عائلة جديدة.” رددت :” ما تقوله جميل لأن الحياة تستمر على نفسها حتى وإن فقدتم زوجين، منذ وقت طويل، وإذا كان الحب قاد بك نحو شواطئ جديدة فمن الصحيح أن تعيد هذا الحلم، فهذه الرغبة في العيش إلى الحياة الجديدة لأن هذا هو ما يدور حوله. الحب لا يعرف العمر وليس صحيحا أنك تقع في الحب عندما تكون صغيرا. تذكر أن الحب أعمى ويمكن أن يضرب في أي لحظة ؛ لا يهم فقط أن يكون صادقا ونقياً. يصبح جميلا لأنك تعيش الحياة بطرق جديدة ؛ وبطريقة ما هو ربيع جديد والطبيعة تتحول وملون مع جميلة، لطيفة، من الرغبة في العيش.الآن سأخبرك شيئاً حدث لي منذ سنوات عديدة عندما كنت أعمل لدى ذلك المحامي الذي تعرفه. ما سأخبرك به حدث منذ حوالي أربعين عاما. اضطررت لزيارة شخص ما، لتقديم وثيقة مهمة جدا وعاش أيضاً في بلدٍ صغير في شمال إيطاليا. للوصول إلى تلك المدينة مررت بألف مغامرة أيضا لانها لم تخدّم بشكل جيد بواسطة النقل. كما أراد الله، أخذ سيارة أجرة، وصلت حوالي العاشرة. السيد المهتم قد ذهب للأسف ألى المدينة ولم يعد إلا بعد ظهر اليوم. ماذا كان يفترض بي أن أفعل طوال الصباح؟ مشيت حول الساحة، أتناول الفطور، أنظر إلى المنازل في المقاطعة. وجدت مقعداً وشجراتٍ سمحت لي بالقليل من البرودة ؛ كان في منتصف يوليو. اشتريت صحيفة ثم دخنت سيجارة جلست على ذلك المقعد على أمل أن يمر الوقت بسرعة. جلست للتو سقطت عيني على قدم المقعد. محفظة بنية على الأرض من يعرف من وقع في حب أخذتها، ليس بسبب الرغبة في الاحتفاظ بالمحتويات ولكن لمعرفة ما إذا كان هناك أي وثيقة لتحديد مكان المالك. فتحتها: فاتورة خمسة آلاف ليرة وأوراق مطوية هذا كل شيء. أمسكت الورقة وفتحتها على أمل أن يكون هناك اسم وعنوان. كانت الورقة صفراء، أحتفظ بها جيدا. كانت رسالة مؤرخة 16/12/1956. كانت رسالة حب لأولئك الذين كتبوا ندماً لأن حبهم لا يمكن أن يستمر لأن الآباء لا يريدون للعلاقة أن تستمر . تم التوقيع على مادالينا. طويت الرسالة ثم استانفت قراءتي مقتنعةً بأنني سأحضر محفظتي إلى الشرطة على أمل أن يمكنهم تسليم المحفظة أو أن يبلغ المالك عن الضياع. عدت للقراءة ولكن الحرارة كانت ساحقة وتعبت منها. نظرت إلى المنظر أمامي ولاحظت توسعاً كبيراً من الأخضر مع الأشجار وحديقة جيدة، محاطة بالغار عالية. نهضت واقتربت أكثر. أمام البوابة الرئيسية، لافتة مكتوب عليها “بيت الراحة – ماريا مادالينا”. على الفور فكرت: مادالين. ليكن الرسالة؟” لم أفكر مرتين، لقد رننت جرس الباب وانتظرت أن ياتي شخص ما. انتظر عشر دقائق جيدة دون ذلك لم يأتِ أحد. كنت أغادر عندما وصلت سيدة في منتصف العمر فتحت البوابة ومع ابتسامة سألتني ماذا أريد. أخبرتها عن المحفظة والرسالة والتوقيع والتركيبة مع تسجيل دار المسنين. انعكست السيدة قليلاً ثم قالت لي :” ماري المجدلية لأننا جميعا متعصبون إلى مادونا. أفكر في الأمر لدينا سيدة تقيم هنا لسنوات عديدة تستجيب لاسم مادالينا. لا أعرف إذا كانت الرسالة قد كتبت بواسطتها أم لا. تعالي لنجرب في أعماقي السؤال، لا يكلف شيئا. هي إلى الأمام وأنا مشيت عبر الممر ثم صعدت الدرج، دخلنا إلى صالون حيث كان الكثير من كبار السن يجلسون، يقرؤون، يطرزون يلعبون. في زاوية كانت سيدة عجوز نائمة. أيقظتها الممرضة وهي تلمس كتفها بلطف وعندما لفتت الانتباه قالت: سيدتي هل كتبت هذه الرسالة؟ قامت السيدة أخذت نظارتها وبدأت تقرأ بصمت. بعد دقائق قليلة طوتها، وقفت وقالت :” نعم، كتبت هذه الرسالة منذ وقت طويل إلى صديقي الذي لم أره منذ ذلك الحين. نعم، تلك مادالين هي أنا وكتبتها عندما كنت في السادسة عشر. حبي كان حبا حقيقيا ولكن اضطررت إلى طاعة والدي كان علي أن أقول لا للولد الذي أحببته والذي يستمر في أفكاري، رغم التقدم في العمر. اقتربت ممرضة أخرى ورأت محفظتها قالت :” ولكن هذه محفظة المهندس تريليزي . لقد فقدها أمس بعد أن ذهب لشراء الجريدة. يستيقظ مبكرا، يخرج، يشتري الجريدة لا تأتي العاهرات إليه ولا يغادر أبدا. نعرفه ونحضر له الطعام إلى غرفته.” في هذه المرحلة السيدة مادالينا التي استمعت إلى الممرضة أرادت أن تعرف وتفهم بشكل أفضل. اتصلت بالممرضين وقررنا بالتراضي زيارة تيريليزي ومعرفة المزيد. ذهبنا إلى الطابق الثالث ومشينا عبر مدخل طويل. طرقت الممرضة وفتحت الباب. رجل كبير في السن، جالس، كان يقرأ بعض مقالات الصحف، لكنه لم يرفع رأسه ليرى من يطرق الباب أو إذا كان هناك أشخاص آخرون. لقد نهض فقط عندما رآنا ثلاثتنا. أخذت السيدة محفظتها وقالت :” سيد تيرليزي، هل هذه محفظتك؟ هذا الشاب وجده وأحضره لنا.” في هذه المرحلة تدخلت وقلت :” يا إلهي العزيز أنت رجل محظوظ اليوم ليس فقط لأنه وجد محفظته ولكن أيضا للمزيد. أعتقد انني كنت أشير إلى الرسالة وقال: ” صحيح أنني أهتم كثيرا بمحفظتي ومحتوياتها، والحرف الذي بداخلها، وأنني بكيت كثيرا لفقدانه. يذكرني بشبابي والمرأة التي لطالما أحببتها. و تقريبا في الكورس، قال ثلاثتنا: ” لقد تحققت أمنيته. السيدة مادالينا مقبولة في دار الرعاية هذا وهي تقيم في الطابق الأول. تفضلي بالدخول. دعنا نذهب ونبحث عنها. دمعتان كبيرتان نزلتا من عين ذلك الرجل اللطيف. طلب بضع دقائق لكي يستقر ثم تبعنا إلى الطابق الأرضي. كان لقاءً أعطى المحبة لكل من كنا في الصالون وعندما كان هناك عناق بين الاثنين بدأ الجميع بالتصفيق وكانوا سعداء بذلك الحدث. ثم عرفت أن تيرليزي هاجر إلى أمريكا وعاد إلى بلدته لبعض الوقت ليموت هناك. وغني عن القول، اضطررت إلى العودة إلى تلك المدينة الصغيرة عندما تمت دعوتي إلى حفل زفاف هذين الزوجين مادلينا 78 وبييرو تيرليزي 82 كأول شاهد. أو إذا كان ذلك الزوجان قادران على تتويج حلمهم بالحب بعد سنوات عديدة لأن صديقي، لم يستطع الانضمام الى امرأة حياته التي أحبته بالمناسبة ولم يكن اتحاد الراحة كما يحدث أحيانا. مسح أرنستو وجهه من الدموع التي تتدفق في أثناء إخباره ما حدث ونهض وقال: ” أنا راحل. سأخبر صديقتي تحدد موعد الزفاف لانني لا أريد أن أكون عزباء بعد الآن وأريد أن أعيش الأيام أو السنوات التي تركتها في سعادة كاملة، أتمنى أن يجعلني الله أستمتع بهذا الجزء من الحياة التي لدي لأطول فترة ممكنة .
ترجمة وتصحيح / زينب عبود( سوريا)